نركز الضوء على خطاب رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في الكنيست الإسرائيلي بسبب تغييبها مصطلح (الاحتلال الإسرائيلي) منه، فالخطاب سيعتبر أحد وثائق الكنيست رغم تأكيدها موقف البرلمان الأوروبي المعروف والمعلن دائمًا عندما قالت "إن البرلمان الأوروبي يدعم بقوة عملية السلام في الشرق الأوسط. نحن نؤيد حل الدولتين– دولة إسرائيل آمنة ودولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية وتنعم بتواصل جغرافي وقابلة للوجود- تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن.. فهذه العملية قابلة للتنفيذ". ثم تحدثت عن تاريخ مشترك بين شعوب أوروبا الحضارية منذ آلاف السنين!! وبين (اسرائيل) وهي دولة احتلال وفصل عنصري حسب قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظماتها انشئت قبل 74 سنة فقط! ولا تملك جذرًا حضاريًا واحدًا بالمعنى الحقيقي في فلسطين، إذ قالت حرفيًا: "إن العلاقات بين اسرائيل والشعوب الأوروبية عميقة وأن الرابطة المشتركة بيننا أصبحت أكثر قوة بسبب ما اجتزناه معًا خلال الأيام الرهيبة من تاريخنا المشترك" وهنا نعتقد أن السيدة روبرتا ميتسولا قد صدقت في هذه النقطة، فيهود أوروبا (الاشكناز) الذين غزوا فلسطين أثناء الاستعمار البريطاني بعد وعد بلفور عام 1917 والأوروبيون اليهود الذين كانوا ضحايا تعاون (التوأم العنصري: النازية الهتلرية والمنظمة الصهيونية) هم فعلاً مواطنون اوروبيون، وتاريخهم مع شعوب أوروبا لاشك فيه أبداً، لكن المؤكد والحقيقي الثابت انعدام صلتهم التاريخية بأرض فلسطين وتاريخها، والحضارات المتعاقبة عليها!!

 السيدة ميتسولا لم تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في الوجود- على الأقل من باب التوازن في الطرح والمواقف– فالشعب الفلسطيني موجود أصلاً منذ فجر التاريخ الانساني على أرض وطنه فلسطين، ونعتقد أن مكتبات اوروبا زاخرة بالكتب والخرائط والوثائق التاريخية المبينة بالدلائل المادية القاطعة لجذور هذا الوجود.. لكنها في خطابها جددت موقف البرلمان الأوروبي من حق إسرائيل في الوجود عندما قالت: "إن أوروبا ستدعم دائمًا حق إسرائيل في الوجود، معتبرة أنه من غير المعقول، أن يظل حق إسرائيل في الوجود موضع شك"! وتحدثت عن الارهاب دون تسميته، ولا يختلف عاقلان اليوم من حيث المبدأ مع قولها: "أولئك الذين ينشرون العنف ليس لديهم أجوبة. ليس هنالك أبدًا ما يبرر الإرهاب والعنف لم يكن هو الحل أبداً، ولا يوجد عذر للإرهاب".. لكن هل للاحتلال والاستيطان الاسرائيلي عذر؟ فإسرائيل وفق تقارير الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة- على الأقل ترتكب يوميًا جرائم تطهير عرقي، وتمييز عنصري، وتهجير المواطنين الفلسطينيين من ارضهم وبيوتهم، ويقتل جنود جيشها ومستوطنوها المسلحون مدنيين أبرياء على الحواجز ويحرقون العائلات والأطفال وهم احياء... ونعتقد أن رئيسة البرلمان الأوروبي تعلم تماماً أن شعبنا يرفض الإرهاب لأنه الضحية رقم واحد للإرهاب وأن منهجنا الوطني الكفاحي ومبادءنا السياسية لا تتبنى الإرهاب، وإنما مقاومة شعبية سلمية وهي حق مشروع في مواجهة (إرهاب دولة اسرائيل) فالعنف والإرهاب قبضتا منظومة الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي النارية الفولاذية، لا يمكن لإسرائيل الحديث عن السلام مادامت حكوماتها تستخدمهما لإخضاع الشعب الفلسطيني فزوال الاحتلال والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية مفتاح السلام وهذا منسجم مع موقف البرلمان الأوروبي وقرارات الشرعية الدولية. 

تحرم أخلاقنا العربية الانسانية، كما يحرم منهجنا الوطني النضالي العدوان والاعتداءات على اماكن العبادة أيًا كانت عقيدة المتعبدين، فهذا لا جدال فيه أبدًا، لكنا نسجل هنا ملاحظة على ماجاء في كلمة رئيسة البرلمان الأوروبي عندما أشارت إلى الاعتداءات على الكنس اليهودية كأماكن لعبادة الرب، واعتبرتها أعمالاً معادية للسامية، لكن ألا يعتبر معاداة للسامية عندما يعتدي جنود وضباط جيش الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنون على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والحرم الإبراهيمي ويقتلون مواطنين فلسطينيين متعبدين في باحات "اماكن عبادة الرب"؟؟ وللتذكير، نحن- الفلسطينيين- ساميون، فليس في أدبياتنا الوطنية اي صراع مع اليهود وعقيدتهم، وإنما مع المشروع الاستعماري- الصهيوني الذي استغل مآسيهم ومشكلتهم في أوروبا، وبذلك يكون قولها: "أن تكون معاديًا للسامية يعني أن تكون معاديًا لأوروبا والبرلمان الأوروبي ملتزم بكسر هذه الحلقة من خلال محاربة معاداة السامية" صحيحًا، ما يعني أن منظومة الاحتلال والعنصرية دولة إسرائيل معادية للسامية أيضًا. أي أن معاداة السامية لا تعني معاداة اليهود فقط. 

لقد رفعنا ركائز ثقة مع البرلمان ألأوروبي الذي يمثل شعوبًا حضارية، بدأت تسترجع علاقتها التاريخية الصحيحة مع الشعب الفلسطيني وقيادته الحكيمة المؤمنة بالسلام، فشعوب أوروبا بدأت تتبرأ فعلا من العلاقة مع دولة فصل عنصري سمتها الدول الاستعمارية الكبرى (اسرائيل)! 

المصدر: الحياة الجديدة