أن تضطر إسرائيل، بعد أكثر من 74 عامًا على وجودها و55 عاماً من احتلالها لباقي فلسطين، على خوض معركة العلم الفلسطيني، فهذا دليل هزيمة دليل فشل فرض الرواية الصهيونية وأهدافها الرئيسية. صحيح أن إسرائيل قد حققت انجازات في السنوات الأخيرة في مجال فرض نفسها كقوة إقليمية وفي الفضاء العربي، ورقم مهم في العلاقات الدولية، لكنها مع ذلك، تشعر بالهزيمة لانها فشلت في واحد من اهم أهدافها في معركتها الرئيسية وهي الغاء وطمس الحقيقة الفلسطينية، لقد ربحت إسرائيل معركتها على الساحة الدولية وخسرتها امام الشعب الفلسطيني

هذا الشعور العميق بالهزيمة  الفعلية دفع  إسرائيل للتصرف بجنون وبنمط فاشي عنصري الاكثر بشاعة وحماقة بالتاريخ. لم يخطر ببال الآباء الصهيونيين ان تتحول الدولة التي سعوا الى إقامتها على انقاض فلسطين والشعب الفلسطيني إلى دولة فصل عنصري، كان يريدونها دولة " يهودية نقية " وفي أسوأ الأحوال دولة يهودية مع أقلية عربية محدودة جدًا، واليوم، الفلسطينيون العرب يزيد عددهم عن عدد اليهود من النهر إلى البحر.

 الطبقة السياسية في إسرائيل تشعر بالفشل وبالاحباط لعدم قدرتها الاجابة على  السؤال الصهيوني  الرئيسي،  كيف ننتصر على الحقيقة الفلسطينية؟ هذا الشعور انعكس داخليًا على شكل أزمة سياسية عميقة، لا تستطيع أن تستمر خلالها حكومة إسرائيلية لأكثر من عامين، وبالممارسة، وفي العلاقة مع الشعب الفلسطيني، أصبحت إسرائيل دولة فصل عنصري، دولة فقدت عقلها تتصرف بجنون يرعبها علم فلسطين أكثر من صواريخ رؤوس نووية، خصوصًا انها ترى ان هذا العلم يرفرف في تل أبيب وحيفا وبئر السبع وليس فقط في مدن وقرى الضفة وفي القدس الشرقية، وبهذا الشأن لعل أكثر القرارات دلالة وسريالية في آن، وهو قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت بتخفيض ميزانية جامعة بن غوريون لأن أعلاما فلسطينية رفعت ورفرفت في ساحات الجامعة. 

معيار الهزيمة والنصر في قضية معقدة مثل القضية الفلسطينية وفي صراع  صعب مثل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الصهيوني، هو في  نجاح الفلسطينيين الصمود والبقاء على الأرض،  في عدم قدرة المشروع الصهيوني، الذي انكر وجود الشعب الفلسطيني في البدايات، على فرض روايته والتي هي رواية استعمارية احلالية هدفها الغاء وجود الآخر وفي هذا لم تنجح الرواية الصهيونية في تغيير الحقيقة. والمعيار الثاني هو من ينتصر في معركة الإرادات، والأكيد أن إسرائيل فشلت تمامًا في كسر إرادة الشعب الفلسطيني رغم فارق القوة الهائل.

ولأنها أسيرة روايتها العنصرية التوسعية، ولأنها عجزت أن تكون دولة ديموقراطية، دولة كل مواطنيها، إسرائيل فشلت في اقتناص اللحظة المناسبة لانهاء احتلالها والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، لذلك هي اليوم في ورطة أكبر ومأزق اعمق عندما وجدت نفسها تتقاسم مع الشعب الفلسطيني كل تفاصيل الحياة اليومية، عندما وجدوا الشعب الفلسطيني على صدورهم كالجدار كما قال شاعرنا توفيق زياد.

ربما كان الشعب الفلسطيني اقل قدرة على تنظيم نفسه، ربما عجز في منع مشروع الاستعمار العالمي من التحقق على أرضه، لكنه اثبت بعد أكثر من مائة عام من الصراع ان الحقيقة الفلسطينية لا يمكن طمسها، لأنها الحقيقة المنسجمة مع منطق التاريخ والواقع المعاصر. اليوم من ينتصر هو هذه الحقيقة العصية على الهزيمة.

المصدر: الحياة الجديدة