ماهر الخطيب الديار:
مرة جديدة عادت الجماعات المتطرفة في مخيم عين الحلوة إلى الواجهة، عبر عمليات الإغتيال التي تستهدف قيادات أمنية فاعلة في حركة فتح، في مؤشر إلى أن ما يحصل هو إسلوب عمل مخطط بقرار كبير، يتعدى الحدود اللبنانية إلى ما هو أوسع على النطاقين الإقليمي والدولي، بهدف تحقيق مشهد شبيه بما يحصل على مستوى الشرق الأوسط الجديد، من سوريا إلى العراق وصولاً إلى اليمن وليبيا.
من المؤكد، أن التساهل في التعاطي مع هذه الجماعات هو الذي دفعها إلى التصعيد، لدرجة بات من غير المنطقي اليوم الحديث عن أن المسلحين هم فقط من «بقايا» تنظيمي «فتح الإسلام» و«جند الشام»، بل هم أكثر قوة على الصعيدين العسكري والسياسي من الحركتين السابقتين، حتى ولو كان هناك ما يجمع بينهما في الخلفية العقائدية.
في هذا السياق، لا تفصل مصادر فلسطينية قيادية، عبر «الديار»، بين محاولة إغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا، العميد أبو أشرف العرموشي، ومسلسل الإغتيالات السابقة الذي إستهدف العديد من ضباط حركة فتح، وكان اخرهم قائد كتيبة «شهداء شاتيلا» العقيد طلال الأردني، وتشير إلى أن الهدف هو القضاء على كل العناصر القيادية القادرة على الوقوف بوجه المخطط الكبير الذي يستهدف المخيم منذ أشهر طويلة، وتعتبر أن الجهات التي تقف خلف المجموعات المتطرفة تريد بسط سيطرتها على عين الحلوة بغرض القضاء عليه، كما حصل في مخيمي نهر البارد واليرموك، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على حق العودة، وتشدد على أن هذه الجماعات لا تعمل بمعزل عن أجندات دولية وإقليمية.
وفي حين كان من المتوقع أن تبادر فتح إلى الرد بشكل قاس على إغتيال الأردني بأي لحظة، تلفت المصادر نفسها إلى أن المفاجأة كانت بأن تلك الجماعات كانت تعمل على إستهداف قيادات جديدة عبر نصب الكمائن المسلحة لها، وتوضح أن العرموشي هو من الضباط البارزين جداً في الحركة، ما يعني أن المطلوب الذهاب بعيداً في هذه المواجهة الخطرة، وتضيف: «في السابق كان الإستهداف هو لقيادات من الممكن تصنيفها بـ «الصف الوسطي»، لكن ما حصل في الأيام الأخيرة هو محاولة إغتيال لضابط يعتبر من الصف الأول».
من هذا المنطلق، ترى المصادر القيادية الفلسطينية أن لهذه العملية قراءة مختلفة ومدلولات أكثر أهمية من حيث الواقع، أي أن الجماعات المتطرفة تريد أن تقول أنها قادرة على السيطرة وشل حركة فتح وتثبيت مربعات أمنية جديدة، أو أنها تريد التصرف على أساس: «أنا المسيطر وأفرض رأي»، في ظل إنتشار واسع للفكر التكفيري الإلغائي، وتراجع كبير على المستوى الخدماتي من قبل المنظمات الدولية التي تهتم بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
على صعيد متصل، توضح مصادر فلسطينية من داخل المخيم، عبر «الديار»، أن هناك حقيقة ينبغي الإعتراف بها، وهي أن من يسعى إلى تفجير الأوضاع في عين الحلوة لديه قوة كبيرة لها وزنها عسكرياً من حيث العدد والتسليح، في وقت تبدو مواقف بعض الفصائل الإسلامية والوطنية غير حاسمة بضرورة التعامل معهم بشكل جذري يؤدي إلى إنهاء ظاهرتهم الخطيرة على مختلف المستويات، لكنها تجزم بأن هناك تقدماً لافتاً على مستوى قرار حركة فتح.
وتشير هذه المصادر إلى أن أغلب الفصائل التي تدور في فلك حركة فتح كانت موحدة في المواجهات الأخيرة، أي أنها لم تتأثر بالخلافات السابقة على المستوى السياسي، وتكشف عن أنه كان هناك سعي جدي للسيطرة على بعض المربعات التي كانت قد خرجت من نطاق الحركة في الفترة السابقة، وتضيف: «فتح تمكنت من إستعادة السيطرة على مفرق السوق ومنطقة الجلول وحي الطيطبة وبستان اليهودي، بعد أن كانت الجماعات المتطرفة فرضت سيطرتها عليها عن طريق عمليات القضم».
وعلى الرغم من هذا التقدم على مستوى موقف فتح، تلفت المصادر الفلسطينية إلى أن هذا لا يعني أن هناك تقدماً باتجاه الحسم، والدليل السعي المتكرر لفرض وقف إطلاق نار يوقف الإشتباكات التي إندلعت مباشرة بعد محاولة إغتيال العرموشي، وتشدد بأن هناك إتصالات مكثفة على أعلى المستويات لبنانياً وفلسطينياً رافقت محاولات التهدئة، نظراً إلى أن تداعيات ما كان يحصل كانت لتكون خطيرة جداً على المستوى الأمني، لا سيما أن أحداً لا يستطيع أن يتوقع الإتجاه الذي من الممكن أن تسلكه الأحداث، وتؤكد بأن قرار الحسم يحتاج إلى موقف سياسي كبير جداً.
في محصلة ما حصل على مدى يومين من الإشتباكات المسلحة، ترى هذه المصادر أن من الناحية المعنوية إستعادت فتح جزءاً من الثقة التي كانت مفقودة بسبب عدم القيام بأي رد تجاه ما كان يحصل من إعتداءات في الفترة السابقة، بالإضافة إلى رسم قواعد إشتباك جديدة تقوم على أساس قدرة عناصر الحركة، في حال التمادي من قبل الجماعات المتطرفة، على الحسم وتحقيق الإنجازات على أرض الواقع.
وفي الوقت الذي ترجح فيه عدم خروج الأمور عن السيطرة في الوقت الراهن، تشدد هذه المصادر على أن أحداً لا يستطيع أن يتوقع المسار الذي تسلكه الأوضاع في الأيام المقبلة، خصوصاً أن المخطط الذي تتولى تنفيذه الجماعات المتطرفة كبير جداً، ومن الواضح أن هناك من ليس لديه أي رغبة بالحفاظ على الأمن والإستقرار في عين الحلوة. 

الآراء الواردة تعبر عن رأي كاتبها ولا تلزمنا بالضرورة الهدف من نشرها الاطلاع على ما يكتب في الصحافة اللبنانية.