بين لحظة وأخرى قد تبدأ جرافات جيش نظام الأبارتهايد والتهجير والاستعمار العنصري بتدمير منظومة القانون الدولي وقيم العدالة الإنسانية، ليس هذا وحسب، بل لمنع قيام دولة فلسطينية مترابطة جغرافيًا، واستكمال مشروع القدس الكبرى أي مشروع تهويد أرض فلسطين عبر محو أي وجود سكاني فلسطيني ما بين القدس والبحر الميت.. لذا فإنَّ قرار المحكمة العليا الإسرائيلية قبل حوالي أسبوع من الآن كان بمثابة تشريع وقوننة جريمة الحرب ضد الإنسانية التي قد تحدثُ ولا ندري ربما أثناء كتابة هذا المقال تحت مظلة ما سميتها أكاديمية الخان الأحمر.

فالاحتلال يريد الخان الأحمر ميتًا أو ميتًا، ولكنَّ.. هل بمقدورهم تنفيذ جريمتهم هذه وقيادات وكوادر الحركة الوطنية الفلسطينية عمومًا وحركة فتح تحديدًا مرابطون عند خط المواجهة الأحمر؟ هل ستمضي جرافاتهم على أجسادهم وأجساد عرب الجاهلين وآل أبو داهوك، أم تراهم سيهرسون عظام المساندين من عدة جنسيات، فهؤلاء إخوتنا في الإنسانية أعضاء اتحاد الكنائس العالمي والأستاذ البروفيسير المحامي الفرنسي فرانك رومان المقيم هنا كالفلسطيني البدوي، أم تراها قوات جيش ليبرمان ونتنياهو ستطلق النيران على متضامنين إسرائيليين يؤمنون بالحرية والعدل كمنظومة قيمية لا بد منها في أي نظام حكم لتحقيق السَّلام كما يفكّر هاري وابنته ميريام وغيرهم مثل منظمة "ليس عبر فوهة البندقية"، فالخان الأحمر كان في اليوم المتوقع لتنفيذ جريمة بمثابة ملتقى دولي لمعتنقي مبادئ الحرية والسَّلام.. لم نسمع مناظرات وخطابات وإنمَّا بادر الجميع للركض لأخذ موقع متقدم ونيل شرف التصدي لجرافات جيش الاحتلال لمجرد وصول معلومة حول وصولها إلى مشارف التجمع السكني.

لن نسمح لدولة الاحتلال بتكريس قوانينها الظالمة كقدر.. والمواجهة باتت أوسع مما يظن قادة الاحتلال المستبدين الظالمين.. فإن كان قضاؤهم قد قرَّر المشاركة في الجريمة فإنَّ فضاء القضاء الدولي ما زال مفتوحًا وقد دخلته القيادة الفلسطينية بدعوى قانونية للجنايات الدولية باسم السلطة وأخرى رفعها محامو سكان الخان الأحمر.

باتت المعركة الآن في قلب المجتمع الدولي ومركز عدالته.. لكن نحن من يجب أن يكون في الخطوط الأولى ليواجه ويتحدى ويتصدى للمجرمين وأدواتهم النارية الفولاذية.

كان لقيادة وكوادر هيئة مقاومة الجدار والاستيطان شرف تحمل المسؤولية منذ أكثر من مئة يوم حتَّى اللحظة، حيث عملت الهيئة على استثمار القدرات المادية والبشرية التي وضعها الرئيس أبو مازن تحت تصرفها لتحقيق هدف واحد وهو تجذير سكان المنطقة الفلسطينيين في أرضهم ومنع نكبة تهجير جديدة والعمل على توفير مقومات الصمود والبقاء في أراضيهم ، أي في بوابة القدس الشرقية.

هنا في الخان الأحمر عندما نقضي يومًا أو يومين مع المناضلين الصامدين ونلمس نوعية المشاركة حيث الأب يوسف من نابلس والأب فراس من الزبابدة والشيخ محمد حسين من القدس وقيادات وكوادر وأعضاء من أقاليم حركة فتح من شمال الوطن وجنوبه من نابلس والخليل والقدس وبيت لحم وأريحا والمناضلات في اتحاد المرأة وجمعيات الكشافة ومنظمات الشبيبة على سبيل المثال لا الحصر، سندرك بأنَّ الانتماء الوطني بخير وإنَّ إدراك الجماهير الفلسطينية ترى وتلمس مخاطر وأبعاد قرار الهدم والتهجير على سكان المنطقة أولاً وعلى مستقبل الشَّعب الفلسطيني ووجوده وآماله .

سكان الخان الأحمر لا يحتاجون بيانات ولا خطابات وإنَّما مقومات صمود وبقاء مادية بديلة إن نفذ الاحتلال جريمته، وحركة عملية مبرمجة كفيلة بأحداث تحوِّل نوعي في حياة السكان تمكنِّهم من الاستمرار بالعيش في بيئتهم البدوية ولكنَّ بأعظم قدر من الأمان والاطمئنان على مستقبل أولادهم وأحوالهم.. إذ تكفي نظرة واحدة إلى أبنائهم من الجنسين في صفوف المدرسة المختلطة لنعرف سبب إصرار الاحتلال على تنفيذ الهدم والتهجير.

قضية الخان الأحمر امتحان في منهج الانتماء الوطني لا مجال للرسوب فيه ليس أمامنا إلَّا النجاح الذي يعني ابتداء السير إلى جامعة الأمم وعنوانها الحرية والاستقلال.. ومن أراد نيل شهادة من هذه الجامعة فعليه تطبيق النظرية عمليًا في الخان الأحمر.