كلمة الرئيس أبو مازن في افتتاح أعمال المجلس المركزي في دورته التاسعة والعشرين، يوم أمس لم تضع النقاط على حروفها بشأن ثبات الموقف الوطني الرافض لصفقة القرن، والذي كان للرئيس السبق في اتخاذه وإقراره بمنتهى الحزم والحسم معا، وبالتصميم اللافت على دحر هذه الصفقة التصفوية فحسب، وإنَّما وضعت كلمة الرئيس كذلك النقاط على حروفها بصدد مختلف قضايا الشأن الوطني على مستوياته كافة، وسبل مواجهة التحديات الراهنة، للمضي قدمًا بالمشروع الوطني التحرري، حتَّى تحقيق أهدافه العادلة بإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران، وبعاصمتها القدس الشرقية، وبإنجاز الحل العادل لقضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية.

وبمعنى بالغ الوضوح، فإنَّ كلمة الرئيس أبو مازن، عبارة عن برنامج العمل الوطني في المرحلة المقبلة، البرنامج الذي سيضع الذين قاطعوا أعمال هذه الدورة أمام السؤال الوطني، عن جدوى هذه المقاطعة ودوافعها التي من الصعب أولاً فهمها ومن الأصعب تبريرها!! والسؤال الوطني هو سؤال فلسطين التي لن تقبل ولن ترضى في لحظتها الراهنة، وهي لحظة بالغة الصعوبة والخطورة معًا، بهذه المقاطعة التي لا ترى فيها ما يخدم قضيتها وتطلعاتها ولا بأي حال من الأحوال.

ولأن كلمة الرئيس أبو مازن بهذا المعنى وعلى هذا المستوى فإنَّ الدورة التاسعة والعشرين التي تعقد تحت اسم "الشهيدة رزان النجار والانتقال من السلطة إلى الدولة" هي دورة تاريخية ومفصلية فوتتها على نفسها "الجماعة" المقاطعة، بل أنَّها تعلن بمقاطعتها هذه أنها غير معنية ببرنامج العمل الوطني في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة، ولا نتجنى على احد في هذا السياق، فالواقعية تقول بموضوعية وبمنتهى البلاغة، انسحاب هذه الجماعة من نقاشات البحث عن إحدى السبل لمواجهة مخاطر اللحظة الراهنة والتصدي لها، وعدم تحمل المسؤوليات المطلوبة في هذا الإطار!.

كما أنَّ الواقعية النضالية طالما أكَّدت وتؤكّد أنَّ التاريخ لا تصنعه بلاغات الشعار والأستذة بمزايداتها الانتهازية وبيانات المقاطعة ليس غير هذه البلاغات التي انطوت على مغالطات وأكاذيب لا تستحق ردا سوى المزيد من علامات الاستفهام والتعجب..!! ونعلم علم اليقين أنَّ بعض هذه البيانات إنما جاءت بمغالطاتها بهدف الابتزاز، للاستحواذ على مواقع بذاتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير!.

لن تقبل فلسطين ولن ترضى، لفصائلها ولا لأي أحد من أبنائها الانسحاب من ساحات المواجهة لحظة احتدامها، وعندما لا تقبل فلسطين ولا ترضى بذلك، فإنَّ محاكمتها تكون عسيرة تمامًا بقدر عدالتها.

ويبقى أن نؤكّد إنَّ مسيرة الحرية بقيادتها الشرعية الراسخة على الثوابت المبدئية لن تضيرها مقاطعات الحسابات والمصالح الحزبية الضيقة، والخسران لن يكون إلّا لأصحابها. ستمضي مسيرتنا قدمًا إلى الأمام، وهذا هو قرار كلمة الرئيس أبو مازن، وقرار مخرجات المجلس المركزي في دورته التاسعة والعشرين، وهذا ما تريده فلسطين وما ترضاه.