صباح يوم الخميس الماضي، كل أطفال فلسطين توقفت ذاكرتهم عند توقف قلب ريان، لقد سجل جيل جديد هذه اللحظة الحزينة، بل المريرة، لتتحول في أي وقت إلى غضب، إلى انفجار في وجه كل من يرتدي زي جيش الاحتلال، هرب ريان خوفًا من الموت لكن لم يحالفه الحظ، قلبه خفق أكثر بكثير من حجمه الصغير، كان يمكن أن يعود إلى أهله، يلعب كثيرًا ويدرس قليلاً، لو لم يقرر جيش الاحتلال أن يكون في المكان، ويطارد أطفالاً بالكاد تجاوزوا خطوات المشي الأولى، وأدركوا أن  بإمكانهم الركض  للعب، أو هربًا من خطر.

 

جنود الاحتلال المعبأون بالحقد والكراهية، هل كانوا يدركون وهم يطاردون الطفل  ريان ابن السبع سنوات وزملاءه أنهم بفعلتهم إنما يطيلون عمر الصراع الدامي وربما لعقود عديدة ..!!

 

ريان لن يموت فقد رسم صورته في سماء فلسطين، وكتب اسمه في كتاب المستقبل، فإما أن يكون استشهاده عبرة، ليكون بذرة سلام، أو بذرة جديدة  لاستمرار الصراع، هذا السؤال متروك للقاتل ليجيب عليه، إذا ما كان سيتوقف أن يكون ماكينة للقتل، أو يواصل ارتكاب جرائمه؟

 

في عام 1948 قرر بن غوريون تطهير "الدولة اليهودية" من الفلسطينيين وشرد 800 ألف فلسطيني كان من بينهم 100 طفل بعمر ريان، بعد عقد ونصف العقد من الزمان أصبح هؤلاء فدائيي الثورة الفلسطينية وقادتها. منذ بداية هذا العام قتل جنود جيش الاحتلال بدم بارد ومن دون أي وخزة ضمير 35 طفلاً فلسطينيًا، هم بأفعالهم خلقوا 35 بؤرة تضم آلاف الأطفال، هم جيل الفدائيين القادم.

قصة ريان هي قصة مختلفة، لقد ركض الطفل بسرعة هربا من جنود مدججين بكل أنواع الأسلحة لينجو بحياته، ركض بقوة عشرة أحصنة،  لكن قلبه الذي لا يحتمل إلا سرعة حصان لم يصمد...ريان هو اسم سيحمله جيل فلسطيني قادم في مواجهة الاحتلال، ولن تتوقف المواجهة إلا برحيل هذا الاحتلال، ربما يأخذ الصراع منحى سلميًا.

في هذه اللحظة ليس لدي إحصاء دقيق بكم عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلهم جيش الاحتلال، لكنهم بالتأكيد بالآلاف، في الحروب الإسرائيلية الست التي شنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة على قطاع غزة استشهد مئات الأطفال، وخلال العقدين الأخيرين سجل الطفلان محمد الدرة ومحمد أبو خضير اسميهما في الذاكرة الفلسطينية، كما لن تنسى هذه الذاكرة الطفل أحمد دوابشة الناجي الوحيد من حريق  أشعله المستوطنون في منزل أهله عن سبق إصرار وترصد.

كم طفلاً فلسطينيًا يجب أن يقتله جنود الاحتلال قبل أن يدركوا أنهم لن ينتصروا علينا، قبل أن يدركوا أن عليهم أن يأخذوا أسماءهم ويرحلوا عنا. لو كنت مكان جنود الاحتلال لرميت سلاحي، ووضعت زهرة على قبر ريان، لربما عندئذ يحل السلام

 

المصدر: الحياة الجديدة