مجلة القدس العدد 324 تحقيق/ عدي غزاوي
تناقلَت وسائل الاعلام الاسرائيلية مؤخّراً مشروعًا لمخطّط اسرائيلي يقضي بفصل غالبية البلدات الفلسطينية عن القدس، والتي تعدُّها "إسرائيل" أحياء ضمن منطقة نفوذ القدس، عبر إقامة جدار فاصل يفصل بينها وبين الأحياء الفلسطينية التي ستبقى تحت الاحتلال، ضمن مبادرة من حركة سميت بـ"الحركة لإنقاذ القدس اليهودية".
هذا المخطط، وفي حال تم، فإن 200 ألف فلسطيني يعيشون داخل مدينة القدس سُيحكَم عليهم بالخروج من حدود القدس وهم معرّضون لسحب الإقامة التي تسمح لهم بالعيش في المدينة. وبالتالي فقد أوجد الاقتراح جدلاً كبيراً على المستوى السياسي الاسرائيلي وإمكانية تطبيقه، فيما رأى فيه الفلسطينيون مخطّطاً خطيراً يهدف لافراغ القدس من الفلسطينيين او تصوُّراً خيالياً لا يمكن تطبيقه.

مشروع خيالي مصيره محتوم بالفشل
يرى محافظ القدس السيد عدنان الحسيني أن هذا المشروع المقترَح هو تصوُّر خيالي من قِبَل الاسرائيليين واصفاً تنفيذه بالأمر غير السهل، حيث يقول لـ"القدس": "المناطق الـمُرَاد عزلها هي جزء من مدينة القدس مثل العيساوية ورأس العامود وصور باهر وسلوان والثمانية وعشرين حياً الاخرى كلها احياء في القدس الشرقية، فمخطّط الاسرائيليين يهدف الى تفتيت القدس وسرقة البلدة القديمة. أمّا باقي المناطق فهي لا تعنيهم وليذهب سُكانها للجحيم، ولكن هذا التنفيذ لن ينجح لأن كل الفلسطينيين لهم علاقة بالقدس، فهم يريدون زيارتها والصلاة في المسجد الاقصى وكنيسة القيامة، وهذا الاقتراح سيلاقي مقاومة شديدة في حال تنفيذه، ولن ينجح".
ويُضيف "أُنظر كيف أن جدار الفصل العنصري الذي وضعه الاحتلال لعزل القدس عن باقي مناطق الضفة لم يجدِ نفعاً، فالناس تقفز عنه ولم يعد مانعاً للفلسطينيين عن القدس، بغض النظر عن الدوريات وكاميرات المراقبة الملاصقة له دائماً. وهذا المخطّط اقتُرِح لأن الاسرائيليين غير قادرين على إفراغ الارض بتهجير السكان كما فعلوا العام 1948، لذا قرّروا عزل الأحياء العربية، وذلك لتقليص عدد السكان الفلسطينيين في القدس إلى ما لا تتعدّى نسبته 12%، هم لديهم أفكار غبية كثيرة ولا نستغرب غباءهم أبداً، وهذا نتيجة فشلهم في إدارة القدس، فكلما شدّدوا الخناق زادَ عدد السكان والمؤسسات وزاد الوجود الفلسطيني والتمسُّك بالارض رغم صعوبة الظروف، وهذه هي حرب القدس، لذلك نحتاج لإعداد أنفُسنا والتجهُّز جيّدًا وان تصحو أُمّتنا من كبوتها الطويلة لتحافظ على القدس اذا كانت معنية بالقدس".

الإسرائيليون منقسمون حول مصير الأحياء العربية
"كيف سيوافق الفلسطينيون في القدس على مخطّط سيقسّمهم مرة أخرى؟ كيف سيذهب الأطفال لمدارسهم عندما تفصلهم عنها جدران الاحتلال؟ في هذه الحالة ليس هناك إلا حلّان: إما القفز عن الجدار او هدمه! وهذا منطق عقيم"، يقول الحسيني حول رد الفعل المتوقّع من الفلسطينيين تجاه القرار.
ويضيف "من ينظر الى جدار الضّم والتوسُّع المحيط بالقدس يدرك مدى الكارثة، فقد عزلَ المدينة عن باقي مدن الضفة وفصل بين الاخ وأخيه، بمعنى أن شقيقين جارين يحتاجان للسفر لزيارة بعضهما مع انهما متجاوران، وباعتقادي إن ما نُقِلَ حول وضع جدار يعزل الاحياء العربية هو مجرد فقاقيع لأن الاسرائيليين أنفسهم غير متفقين على هذا المخطط لصعوبة تنفيذه، ولأنه يمنح للفلسطينيين أرضًا، في حين أنهم لا يريدون الفلسطينيين ولكنهم يريدون الارض. وقبل عام حدث جدال حول تسليم منطقة كفر عقب المحاذية لمدينة القدس للسلطة، فقامت الدنيا ولم تقعد في المجلس البلدي على اساس أنه لا يمكن التنازل عن الارض. وباعتقادي فإن ما يحصل في صالحنا، والتخبُّط الاسرائيلي واضح بشأن القدس، ومن يتجوّل في القدس لا يرى سوى الشرطة وحرس الحدود إذ ليس هناك وجود للناس في الشوارع، فهل هذه هي مدينة السلام؟! لا بد أن يستفيق الغرب يومًا لأن الاسرائيليين يورّطونه بتصرفاتهم وقد وصلت نتائج جرائمهم اليه، والحل واضح وهو أن يلجؤوا للسلام وليتخلوا عن لغة العنف".
وتابع "في حال تطبيق المخطط كيف ستعالج إسرائيل مسألة البنية التحتية المشتركة في القدس؟ نحن نتحدّث هنا عن 28 حياً ستفصلهم إسرائيل، أي أن كلّ حي سيصبح مدينة منفصلة لها حكمها الذاتي لتقوم بواجبها نحو السكان، وعندها لا شك أن الفلسطينيين سيتصدون لهذا المشروع، وإذا كان الإسرائيليون غير قادرين على مواجهة الهبّة الجماهيرية الحالية فلماذا يوسّعون هذه الازمة؟".

اسرائيل تعيش كابوساً ديمغرافياً
القلق الديمغرافي الاسرائيلي من ازدياد عدد السكان العرب في القدس عن الاسرائيليين والخوف من ضياع مشروع "القدس عاصمة اسرائيل" هو أحد الاسباب التي دعت الاسرائيليين للتفكير في عزل الاحياء العربية ومحاولة تهجير الفلسطينيين من القدس بطريقة "الانزياح" كما اسماها الكاتب السياسي د.عادل سمارة.
وينوّه د.سمارة إلى أن "الأرقام توضح أن عدد السكان العرب يفوق عدد الاسرائيليين، ولما كان الكيان الصهيوني عبارة عن كيان استيطاني فهو معني، إن لم يستطع طرد الفلسطينيين من أرضهم، بأن يُقلّص عددهم وخاصة في القدس لأهميتها التاريخية لنا ولهم، ولكنهم يقعون في مشكلة أخرى في نفس الوقت وهي أنهم يريدون أكبر مساحة من الارض من دون فلسطينيين، بمعنى أنه إذا فُصِلَت الاماكن التي يتحدّثون عنها فذلك سيعزل نحو 200 الف فلسطيني من حملة الهوية الخضراء، كما يسمونها، ولكن الإسرائيليين سيفقدون الموقع الجغرافي، بالإضافة إلى أنه ليس سهلاً في المرحلة الحالية طردُ السكان من الضواحي التي يسكنون فيها. ففي العام 1948 طردت العصابات الاسرائيلية الفلسطينيين من ارضهم، وبعد العام 1967 لجؤوا الى طريقة اسميها الانزياح الذاتي والتي تتلخص بأن يضعوا الفلسطينيين في ظروف تجعلهم هم من يتركون الارض دون ان يسجّلوا على انفسهم انهم يطردوننا وهذا غير سهل عليهم في المرحلة الحالية".
ويتابع "لتحليل أي حدث يجب أن ننظرَ للسياق التاريخي واللحظة التي أُخِذ بها، وما يتحكّم بظروفنا هو المناخ العالمي والعربي والفلسطيني والذي هو سيء حالياً. فقبل احتلال فلسطين كان هرتزل يتحدّث عن الجدران وهذه العقلية، أي عقلية الحصار والعزل، متجذّرة فيهم سواء اضطُهِدوا في اوروبا أم لا، وهم الآن يمارسون الاضطهاد، وترجمة هذا المشروع على أرض الواقع قد تدعمه امريكا او اي دولة بالعالم وقد تكون عربية بدعوى أنه حل للسلام، واذا ما حصل هذا المخطّط، والذي اقترحه اليسار الوسط، فستكون هذه المناطق بحالة شبيهة بحالة سكان الضفة الغربية اي انهم لن يكونوا محررين من الكيان الصهيوني، ولن يكونوا تحت سيادة السلطة الفلسطينية بشكل كامل".
ويرى د.سمارة أن "هذا القرار سيؤثّر على الجانب الاسرائيلي اقتصادياً، ولكن الإسرئيليين قد يلجؤون للاستعاضة عن الايدي العاملة الفلسطينية بعمالة من الخارج تكون مأمونة بالنسبة لهم باعتبارها لا تحمل اهدافاً للصراع، وقد يحاولون الترويج لدعاية بأنهم حموا دولتهم بجدار منيع ضمن أمنهم لاستجلاب يهود العالم غير المتحمسين للقدوم لاسرائيل".
ويختم بالقول: "عملية التنفيذ حتى اللحظة غير مؤكّدة ولكنها تمثّل تهديداً على بعض الأُسَر المستفيدة من الخدمات الاجتماعية، وكأنهم يحاولون ضرب اسفين اجتماعي داخل بنية المجتمع الفلسطيني في المناطق والأحياء التابعة للقدس بمعنى ان يشبكوا الناس بعضهم ببعض وهو نوع من الحرب النفسية".

عزل الاحياء الفلسطينية يستهدف الاراضي الواقعة داخل الجدار
من جهته يوضح مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات في جمعية الدراسات العربية خليل التفكجي لمجلة "القدس" أن اقتراح مشروع عزل الأحياء الفلسطينية يتركّز داخل أحياء القدس معتبراً أن القرى خارج الجدار هي أمر محسوم من قِبَل الإسرائيليين، وأن المخطّط الآن هو جعل اغلبية سكان القدس من الاسرائيليين لتبقى عاصمةً لإسرائيل وللحدِّ من تأثير الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس ومنعهم من التأثير في الوضع العام للمدينة.
ويتابع "في العام 1967عندما وسّعت اسرائيل حدود بلدية القدس من 6.5 كلم لـ72 كلم وسّعتها على حساب أراضي 28 قرية ومدينة بمعنى أن هذه الاراضي دخلت القدس كأراضٍ ولكنها لم تدخل القدس كقرى ومدن، وتُعدُّ كمدينة أو كقرية خارج حدود بلدية القدس، وبالتالي لا وجود لـ28 قرية داخل حدود بلدية القدس كما يقول الجانب الإسرائيلي".

55% من سكان القدس من العرب في العام 2040
حول خلفية اقتراح قرار الفصل يقول التفكجي: "بدأ طرح هذا الموضوع في العام 2010 وخاصة من بلدية القدس، فعندما تم الانتهاء من الجدار قال رئيس بلدية القدس منير بركات انا لستُ بحاجة الى الفسطينيين الذين يسكنون خلف الجدار، وتحدثوا تقريباً في تلك الفترة عن 70 ألفاً الى 90 الفاً تقريباً من الفلسطينيين. طبعاً قضية الانفصال عن القرى الفلسطينية التي ضمّت التجمعات الفلسطينية الموجودة في داخل حدود البلدية، والتي ضُمَّت الى بلدية القدس بعدها العام 1967 هي ليست وليدة أمس، بل هي وليدة العام 1973 عندما كانت هنالك سياسة اسرائيلية واضحة تماماً بأن تكون نسبة العرب 22% من اجمالي عدد السكان في حدود البلدية، ولكن النسبة نمت من 22% الى 38%، وبعض الدراسات المستقبلية توقّعت أن تبلغ نسبة العرب من سكان القدس في العام 2040 نحو 55% مقابل 45% من الإسرائيليين، مما يعني أن رئيس البلدية قد يصبح عربياً، وهو ما طرحه هرتزل عندما قال (الآن أنام وأصحو وأجد ان رئيس البلدية سيكون عربياً)، وايضا عندما طرح اوليو، وهو رئيس البلدية السابق، الأمر قبل اولمرت، إذ كان يتخوّف أن يرى مدينة القدس التي حلم بها الشعب اليهودي ليست في يده في المستقبل، وعلى هذا الاساس فإنّ الجانب الاسرائيلي في الفترة الحالية عندما وضع جدار الفصل العنصري أخرج 125 الف فلسطيني خلف الجدار، وكانت هنالك رؤية اسرائيلية اكبر انه يجب ان يتخلّصوا من اكثر من 200 الف فلسطيني داخل الجدار ليبقى ما يتراوح ما بين 80 الى 100 الف فلسطيني، وهو ما نُطلِق عليه اسم البلدة القديمة وما حولها، والتي تعود مرة اخرى للحدود الاردنية وهي 6.5 كلم، والتخلُّص من السكان الفلسطينيين سواء أكان عن طريق اقامة الجدران كما تكلّموا عن قرية العيساوية وجبل المكبر وصور باهر وام طوبة وغير ذلك من القرى في داخل حدود البلدية، والتخلُّص منها، ولكن هل سيكون هذا التخلُّص فيزيائياً ام أبدياً؟ أي أن يبنوا الجدران نحن هنا وأنتم هناك، أم أنهم موجودون ولكن تحت السيادة الاسرائيلية".
ويضيف "هناك قانون من الجانب الاسرائيلي وُضِع في العام 1980، وهو قانون القدس، الذي يقضي بأن أيَّ حل في منطقة القدس لتغيير حدود البلدية يحتاج الى موافقة 60 عضو كنيست من اجل اخذ القرار، وأيضاً هناك قانون في 2014 يتحدث بشكل واضح تماماً عن أن اي حل سياسي في المستقبل لم يتم التوصُّل بشأنه لشيء عبر الكنيست يُؤخَذ للاستفتاء، وهذا يحتاج الى موافقة 80 عضو كنيست، اي ان هذه القوانين التي وضعتها اسرائيل في العام 1980 وفي 2014 قيّدت حركتها في قضية التخلُّص من السكان الفلسطينيين، لأن اليمين الاسرائيلي يعدُّ حدود بلدية القدس حدوداً مقدّسة، وكل الحكومة حالياً يمينية، وبناءً على ذلك برأيي أن الجانب الاسرائيلي لديه رؤيتان في هذا الاتجاه. الأولى تكلم عنها بشكل واضح تماماً، وتقول انتم هناك ونحن هنا، ولكن هذا غير مجدٍ بالنسبة للجانب الاسرائيلي من الناحية الاقتصادية لأن 62% من عمال البناء عرب و75% من عمال الفنادق عرب و52% من عمال المواصلات عرب، وثلث العمال العرب يعملون بالصناعة، إذاً كيف ستستطيع اسرائيل التخلص من هؤلاء الاشخاص؟ أمّا الرؤية الثانية لهم عملياً فهي نقل منطقة النفوذ هذه الى الادارة المدنية، لكن من الناحية القانوية انا لا اعتقد ان هذا سيحصل، لأنه يوجد قوانين بخصوص سكان الضفة وتحتاج الى امور معقدة في الداخلية الاسرائيلية، خاصة ان القانون الاسرائيلي يقول اذا كان المقيم في الاراضي تحت السيطرة الاسرائيلية يدفع الضرائب لا يستطيع الاسرائيليون سحب الهوية منه.
ومن فترة قصيرة، قبل شهر تشرين الأول من العام المنصرم، كانت قضية سحب الهويات مجرد "بروفا"، لأن المسألة معقّدة كونك تتحدّث عن حدود نفوذ بلدية القدس، ودائماً يتم الحديث عن القدس الشرقية التي هي للفلسطينيين والتي هي 6.30 كيلو متر، أمّا الباقي والاضافات الاسرائيلية التي أخذت باقي القرى الفلسطينية والمدن التي كانت تحيط بمدينة القدس في ذلك الوقت، فإن اسرائيل التي ستضرّر بفصلها وليس نحن، إذ كيف ستعوّض العدد من العمال؟ هل ستعطيهم بطاقات ممغنطة تسهل عليهم الدخول والخروج؟!".

مخطّط عزل أحياء القدس يهدف للتضييق على السكان الفلسطينيين
يشير التفكجي إلى ان "مساحة القدس الكبرى التي تسعى اسرائيل لاقامتها كعاصمة تبلغ نحو 800كم مربع، أي ما يوازي  10% من مساحة الضفة الغربية، وهنا الحديث عن غوش عتصيون وغور الاردن، والقدس التي تم توسيعها بعد العام 1967، علماً أن هناك خلف الجدار حالياً 128 الف فلسطيني موضوعهم انتهى بالنسبة لإسرائيل، فهم خلف الجدار ولكنهم حتى الآن لا يزالون يمارسون وضعهم كما هو لأنهم يدفعون ضرائب ويأخذون تأميناً، ولا يوجد عندهم مشكلة، ولكن هم خلف الجدار حالياً. إلا أن اسرائيل ستقيم جداراً آخر ليس كالجدار الاول، وهو جدار داخلي. مع الإشارة إلى أن التجربة الاولى داخل القدس كانت عندما وضعوا الكتل الاسمنتية في الاحياء الفلسطينية التي هي داخل الجدار لعزل الاحياء العربية في القدس عن الاسرائيلية وللضغط على السكان الفلسطينيين ومنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي".