بقلم: عيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الاسرى

لقد اطلقنا تجاوزاً جملة الاخطاء الطبية على ممارسات اطباء السجون وتقصيرهم في تقديم العلاج اللازم للاسرى المرضى في السجون، وما يسمى اخطاء تحولت عبر السنوات الى ظاهرة مقصودة وتعبير عن الاستهتار بحياة الاسير وصحته والتعامل معه بلا مسؤولية طبية او مهنية.

وظاهرة الوقوع بأخطاء طبية أصبحت جزءا أساسيا من سياسة الإهمال الطبي المتفاقمة والتي يدفع ثمنها الأسرى من صحتهم وحياتهم ، فهذا الخطأ الطبي أدى إلى مرض مزمن وخطير في جسد الأسير ، وذلك الطبيب لم يحاسب ولم يُساءَل عما اقترفه بحق الأسير المريض.

إن معظم الأطباء العاملين في مصلحة السجون هم من المتدربين الذين لم يحصلوا على إجازة طبية ويتم إرسالهم للتدريب بعد تخرجهم من الجامعات إلى السجون ودون رقابة عليهم حيث يقومون بعملهم في عيادات السجون وفي عيادات مراكز التحقيق والتوقيف مما يؤدي إلى وقوع أخطاء طبية عديدة بحق الأسرى على يد هؤلاء المتدربين الذين جعلوا من أجساد الأسرى حقول تجارب وأداة للبحث العلمي بكل ما يعني ذلك من خطورة قصوى على حياة وصحة الأسرى وانتهاك كبير لكل مبادئ وقوانين حقوق الإنسان.

وتشير الحقائق أن الأطباء العاملين في السجون يتعاطون باستخفاف مع الأسير المريض حيث يقدمون له العلاج دون تشخيص أو فحص وأحيانا بالنظر عن بعد ودون استخدام أدوات طبية، وصارت المسكنات هي الدواء السريع والسحري المقدم للأسير المريض.

إن مهنية الأطباء العاملين في مصلحة السجون تحتاج إلى وقفة جدية وإثارة قانونية وتدخل من قبل نقابات الأطباء ومنظمة الصحة العالمية لأن انتشار الأمراض وتزايدها في أجسام الأسرى وتقديم علاجات خاطئة أو مسكنة جعلت من الأمراض البسيطة أمراضا مزمنة وقاتلة على يد العاملين في الجهاز الطبي في مصلحة السجون الإسرائيلية.

وتأتي ظاهرة الأخطاء الطبية وانعدام المهنية الطبية لدى الأطباء في سجون الاحتلال في ظل غياب أطباء مختصين وترك حياة وصحة الأسير رهينة لأطباء غير مختصين أو متدربين، وقد افتقدت مصلحة السجون أطباء مختصين في أمراض القلب والسرطان والكلى والعظام والأمراض النفسية والعصبية، مما يضطر إدارة السجون إلى تحويل الأسرى المرضى إلى مستشفيات مدنية أو إلى مستشفى الرملة ، وهذا الإجراء يمتاز بالبيروقراطية والمماطلة والانتظار على الدور لإجراء الفحوصات والعمليات الجراحية.

وما يحدث للأسرى المرضى المصابين بأمراض الصرع والاضطرابات النفسية دليل واضح على غياب أطباء مختصين في هذا المجال، حيث يتم زجهم في زنازين انفرادية بائسة والتعامل معهم كحيوانات وبوحشية ودون وضعهم في مستشفيات خاصة وإشراف من مرشدين اجتماعيين ونفسيين.

لا يمكن أن نعزل تصاعد ظاهرة الأخطاء الطبية بحق الأسرى في سجون الاحتلال عن ظاهرة إجراء التجارب الطبية على الأسرى والتي كشف عنها عام 1997 على يد النائب في الكنيست الإسرائيلي (داليا ايتسك) و قيام وزارة الصحة الإسرائيلية بإجراء تجارب لأنواع مختلفة من الأدوية على الأسرى ومنح تصاريح لشركات الأدوية الإسرائيلية بالقيام بذلك، وأعلن حينها عن ألف تجربة لهذه الأدوية أجريت على أجساد الأسرى سرا.

وتحدث الأسير بسام أبو عكر عن واقع التعامل مع الأسير المريض في السجون مطالبا بتغيير شكل التعاطي مع الأسير المريض ابتداء من (دورة الممرض) اليومية على الأقسام بالسجن ومرورا بعيادة السجن وغياب مهنية الطبيب في أغلب الأحيان، وكذلك من نقل الأسير في بوسطة أشبه بكتلة حديد متنقلة بما يعتريها من برد وحرّ إلى المستشفيات، وانتظار المريض في معبر الرملة عدة أيام قبل التوجه إلى المستشفى وانتهاءابمستشفى الرملة الذي يأخذ سنوات لإجراء الفحوصات أو العمليات.

وقد أكد تقرير عن منظمة أصدقاء الإنسان الدولية في العاصمة النمساوية فينا ضلوع أطباء إسرائيليين في انتهاكات شديدة لحقوق الأسرى، وعلى سبيل المثال أجرى طبيب إسرائيلي في مستشفى سوروكا ببئر السبع عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية من جسد الأسير انس شحادة في سجن النقب دون أن يقوم بتخديره.

وأصيب الأسير الفلسطيني محمد توفيق غوادره بفقدان النظر عندما قامت طبيبة إسرائيلية بعلاج أسنانه في سجن هداريم أدى إلى إصابته بالأعصاب والتأثير على نظره، وكذلك ما حدث للأسير المناضل عبد شرقاوي عندما أعطي دواء بالخطأ أصيب على أثره بالصرع.

إن أطباء إدارة السجون يمارسون دور الجلاد عندما يتعاونون مع الأجهزة الأمنية ومخابراتها خاصة في مراكز التحقيق بتقديم استمارات طبية كاذبة عن الحالات المرضية لأجل إتاحة المجال أمام المحققين إجراء تحقيق عنيف مع هذه الحالات وانتزاع اعترافات منها.

ومارس الأطباء في مراكز التحقيق المساومة والابتزاز مع الأسرى المرضى أو الجرحى مقابل اعترافهم بتقديم العلاجات لهم، وهذا أيضا جرى خلال إضرابات الأسرى عن الطعام عندما يطلب الأطباء من الأسرى وقف إضرابهم مقابل تقديم العلاجات.

ولعل ما جرى للأسير الفلسطيني ثائر عزيز محمود حلاحلة (34 سنة) سكان خاراس قضاء الخليل والمعتقل منذ 9/4/2013 تعبيرا نموذجيا صارخا على ظاهرة الأخطاء الطبية القاتلة في سجون الاحتلال حيث أصيب بمرض الكبد الوبائي.

يقول الأسير ثائر في شهادة مشفوعة بالقسم نقلت يوم 12/4/2013 إلى قسم التحقيق في سجن عسقلان ، وهناك تم نزع جميع ملابسي وتم إعطائي ملابس رديئة ذات رائحة كريهة ومن ثم أخذت مباشرة إلى كرسي التحقيق واستمر التحقيق معي بشكل متواصل وعنيف ، وقالوا لي نريد أن نثأر منك، وأثناء التحقيق شعرت بآلام في الجهة اليمنى من البطن من آلام في الظهر والأسنان ، ورغم الحاحي أكثر من مرة على المحققين لأخذي إلى طبيب إلا أنهم كانوا يرفضون تقديم العلاج لي، وكانوا يساومونني على الاعتراف مقابل تقديم العلاج.

وفي تاريخ 16/4/2013 شعرت بآلام حادة في الأسنان والبطن مما دفع المحقق المسؤول لاستدعاء الطبيب إلى غرفة التحقيق والذي قام بفحصي وابلغ المحققين أنني أعاني من آلام في الظهر ومشاكل في الكلى وأعطاني أدوية لم تحسن من وضعي الصحي بل زاد سوءا مما دفع المحقق لإرسالي إلى العيادة لإجراء فحص دم لمعرفة سبب الألم وفي نفس اللحظة توجهت إلى عيادة الأسنان نتيجة تورم في وجهي ، فقام طبيب الأسنان بعمل حشوة، وأثناء تنظيف الأسنان لاحظت على الشفاط الذي يسحب الأوساخ آثار دم، فقمت بالاحتجاج على ذلك، إلا أن طبيب الأسنان طلب مني السكوت.

عندما نقلت إلى سجن عوفر طلبت من طبيب السجن فحصي وأكد لي بأنني مصاب بفيروس التهاب الكبد الوبائي من الدرجة الثانية وبأنه في حال استمر هذا الفيروس فإنه يؤدي إلى تشمع في الكبد وبالتالي إلى الوفاة، ومنذ ذلك التاريخ ذهبت أكثر من عشر مرات إلى مستشفيات هداسا والرملة، ورغم توصيات سبع قضاة عسكريين بتقديم العلاج اللازم لي إلا أنه لم يقدم أي نوع من أنواع العلاج سوى مسكنات والتي وصل عددها إلى أكثر من ثلاثين نوعا.

خاص مجلة "القدس"/  العدد السنوي