اللقاء الذي جمع سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية مع الجنرال ميشال عون، رئيس تكتل التغيير والاصلاح في معراب، مقر القوات يوم الثامن عشر من يناير الحالي، ثم ترشيح المضيف للضيف للرئاسة، بعد ان ادلى ببيانه السياسي في المؤتمر الصحفي المشترك وامام قيادات التيارين المسيحيين، الذي عكس صيغة توافقية عليه بين الرجلين وامتدادتهما التنظيمية، كان حدثا نوعيا في المشهد اللبناني، غير الكثير من الحسابات والمعادلات القائمة، وأَصل لنشوء تحالف جديد.
طلقة معراب، لم تكن عادية، رغم انها لم تفاجىء العديد من قيادات تياري 14 و8 آذار، إلآ انها خلطت الاوراق، وقلبت الطاولة السياسية، ودفعت القوى المرحبة وغير المتعجلة الترحيب والرافضة له، للوجوم وإعادة قراءة المشهد. لاسيما وان لقاء زعيم القوات مع زعيم التيار الوطني الحر، جاء بعد 28 عاما من القطيعة. ولم تقتصر النتائج عند حدود اللقاء، بل كونه حمل إعلانا واضحا من جعجع بالانسحاب من مارثون السباق الرئاسي؛ وتنازله لصالح الجنرال، اضف إلى انه، شكل نوعا من الاقرار بزعامة النائب عون للمارونية السياسية،  الامر الذي قرب المسافة بينه وبين قصر بعبدا. ولكنه لم يبعد اقدام حفيد فرنجية عن مقر الرئاسة، لان هناك قوى عديدة ليست مع خيار جعجع.
 إضافة إلى ان سليمان فرنجية، احد اقطاب الموارنة الرئيسيين، لم يسحب ترشحه. فإن موقف وليد جنبلاط، زعيم اللقاء الديمقراطي، مع انه رحب باللقاء وافرازته، غير انه، بقي متمسكا بمرشحه للرئاسة، هنري الحلو. وتيار المستقبل حليف القوات في تيار 14 آذار، لم يستسغ فكرة اللقاء ولا ترشيح زعيم تيار التغيير والاصلاح، خاصة وان سعد الحريري كان التقى سابقا في باريس مع فرنجية، نجم عنه نوع من التوافق السياسي، وهو بنظر زعيم تيار المستقبل، افضل من الجنرال للرئاسة. وحزب الكتائب تميزموقفه بالحياد. ولم يشأ إعلان موقف راهنا. وترك الامر لرئيسه سامي الجميل ليقرر في الوقت المناسب. وحزب الله بدى كأنه في حالة ترقب، رغم انه لم يغير تبنيه لترشيح الجنرال عون، لانه حليفه في تيار 8 آذار. ونبيه بري، رئيس مجلس النواب، لم يتعجل في إصدار موقف من اللقاء. ولا يبدو انه بحاجة لاصدار موقف. مع انه رحب باللقاء والتقارب، لكنه اعلن انه ليس من المفضل تبني موقف، كما انه سيعقد اجتماعا لقيادات حركة "امل" للتشاور بالامر، مع ان هناك جلسة في الثامن من شباط القادم لانتخاب الرئيس.
المشهد اللبناني امام مفترق طرق حقيقي، لاسيما وان ترشيح جعجع للجنرال عون، بقدر ما خلط الاوراق، بقدر ما ترك آثارا من الغموض على الساحة، حيث يلاحظ، ان تقاربه (جعجع) مع زعيم التيار الوطني الحر، باعد بينه وبين حلفائه في تيار ال14 من آذار. أضف إلى انه لم يلق قبولا من بعض الاوساط العربية، مع ان الدوحة رحبت باللقاء، واعتبرته إيجابيا. كما ان بعض القوى الاقليمية  والدولية لم ترحب باللقاء. مع انها واصلت اللقاءات مع زعيم القوات والجنرال وباقي الاطراف اللبنانية. النتيجة الماثلة للعيان، تشير إلى ان الجلسة القادمة لانتخاب الرئيس اللبناني، لن تفلح في ملىء الفراغ الرئاسي. وسيبقى التجاذب والاستقطاب قائما في الساحة، إلى ان يحدث التوافق اللبناني والعربي والدولي على رئيس توافقي وسطي، قادر على مد الجسور مع مختلف الاطراف والقوى. وهذا مرهون بالتطورات الجارية على الساحة السورية وآفاق الحل فيها.