خاص مجلة القدس/ الاصدار السنوي العدد 344 كانون الثاني 2018

تحقيق: وليد درباس

نظراً للواقع الصعب لشعبنا الفلسطيني في لبنان، والحاجة الملحة لذوي الإعاقة، أُنشِئَت مؤسّسة "الكرامة" للمعوّقين الفلسطينيين في مخيَّم عين الحلوة، وهي مؤسَّسة فتحاوية يعملُ في إطارها موظّفون وموظّفات منضوون في حركة "فتح". ومنذُ انطلاقتها، شرَّعت المؤسّسة أبوابَها لتقديم الخدمات لذوي الإعاقة بجميع تصنيفاتها وعلى اختلاف فئاتهم العمرية، رغم مختلف الصعوبات التي تعترض عملها.

تأثير الأحداث الأمنية على عمل المؤسسة
تُدرج مؤسسة "الكرامة" أجندتها بسياق المهام والمسؤوليات المجتمعية، فهي تُقدِّم الخدمات الاجتماعية والثقافية والتوعوية، وتسعى إلى دمج ذوي الإعاقة في المجتمع، وَفْقَ حديث مديرة المؤسّسة باسمة عنتـر. وفي حين يبذل العاملون في المؤسسة جلّ جهودهم، فإنَّ العمل بطبيعة الحال يتأثّر بالأحداث الأمنية، حيثُ تقول عنتر: "كان وقـع العام 2017 سيئًا على المؤسّسة، بسبب النزاعات التي شهدها مخيَّم عين الحلوة، خاصّةً أنَّ موقع المؤسسة الكائن في تلة جبل الحليب جعلها على تماسٍ مباشرٍ مع نقاط حدوث الإشكالات، وعُرضةً للرصاص الطائش، وغيره. وقد أدَّى ذلك لتراجع اهتمام المؤسسة بأجندتها الثقافية التوعوية لحساب تزايد عملها واهتماماتها بمهام أخرى ومنها بشكل خاص ذات الصِّلة بالعلاج الفيزيائي، نظرًا لتزايد أعداد المصابين بالإعاقات جرّاء أعمال العنف في المخيّم، وتمايز قـدرات وخدمات مركز العلاج الفيزيائي، ولوقوعه داخل عين الحلوة ما يوفّر عليهم كلفة ومشقّة التنقُّلات".
وإضافةً إلى ما سبق، تهتمُّ مؤسسة الكرامة بالترفيه عن ذوي الإعاقة، فُتنظِّم لهم وفـق المتاح رحلات ونزهات إلى البحر والحدائق العامّة والحقول الخ، لمنحهم فسحةً للترويح عن أنفسهم، وتعزيز قدراتهم وتحفيزهم بين الحين والآخر لدمجهم مع الأسوياء من أبناء الشعب الفلسطيني واللبناني على حـدٍّ سـواء، وفي هذا السياق تقول عنتر: "نعرف أنَّ الأوضاع المادية الصعبة لأهالي المعوّقين تحول دون قدرتهم على توفير الترفيه لأبنائهم، ونكتشف أنَّ بين الأهالي مَن لم يستوعبوا إلى حينه وجود حالات إعاقة في بيوتهم، ويكون وقعُ ذلك سلبيًّا على مجمل حال الأسرة للأسف".

مؤسسة الكرامة شريك ومشارك فاعل مع المؤسسات
تُقيم مؤسسة الكرامة علاقات على أكثر من مستوى وصعيد "محلي ودولي"، وتقول عـنتـر: "مؤسستنا عضو فاعل في هيئة "الإعاقة الفلسطينية"، وتربطنا بها نشاطات عمل مشتركة ودائمة واجتماعات دورية، وهي كقناة للتواصل مـع الآخرين، كما تربطنا شراكة مع مؤسسة "التعاون"، وجمعية "الإغاثة الطبية البريطانية"، ولدينا علاقات جيّدة مع جمعية "نبـع"، ونعمل معًا ضمن برنامج الحماية، ولدينا مندوب دائم في هذا البرنامج. أمَّا شراكتنا مع مؤسسة "غسّان كنفاني" فتستند إلى اهتمامها بالمعوقين من عمر 3 إلى 18 عامًا، وبعدها تُحوَّل هذه الفئات لتلقي العلاج في مؤسستنا، حيثُ نقوم بدراسة كلّ حالة بهدف معرفة ماهيتها (إعاقة عقلية بسيطة أو خفيفة، إعاقـة جسدية، الـخ)، وعلى ضوء الوضع الصحي للحالة والاطلاع على مؤهلاتها ومهاراتها يتم قبولها لتعلُّم هذه المهنة أو تلك في مؤسستنا".
وتُضيف: "تربطنا بالاتحاد العام للمرأة الفلسطينية- فرع لبنان وبرئيسته الأخت آمنة جبريل علاقات تعاون طيّبة وعمل وتنسيق، ومؤخَّرًا طلبنا مساعدتها للتواصل مع الجهات المعنية من فاعلي الخير ومؤسسات الدعـم لتأمين حافلة للمؤسّسة لحاجتنا الماسّـة لذلك، ونحن على يقين أنَّها لن تدَّخِـر جهدًا، ونأمل خيرًا إن شاء الله. لقد أوصلنا رسالتنا للمؤسّسات، وأوردنا فيها حاجاتنا، وسمعنا كلامًا طيِّبًا من بعضها من ذات القدرات والإمكانيات، ونأمـل ترجمة هذا الكلام في العام القادم لشيء ملموس، ولما فيه الصالح العام لذوي الإعاقة، وتطوير أجنـدة ومهام مؤسّستنا، وباقي مؤسسات الإعاقة".
وتلفت عنتر من جهة أخرى لتنفيذ المؤسسة برنامج إعارة لأجهزةٍ وأدوات خاصّةٍ بذوي الإعاقة ("ووكر"، عكاز، فرشة ماء، كرسي متحرّك) معظمها يحصل عليها محتاجوها بالمجان، وأخرى بأسعار رمزية جدًا.

عقبات تحـد من تطلُّعات المؤسسة
تلخّص مديرة المؤسسة "باسمة عنتر" العقبات التي تمنع تحقيق تطلُّعات المؤسسة بما يلي:
*إيقاف المؤسسات المانحة دعمها وتمويلها لأجندة المؤسسات بشكل منفرد، وتحويلها للمؤسسات الكبيرة، وحصر حصول المؤسسات الصغيرة على التمويل بالانتماء لذات البرامج التي تعمل عليها المؤسسات الكبيرة
• افتقار مؤسسة "الكرامة" للترخيص (علم وخبر) الرسمي من السلطات الشرعية اللبنانية ذات الصلة، الذي يسمح لها بطلب الدعم والتمويل من جهات الدعـم
• رداءة حالة الحافلة التي تقل ذوي الإعاقة إلى المؤسسة وتعرُّضها للأعطال بصورة دائمة، وعدم توفّر قطع غيار لها كونها تعود للعام 1986 ومستعملة بالأساس، ما يضطّر المؤسسة للقبول بتصنيع الميكانيكي قطع غيار مشابهة للقطع الخاصة بالحافلة، وهو ما يتسبَّب بعد حين بتكرار الأعطال، في حين أنَّ المعوقين موزعـون في عدة أماكن ومخيّمات خارج عين الحلوة، وتوقف الحافلة الفجائي عن العمل يعطل العمل من جهة، وبات يحول دون تلبية المؤسسة طلبات العديد من الأهالي الراغبين بإلحاق أبنائهم المعوقين بالمؤسسة
• محدودية الإمكانية المادية للمؤسسة ولـ"م.ت.ف" بشكل عام، ما يضطَّر المؤسسة للعمل والتكيُّف وفق المقـرَّر والمتاح

الجانب المهني لعمل المؤسسة
تضمُّ المؤسسة مشغلاً مهنيًّا للشُّبّان، ومشغلاً مهنيًّا للشّابّات، وعملهما يتممّ بعضه الآخـر. إذ يعمل في مشغل الشُّبّان ستة أفراد، يشمل عملهم، وَفْقَ حديث الباحث الاجتماعي "فـادي حجير"، صناعة الإطارات الخشبية (البراويز)، والرسم والتلوين على الزجاج، وتزيين منتجات مشغل الشّابّات، وبواسطة المعارف يتم تأمين الإطارات المعدنية للوحات، ويزيد حجير: "بحسب المتاح نقوم من خلال المشغل بأعمال صيانة للكراسي المتحرّكة الخاصّة بالمعوقين ممَّن يقصدون المؤسسة وبالمجان". ويختم بالقول: "مضى على عملنا في المؤسسة عدة سنوات، وبدعمها ومساندتها ومن خلفها حركة "فتح"، تأهَّـل الشبان، وفتحوا البيوت، وخفَّفوا العبء عن كاهل أسرهم، واليوم نتوسّم من أصحاب الخير وغيرهم دعم مؤسّستنا لمساعدة ومساندة العديد ممَّن يُدرَجون بخانة الإعاقة".
أمَّا مشغل الشّابات فتعمل فيه وَفـْقَ حديث "إيمان شهابي" عشر عاملاتٍ يتفاوت عملهن ما بين التطريز بالصنارة وحياكة الصوف والأشغال اليدوية، وتضيف شهابي: "نولي اهتمامًا خاصًا بالقطبة الفلسطينية ومنها بشكل خاص قطبة (الأكسيل) المشهورة، وذلك بهدف الحفاظ على التراث الفلسطيني، وإسقاط مزاعم الصهيونية بنسبه لهم زورًا وغصبًا"، وتكمل: "نُحوِّل أعمالنا للوحات وطنية، وتراثيات شعبية فلسطينية، وإطارات صُوَرٍ، وصوانٍ، وعلب مناديل ورقيّة، وغيرها).
وتختم الشهابي: "باتَ لمنتوجات المؤسسة سمعة طيبة، إذ نتلقّى الدعوات للمشاركة في المعارض، وتحظى منتوجاتنا بإعجاب وتقدير وإقبال، وبات عليها طلبٌ من قِبَل المغتربين الذين يقصدون المؤسسة لاقتنائها".