في الحادي عشر من آذار عام 1978، تقدم اثنا عشر كوكباً من فتح، من قوات العاصفة، تقودهم امرأة، نزلوا البحر، ووجهتهم فلسطين، بلغوا شاطئ حيفا، سيطروا على باص ورهائن، وتابعوا طريقهم إلى تل أبيب، وفي الطريق احتجزوا باصاً ثانياً وثالثاً، وحين أقفل الصهاينة آذانهم، كي لا يسمعوا مطالب المناضلين، وسدوا الطرق بالحواجز، واختاروا لغة الرصاص والدم، واجههم الفدائيون بالنار، فاستشهد تسعة من أبطال فتح، وأسر اثنان حررناهم لاحقاً (حسين فياض- خالد أبو أصبع)، وبقي مصير الفدائي- يحيى سكاف مجهولاً، فيما اعترف العدو بــ 37 قتيلاً و 86 جريحاً.
إننا في الذكرى ال 37 لعملية الشهيد القائد كمال عدوان نرى من الضرورة، إعادة القراءة لهذه العملية، لتذكير المحبين بشرف الانتماء لحركة فتح، وللمغرضين بأنهم لن يستطيعوا أن يحجبوا نور الشمس بغربال، وتذكير الأعداء بأنكم إذا عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا.
لقد عبَّرت هذه العملية في أبعادها ودلائلها عن الأمور التالية: أولاً: لقد حملت اسم الشهيد كمال عدوان مسؤول الأرض المحتلة، وهو واحد من القادة الثلاثة (كمال عدوان- كمال ناصر-أبو يوسف النجّار) الذين اغتالهم الصهاينة في بيروت نيسان عام 1973. أن تحمل العملية اسم قائد شهيد اغتاله الصهاينة، فهذا يعني أننا قوم نثأر لشهدائنا وقادتنا ولو بعد حين.


ثانياً: كان هدف العملية، أخذ رهائن من الصهاينة، والمطالبة بإطلاق سراح أكبر عدد من معتقلينا، مقابل الإفراج عن هؤلاء الرهائن. للدلالة على أن حركتنا لا تترك أبناءها وأبناء شعبنا في السجون، وأننا مقابل حريتهم، جاهزون لدفع أغلى الأثمان، ولن نترك طريقاً موصلاً إلى حريتهم إلا ونسلكه. كان ذلك على امتداد نضالنا الوطني، قبل هذه العملية وبعدها، وفي مراحل القتال أو التفاوض، والكل يعلم أن أحد أهم أسباب عدم العودة إلى التفاوض، هو تراجع العدو عن إطلاق الدفعة الرابعة من معتقلي مرحلة ما قبل أوسلو.


ثالثاً: حمل الفدائيون جنسيات عربية متعددة (فلسطين، لبنان، اليمن) مما يعني مكانة فلسطين عند أبناء أمتنا العربية، ووحدة الدم على طريق تحريرها. لقد قالت فتح منذ انطلاقتها، أن الشعب الفلسطيني هو طليعة المعركة، باعتبار الاحتلال المباشر قد وقع عليه، لكن المعركة هي معركة الأمة، وها هي تتجسد على أرض فلسطين استشهاداً وتضحية وعطاءً. ولعلنا في اللحظة السياسية الراهنة، مدعوون لأن نلاحظ جيداً، أن الأمة تتضامن وتتوحد إذا كانت بوصلتها فلسطين، وإذا ابتعدت دخلت في ما نشهده اليوم، من حروب الطوائف والمذاهب والقبائل الخ بما يعني تدمير الكيانات والجيوش والطاقات، في معركة لا رابح فيها سوى العدو الصهيوني.

رابعاً: لقد أطلق الصهاينة بعد احتلالهم لفلسطين مقولة: "إن كبار الفلسطينيين يموتون، وصغارهم ينسون". مجموعة الفدائيين جميعهم من عمر الورود، ولم يعرفوا وطنهم فلسطين، ولم يروها بأعينهم، ولا تنشقوا هواءها، اللهَّم إلا لحظة وصولهم إليها، يقيمون دولتهم وينتخبون رئيسة لها، ويكحلون عيونهم بسهلها وبحرها وبرها، ثم يقضون شهداء فوق ترابها وإلى ترابها.
هل يفهم الصهاينة معنى ذلك؟ إنه صراع سيستمر لأجيال ولن ننسى حتى ننال حقوقنا ونقيم دولتنا كاملة السيادة وعاصمتها القدس. وهل يفهم ذوو القربى الدلالات؟ دلالات ممهورة بالدم، نحب لبنان، وسائر الأقطار العربية، لكنْ لنا وطن واحد اسمه فلسطين، ترخص في سبيله المهج والأرواح، ولا نقبل عنه بديلاً.

خامساً: انطلق الفدائيون من شاطئ بلدة القليلة في جنوب لبنان، يحملون دمهم على أكفهم، في عملية بالغة الخطورة والقساوة والتعقيد، خطط لها القائد الشهيد أبو جهاد الوزير فعيون الأعداء في كل مكان، براً وبحراً وجواً، وقدرتهم عالية على التدخل السريع والاشتباك، والبحر غدّار، والمسافات طويلة للوصول، وما بعد الوصول أصعب، إنها أشبه بعملية استشهادية. من يتحمل كل ذلك من صعاب، ومستعد لكل ذلك، غير المقاتل الملتزم المضحي الخلوق الخدوم المعطاء الصبور الجسور المقدام!!؟ أليس هؤلاء من مقاتلي فتح وأبناء العاصفة!!؟ أليست هذه هي الأخلاق والصفات التي كانت تشترطها فتح لنصبح أعضاء في صفوفها؟؟ أم أن الزبد الذي طفا على السطح، أنسانا الدر الكامن في الأعماق؟؟.

سادساً: نعم.. امرأة تقود احد عشر كوكباً من الرجال!! منذ التأسيس والمرأة شريكة وقائدة حيث تثبت جدارتها. هذا ما تطلبته معركة التحرر الوطني، وهذا ما أقدمت عليها نساؤنا بشرف وإباء ومسؤولية. فهنيئاً في يوم المرأة العالمي (الثامن من آذار)، وهنيئاً للأم الفلسطينية في عيد الأم في الحادي والعشرين من آذار هنيئاً للفلسطينيات في هذا الموقع المتقدم، فيما مجتمعات أخرى لا زالت تدرس حق المرأة في قيادة السيارة، أو المشاركة في الانتخابات. وهنيئاً لفلسطين بجناحين يتكاملان، ليبقى طائر الفينيق قادراً على القيامة والطيران.
إن حركة فتح وما تمتلكه من إرثٍ نضالي، مطالبة بالحفاظ على هذا الإرث العظيم، حيث يكفي أن ننظر إلى مناسبات هذا الشهر المبارك، من عملية كمال عدوان إلى معركة الكرامة 1968 التي أعادت للأمة ثقتها بالنصر بعد هزيمة ال 67، إلى معركة مارون الرأس عام 1978 حيث سطّر أصحاب القامات العالية ملحمة البطولة واستعادة القرية لأهميتها الإستراتيجية في عز النهار من أيدي عملاء إسرائيل والحقوا الخسائر الكبيرة بهم، إلى يوم الأرض حيث التشبت بها وتقديم الشهداء تأكيداً لأصالة الانتماء، ولن يكون ذلك إلّا بالقاعدة الذهبية: الفتحاويون أشداء على الأعداء، رحماء فيما بينهم، خدّام للشعب.
فهل نسلك هذا الطريق؟؟