منذ انطلقت حركة "فتح"، وأطلقت معها الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من يناير عام 1965، وهي تبحث عن نماذج في العمل الثوري ضد هذه الدولة المزورة في أكاذيبها المكشوفة وممارساتها الشاذة ضد الشعب الفلسطيني ونزوعه الثوري العظيم الذي أنتج نماذج مبهرة من الممارسات الثورية التي جعلتها تقف بثبات إلى جانب أعظم الحركات الثورية، وتقف بندية مثيرة للإعجاب في اختبار النماذج الثوربة التي وقف الآخرون الذين يبغضونها عاجزين لا ينتج عنهم سوى الحقد الهزيل.

 

نماذج ثورية مفعمة بالبطولة في السنوات الأولى التي أعقبت وقوع النكبة بقيام دولة إسرائيل وحتى عام 1956، وهو عام العدوان الأول الذي قامت به إسرائيل والذي عرف باسم العدوان الثلاثي بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا وهما الدولتان الكبيرتان في الحقبة الاستعمارية ولكن المؤشرات كانت تشير بكل تأكيد إلى أن أمجاد الماضي بالنسبة لهما توشك أن تزول، فخاضتا بالاشتراك مع إسرائيل ذلك العدوان الثلاثي الذي لم يساعدها في النجاة من التراجع والانطفاء، وكان الشعب الفلسطيني يعيش حالة الصدمة لكنه لم يتوقف لحظة واحدة عن نضاله، واتخذت تلك المبادرات النضالية أشكالًا عديدة من بينها إنشاء حركة الفدائيين الفلسطينيين في قطاع غزة التي كان يقودها ضابط مصري نادر المواصفات هو مصطفى حافظ الذي سجل مع فدائييه أكثر من أحد عشر ألف عملية في تلك السنوات كما اعترفت بذلك السجلات الإسرائيلية نفسها.وبعد عام 1956، جاء انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة التي بشرت بها وقادتها حركة "فتح" التي فاجأت الجميع بانطلاقتها وجاهزيتها بعيداً عن الجدل الحزبي الصاخب الذي كان مجرد كلام في كلام، لا ينتج سوى الضجيج القاتم، وقدمت ورسخت "فتح" والثورة المعاصرة وجودها في ذلك الوقت عبر نموذجين بارزين الأول هو نموذج الذئب الوحيد أي نموذج الفدائي الوحيد، الذي يكتم أسراره بنفسه، ولأنه يعرف طبيعة إسرائيل فإنه زرع العجز والفشل في يديها فلم يعطها الفرصة للانتقام الجماعي كما يحدث الآن، بل الاحتماء بالسرية المطلقة بعيداً عن ميول الاستعراض والمباهاة المجانية، فهو الفدائي أو الذئب الوحيد الذي لا يعرف سره إلا هو فقط والجديرون بالمعرفة، وقدمت "فتح" نماذج مبهرة على هذا الطريق مثل جيفارا غزة، وماهر البورنو، وآخرين كثيرين استطاعوا إخفاء أسرارهم.

 

ثم إن حركة "فتح"، وبعد ثلاث سنوات على انطلاقتها صنعت انتصار معركة الكرامة ليكون زوادة الطريق، وفي تلك المعركة الخالدة خالفت حركة "فتح" أهم مبادئ حرب الشعب فبدلاً من أضرب وأهرب استخدمت مبدأ اضرب واثبت فأنت يا فلسطيني وحدك الطرف الثاني في المعادلة ويليق بك الثبات.

وعينا المتواصل والذي يزداد عمقًا بعدونا الإسرائيلي يتطلب خصوصيات عظيمة، لأن لكل تجربة عظيمة خصوصيات لصيقة بها، وهذه هي خصوصيتنا، ما تكسب به العب به، فلا يليق بنا سوى الانتصار.

 

المصدر: الحياة الجديدة