الشاعر صلاح الدين الحسيني (أبو الصادق) 1935  - 2011

غلابة يا فتح

لم يخفت كلام شاعر الثورة والأغنية الثورية صلاح الدين الحسيني (أبو الصادق)، ولم ينقطع وهج مفرداته من نفوس من كان يستمع الى قصائده في اذاعة العاصفة الناطقة باسم حركة فتح منذ الستينات وحتى الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 82، التي حملت معاني الايمان بقضية شعب بدأ يجاهد بكل ما يملك من امكانيات في سبيل انجاز حقوقه الوطنية للخلاص من اليأس والمنفى والتعقيدات الانسانية اللامتناهية التي كانت تقضّ مضجعه. وهي أناشيد فيها من الوفرة والغزارة ما ملأ كل ساحة من الساحات، حتى ترددت على كل لسان في عصرٍ كان يحتاج فيه الفلسطيني الى ما يؤجج الانفعالات المدفونة في صدر متعطش الى ربوع الوطن بعفوية وصدق  وتمرد وتعبير عميق مستمد من زخم الثورة، والحنين الى الارض والوطن.

أفنى الشاعر (ابو الصادق) حياته في خدمة الثورة، وكرّس جهده في خدمة قضية شعبه منذ التحاقه بحركة فتح في العام 67، وبنى مع اخوته في الحركة أول عمل اعلامي – الاعلام العسكري – لحركة فتح في العام 69، وكان الناطق العسكري لجميع فصائل قوات الثورة في العام 71، وهو الذي أنشأ مؤسسة المسرح والفنون الشعبية الفلسطينية في بيروت في العام 75، وبعد مغادرة م.ت.ف لبنان على إثر الاجتياح الاسرائيلي توجه الى مصر وأسس هناك مسرح الطفل الفلسطيني في القاهرة، بدعم من دائرة الثقافة والاعلام في م.ت.ف، وقدم خلالها أعمالاً شعرية وادبية مغناة منها: الانتفاضة (1)و(2)، ومسرحية حارس النبع، ومسرحية طاق طاق طاقية. وشكل فرقة فنية مؤلفة من بنات وأبناء شهداء فلسطين وطاف بهم العالم للتعريف بالقضية ونشر ثقافة عدالة القضية. له عدة دواوين شعرية منها: ثوريات. وهو أول من كتب نشيد الثورة وحركة فتح، وساهم في كتابة نصوص الكثير من أناشيد الثورة، مثل نشيد العاصفة، اللوز الأخضر، المد المد، جابوا الشهيد، جر المدفع فدائي، البروقي، طلّ سلاحي، غلابة يا فتح، فوق التل، ما بنتحول، مدي يا ثورتنا، يا شعب كبرت ثورتي. ولا شك أن هذه الأغاني الثورية غذّت وأثّرت بشكل كبير على رفع الروح المعنوية لدى أبناء الحركة والفدائيين الذين كانوا على جبهات المواجهة مع العدو الاسرائيلي. وكانت اذاعة فلسطين، اذاعة العاصفة، تبث هذه الاناشيد باستمرار وخصوصاً أثناء المعارك والتصدي لقوات العدو الاسرائيلي، الشاعر صلاح الدين حسيني انسان عرف عنه التواضع والاخلاص والصدق في التعاطي مع الآخرين والتفاني في العمل. يقول في قصيدة قديش هذه الوعرة وعرة ومشيناها ليش: "وقت إيش كان طريق مفروش أزهار؟/ من لما كنا صغار مشينا على وحل العطش/ كان الشرش يرضع من عيون الارض دم وعرق ومرار/ واللقمة كانت ترتعش ومغمسة بالنار/وصغارنا كانوا زي الصغار/ ما كان في ايديهم لعب/ ولا كان حتى لأواعيهم يا ثائر لون/ ولا كان لها أزرار..."

أنه يرتقي بانفعالاته وتعابيره المشحونة والمتفجرة الى رسم لوحة انسانية مليئة بالألم. يقول في قصيدة يا طيف: "يا طيف في ثوبك الأخضر/ رأيتك في المنام موجوع، ورأيت الآهة في عيونك/ خريطة مطرّزة بدموع/ رأيت يافا على شمالك/ رأيت القدس ع يمينك/ تجاعيد الوطن حطت على جبينك/ خريطة لكل فلسطينك." فعلاً استطاع الشاعر أن يرى خريطة فلسطين كاملة يرسمها بكلماته البسيطة من بحرها الى نهرها، فلسطين التي تعيش في قلب كل فلسطيني مدنها وقراها وهي واحدة لا تتجزأ رغم الصمت وفواجع الايام التي جعلت من الكثيرين يمسكون بريشة الرسام ليرسموا خرائط مشوهة بعيدة عن العقل والحقيقة، وبلغة التقشف البعيدة عن الفضاء والارض وروح الانسان. (أبو الصادق) لم يكتب من اجل هذا وذاك بل كتب من اجل الأرض من أجل فلسطين والثورة والمخيم يقول: "عتابا وأوف ../ ياما الهوا نسّم على القطوف/ ياما نجوم الليل زارتني ونادتني/ قوم يا غريب اسمعْ/ قوم يا غريب وشوف/اسمع مواويل أرضك الخضرا فوقيها يطوف."

 لقد فقدت فلسطين علماً مقداماً من خيرة أبنائها، كرس حياته لخدمة أبناء شعبه وقضيتهم، فقدت شاعراً مناضلاً مؤمناً بوطنه وثورته، يدفعه الاصرار والحنين الى كتابة أجمل الكلمات الى اجمل أرض، وربما بكلمات قليلة لخص ابن غزة ما يريد من أرضه ووطنه حيث قال: "دربي مرّ، دربك مرّ، إدعس فوق جراحي ومرّ."