خاص مجلة القدس العدد 324/ تحقيق: دائرة العلاقات والاعلام للامن الوطني


شهدت سطور التاريخ على عناية أُمّتنا الإسلامية في مختلف عصورها بكتاب الله تعلُّماً وتعليماً، وما كان ذاك إلا لأن القرآن روح الإسلام ودستوره، ومنبع شرائعه وأحكامه التي من خلالها تُنظّم حياة الفرد والمجتمع. وفي ظل حالة الوهن والضعف والتزييف التي تعتري الأمة الإسلامية الأمر الذي أوجد صورة نمطية مغلوطة عن ديننا الحنيف تتمثّل بالقتل والإرهاب، وخاصةً في مخيم عين الحلوة الذي رغم اتسامه بالطابع الإسلامي إن كان بين سكانه وحتى بين الحركات الإسلامية المتشددة، فإنه يلحظ بعض الالتباس في الفهم والاستيعاب للدين الإسلامي بشكله المعتدل السليم بالتوازي مع صورة سلبية مُسبَقة مأخوذة عنه، كان لزاماً الاهتمام بكتاب الله ونشر الدين الإسلامي المعتدل في المخيم. ومن هنا بدأ التوسُّع في إنشاء وإعداد الحلقات القرآنية في عين الحلوة وبينها معهد الشهيد ياسر عرفات لتحفيظ القرآن الكريم الذي يعدُّ الأول من نوعه لقوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان. فكيف تمّت بلورة فكرة إنشائه؟ وهل يتمكّن المعهد من المحافظة على الهوية الدينية السليمة للجيل الصاعد في وجه المغالطات في فهم الشريعة، وإعداد جيل واعٍ ومتفهّم للتعاليم الإسلامية المعتدلة؟

معهد ياسر عرفات: التأسيس، الأهداف، وآلية العمل
حول بلورة فكرة مشروع إنشاء معهد لتحفيظ القرآن الكريم في مخيم عين الحلوة ومدى قدرة هذه النوعية من المشاريع على الاستمرار والتأثير الايجابي في الجيل القادم، يقول الملازم أول في قوات الأمن الوطني الفلسطيني أنس الجزار: "هذا المعهد وُجِد ليستمر، وليس العكس، فنحن أنشأناه بناءً على تعليمات من قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني اللواء نضال أبو دخان، وقائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي ابو عرب، وسفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، وبتعليمات مباشرة من قائد الأمن الوطني في منطقة صيدا العميد أبو أشرف العرموشي بعد عرض الفكرة عليه والموافقة عليها إلى أن افتتحناه في السابع من كانون الثاني 2016. وهذا المشروع مهم جدًا للجيل الحالي لأنه يعرِّفهم قدر المستطاع على التعاليم الإسلامية والفقهية الصحيحة. ونحن بدأنا بالمعهد كخطوة أولى وطموحنا أن يتحوّل هذا المعهد من تحفيظ القرآن إلى معهد شرعي يكون في كل المخيمات".
من جهتها تستهل مدير المعهد دعاء القطب حديثها بالآية القرآنية {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} "الأعراف:204"، وتضيف موضحةً "عملُنا في المعهد يتَّخذ من هذه الآية الكريمة قاعدة له، فانطلاقاً من إيماننا بضرورة الحفاظ على جودة تعليم القرآن والسيرة النبوية، وحرصاً منا على تأمين ملجأ آمن للراغبين من أبنائنا بالتوجُّه إلى التعليم الديني كان تأسيس المعهد. ولأن أيدينا لا يسبقها إلّا التوق إليكم، نترجم صدق تعليمنا وهو الاهتمام بالطالب الفلسطيني -أيّاً كان الحزب أو الجهة التي ينتمي إليها - والذي يرغب بالتعلم بشكل فعلي نحن على استعداد لتقديم كل ما نستطيع لمساعدته من خلال دورات تتوافق مع قدراته ورغباته، لأن هدفنا أن نقدّم نموذجاً جديداً وفكرةً جديدة، وأردنا أن نفتش عن نموذج الطالب المبدع والمتميز وأن نساهم في تعزيز هذا التعليم الخاص لرسم صورة جديدة للمستقبل وإن شاء الله استطعنا تحقيق ذلك بالتطبيق".
المعهد يعزّز الركائز الدينية المعتدلة ويستقطب الطلاب بطرق مبتكَرة
تشير المعلمة آمنة منصور إلى أن استراتيجية العمل في المعهد ليست سهلة لكون الكادر التعليمي يتعامل مع شريحة الأطفال الأمر الذي يقع عليه مسؤولية كبيرة ويتطلّب جهداً كبيراً ومتواصلاً. وحول طرق التعليم تقول: "اتّبعنا عدة تكتيكات للوصول إلى استراتيجية نحقّق من خلالها أهدافنا، منها: عمليات يومية متطورة وغير تقليدية مثل رسم لوحات ورسوم تحدد السور التي حفِظها الطلاب لغاية هذه الفترة، وكل ما تم حفظ شيء معيّن يتم تلوين جزء من اللوحة، إضافة إلى تلقينهم وتفهيمهم المعلومات على شكل أنشودة. هذه الطرق ساهمت إلى حد كبير في ايجاد علاقة مميزة بين الطلاب والكادر التعليمي، حيث أصبح عدد الطلاب  85 طالباً وطالبةً تتراوح اعمارهم ما بين 9 سنوات الى 18 سنة، والشيء الأجمل أن لدينا صفاً من النساء، وما زال هناك من يريد أن يتسجّل، إلا أننا نؤجّل ذلك لفترة الصيف لأنه لم يعد هناك متّسع بحكم ضيق المكان، ولكنه شيء يجلب السرور لأننا لم نكن نتوقّع هذا الإقبال".
وفي سؤال حول مدى التحسُن الذي طرأ على معلوماته الدينية والاستفادة التي يشعر بها كطالب فلسطيني يعيش في أجواء المخيم، يقول الطالب الملتحق بالمعهد شكري فادي الخطيب: "أحفظُ هنا القرآن وأتعلّمُ أحكام تجويده والفقه، وعندما أعود للمنزل أقوم بمراجعة ما تعلّمته بتلهُّف، وإذا حاول أهلي مثلاً أن يمنعوني من الذهاب للمعهد فلن أتخلى عنه أبداً، وأنا متأكد بأنهم لن يفعلوا لأنهم لمسوا حجم التغيير الإيجابي الذي طرأ علي. فمثلاً، في المدرسة كان هناك سؤال في امتحان التربية الإسلامية حول عدد سور القرآن الكريم، ولم يعرف أحد من زملائي الإجابة، ولكني أجبت بأنها 114 سورة لأنني كنت قد سبق أن أخذت هذه المعلومة في المعهد".
بدوره ينوّه قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا العميد أبو أشرف العرموشي لأهمية الاهتمام بالجانب الديني في عين الحلوة كونه يمثّل بيئة إسلامية دينية، مضيفاً "للأسف موضوع الدين دائماً يُستغَل ضدنا مع أننا مسلمون، لذا نريد لهذا المعهد أن يكون منارة لنشر دين إسلامي معتدل، وبأن تصحَّح الصورة النمطية الخاطئة عن شعبنا بشكل عام وعن قوات الامن الوطني بشكل خاص. ونحن نلتمس الآثار الايجابية للمعهد من الوافدين إليه، ونأخذ على عاتقنا بأن نكون أُمناء على كل وافد إلى المعهد فهُم أهلنا".
في النهاية لا يمكن القول سوى أن هذا المعهد بحد ذاته ثروة هائلة، إذ إنه كفيل بإعداد جيل واعٍ ومتفهّم، مدرك للأمور الحياتية، متشرّب للتعاليم الإسلامية السليمة، قادر على العطاء والكفاح في سبيل القضية، وهذا ما لمسناه في كل طالب بالمعهد. فهل سيكون هذا المعهد الشرارة الأولى لمشاريع قادمة في مخيمات الشتات؟