لم يجف حبر بيان قمة العقبة التي عُقدت بحضور "أميركي أردني مصري" بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إلا وعلت أصوات التطرف في الشارع الإسرائيلي نتيجة لعملية إطلاق النار على مستوطنين وقتل اثنين منهم  جاءت ردًا طبيعيًا على جرائم جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية في مدينة نابلس في الضفة الغربية قبل أيام، في استمرار لمعادلة العنف لا يولد إلا عنفًا، حيث بات واضحًا لجوء اليمين المتطرف المنخرط بالائتلاف الحاكم داخل إسرائيل لسياسات العنف والتصعيد هروبًا من استحقاقات السياسة، والتي تمثلت بالتفاهمات التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية لتتبلور نتائجها بالقمة التي عُقدت في مدينة العقبة الأردنية.

القمة حملت توافقًا ومخرجًا سياسيًا للوصول لحالة تهدئة مؤقتة يُبنى عليها اتفاق حول عدد من قضايا الصراع الأساسية.. والتي أدت إلى تصعيد إرهابهم في مناطق الضفة الغربية، أهمها؛ قضية القدس واستمرار ارتفاع وتيرة الاستيطان، وهو ما أكد عليه البيان بحضور الأطراف المعنية بذلك، بالإضافة إلى إعادة التأكيد على الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، وإدانة كل الإجراءات الأحادية الجانب والتي سعت "حكومة إسرائيل" إلى تثبيتها كأمر واقع، ما سبب حرجًا سياسيًا لقادة اليمين المتطرف الإسرائيلي أمام ناخبيهم من ناحية، ومن ناحية أخرى أمام الشارع الإسرائيلي المنقسم على نفسه، فخرجوا بتصريحات مسعورة ضد القمة والبيان الذي صدر عنها، مستغلين العملية التي قُتل فيها مستوطنان إسرائيليان إثنان نتيجة لسياساتهم العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، والتي استمرت وتيرتها بتحريض قطعان المستوطنين الذين أحرقوا (بلدة حوارة) الفلسطينية بحماية وغطاء من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

اليمين الإسرائيلي المتطرف، لا يؤمن بالمفاوضات، فالتطرف والإرهاب لغتهم السياسية التي يبرعون بها، ليستحوذوا ويكسبوا تأييد الشارع الإسرائيلي التي نمت عقليته على إنكار عنصري لوجود الفلسطيني والتصعيد ضده كأسس استمرار كيانهم الاحتلالي، لذلك كان التعاطي السلبي مع التفاهمات التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية من خلال وزير خارجيتها "أنتوني بلينكن"، وسعوا إلى تفريغها من محتواها السياسي بإجراءات التصعيد العسكري في العديد من مناطق الضفة الغربية، ومن خلال تصريحات إعلامية تعكس مدى عقلية التطرف التي يتمتع بها الائتلاف الحاكم حاليًا في إسرائيل، كون هذا الائتلاف لا يملك نظرة سياسية استشرافية لما سيؤول له العالم إذا ما استمرت الأزمات السياسية والاقتصادية التي تنذر بمزيد من الحروب والصراعات التي تتوسع رقعتها يوما بعد يوم.. فمؤشرات الركود والتضخم في أعلى مستوياتها في أغلب دول العالم، والحرب الروسية الأوكرانية تدخل عامها الثاني بمنعطف خطير ينذر بمزيد من التصعيد العسكري، فلا أحد في العالم.. ولا في الإقليم.. يرغب حاليًا بالتصعيد في مناطق الضفة الغربية، ولا أحد يستطيع دفع التكلفة الباهظة لمثل هذا التصعيد الذي ستكون نهايته هي طاولة التفاوض ذاتها التي عُقدت في مدينة العقبة، بعد أن يكون الفلسطيني قد دفع الثمن وحده كالعادة.. من دماء أبنائه وتدمير مؤسساته وبنيته التحتية.

فالأساس الاستمرار في السعي نحو إنهاء الاحتلال.. كاستراتيجية فلسطينية تنتهي بإقامة الدولة المستقلة، لذلك.. على الفلسطيني عدم الانجرار لدوامة العنف التي تقودها قيادات اليمين الإسرائيلي المتطرف للهروب من أزماتهم الداخلية، والتي من شأنها توحيد الشارع الإسرائيلي المنقسم حولهم بتصعيد الإرهاب ضد الفلسطيني.. ليحافظوا على مكاسبهم الانتخابية وليستمر ائتلافهم الحاكم المهزوز، بل المطلوب.. مزيدًا من الواقعية السياسية في التعاطي مع ذلك، وعدم الالتفات لبعض الأصوات الغوغائية الكامنة والتي تدعي المقاومة لتجني ثمارها بشعبويات فارغة تخدم بها أجندات إقليمية ترغب بالتصعيد أيضًا.. ليكون الدم الفلسطيني ورقة تفاوضية بيدها.

 

المصدر: الحياة الجديدة