بقلم: فاطمة إبراهيم

في عملية اغتيال منظمة ومختلفة عن سابقاتها، تسللت قوة عسكرية إسرائيلية متنكرة بأزياء طبية ومدنية إلى داخل مستشفى ابن سينا في مدينة جنين، وارتكبت جريمة غير مسبوقة مستخدمة أسلحة مزودة بكواتم صوت بحق ثلاثة شبان أحدهم كان على سرير الشفاء.

حولت رصاصات القتلة أسرة المستهدفين في الطابق الثالث من المستشفى الواقع على المدخل الغربي للمدينة على شارع جنين جيفا، إلى توابيت ملطخة بالدماء عندما أطلق الجنود المتنكرين النار من مسافة صفر على الرأس مباشرة بقصد الإعدام دون تردد.

أكثر من عشرة جنود كانوا متخفيين ويحملون أسلحة رشاشة داخل ملابسهم، وتسللوا إلى غرفة المصاب باسل غزاوي 18 عاماً، وأطلقوا النار عليه هو وشقيقة محمد 23 عاماً وصديقهم محمد جلامنة 27 عاماً. قبل أن تهاجم الطاقم الطبي في المستشفى وتصيب إحدى الممرضات بجروح.

ويصف المدير الطبي لمستشفى ابن سينا الدكتور توفيق الشوبكي اللحظات الأولى لتسلل القوة الخاصة الإسرائيلية للمستشفى قائلاً: "دخلت القوة المتنكرة إلى غرفة المريض باسل غزاوي الذي يعالج في المستشفى منذ تشرين أول الماضي، ويرافقه بشكل دائم شقيقة محمد لإعانته على قضاء حاجته اليومية، إضافة إلى صديقهم محمد جلامنة الذي كان يرافقهم ليلة أمس، أطلق أفراد القوة الخاصة النار على الشبان الثلاثة وهم نائمون، ولم يسمع صوت إطلاق النار في المستشفى، لكن بعد خروجهم من الغرفة رفعوا سلاحهم على الكادر الطبي واعتدوا على أحد الكوادر بالضرب، فيما أصيبت ممرضه كانت تقف أمام مدخل المستشفى بجروح لحظة انسحاب القوة".

ويرى الشوبكي أن هذا الاستهداف يأتي ضمن سلسلة الاستهدافات التي تشهدها مستشفيات مدينة جنين بشكل عام ومستشفى ابن سينا بشكل خاص، خاصة عمليات تجريف الطرق الواصلة إليه ومنع سيارات الاسعاف من التحرك من وإلى ساحة المستشفى لنقل الجرحى والإصابات التي تصل خلال الاقتحامات الاسرائيلية المتكررة للمدينة ومخيمها.

ويقول الشوبكي: "طواقمنا تتعرض دائماً لعرقلة عملها، وتأخير نقل الإصابات واسعافها، إضافة لاستهداف سيارات الاسعاف لأكثر من مرة بشكل مباشر خلال الاقتحامات المتكررة لجيش الاحتلال الإسرائيلي".

 

ويضيف: "ما حدث هو اغتيال لجريح لا يقوى على الحركة ولا على إدارة حاجته بشكل منفرد، نحن كمؤسسة طبية نكفل حق كل المرضى في الحصول على العلاج بغض النظر عن خلفياتهم".

إلى ذلك أكد والد الشهيد محمد جلامنة أن إسرائيل لا تحترم القانون الدولي ولا القانون الدولي الإنساني ولا تقيم وزنا للحرمات، سواء كانت مستشفيات أو مساجد أو كنائس أو مدارس أو غيرها، إسرائيل استباحت كل شي، اقتحمت المشافي وقتلت المصابين واعتقلتهم، نبشت القبور ونكلت بالموتى وقصفت المدارس والمساجد والكنائس لأن نظام إسرائيل قائم على القتل واعتبار أنهم شعب الله المختار وأن كل الشعوب غيرهم هم أقل منهم وأنهم عبيد لهم".

وتحدث عن اللحظات الأولى التي حدثت فيها عملية الاغتيال لنجله والشقيقين الغزواي، "قرابة الساعة السادسة إلا ربع أخبرتني زوجتي بوجود قوات خاصة في مستشفى ابن سينا، بعدها بلحظات سمعت صراخ ابني الكبير، وبعدها سمعت ابنتي تبكي فتوقعت أن محمد قد اعتقل أو أصيب، لكن بعدها جاءني الخبر باغتياله".

وعند وصوله للمستشفى كان ولده محمد والشهيدين الشقيقين قد نقلوا إلى غرفة الطوارئ، وهناك رأى ولده مضرج بدمائه وحوله أصدقاؤه يلقون عليه نظرة الوداع الأخيرة.

وأدانت وزارة الصحة عملية الاغتيال وقالت: "إن على الأمم المتحدة حماية المستشفيات الفلسطينية من الانتهاكات الإسرائيلية وأن ما حدث هو جريمة جديدة تضاف إلى جرائم الاحتلال باستهداف المستشفيات والطواقم والمؤسسات الصحية".

وأمام بوابة المستشفى قال مدير صحة جنين وسام صبيحات: إن هذه جريمة بحق المستشفيات وأن إسرائيل انتهكت حرمات زي الطبيب والممرض وحرمة المستشفى الذي من المفترض أن يكون مكاناً آمنًا".

وتعقيبًا على الجريمة، قال مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان شعوان جبارين: أن التخفي بلباس الأطباء والممرضين هو خطر مباشر على الأطباء أيضًا، وأن ما قامت به القوة الخاصة الإسرائيلية فجر اليوم هو عمل عصابات، وليس عمل جيش نظامي كما تدعي إسرائيل.

ويضيف جبارين: "هذا العمل هو جريمة حرب بشكل واضح، وهو اعدام خارج إطار القانون لأن قوات الاحتلال كانت تستطيع اعتقال هؤلاء الشبان في أي مكان، أو حتى اعتقالهم في الغرفة في المستشفى، لكن طريقة الاغتيال ومكانها والسرعة التي نفذت بها تدل إلى أن هذه جريمة حرب حقيقية، والاعدام تم لأشخاص معروفي الهوية لدى الاحتلال وتم بهدف القتل فقط".

ويؤكد جبارين أن أي حديث عن خلفية الشهداء الذين تم اغتيالهم ليس مبررًا لعميلة الاغتيال، وأن أي تبرير يصدر من قوات الشابات والجيش الإسرائيلي حول وجود سلاح مع الشهداء لا يمكن أن يبرر هذه الجريمة ولا يمكن استثناء اعتبارها جريمة حرب يعاقب عليها القانون.

ويرى جبارين انه يقع على عاتق المحكمة الجنائية الدولية محاكمة كل من قام بهذه العملية وهم معروفون تحديداً حيث يجب تقديمهم للمحاكمة.

 

وكان الشهيد باسل غزاوي أصيب منذ قرابة أربعة أشهر بشظايا صاروخ أطلق من طائرة مسيرة إسرائيلية وسببت له شللاً في أطرافه السفلية.

ويلاحظ تركيز استهداف المستشفيات والكوادر الطبية وطواقم الإسعاف والهلال الأحمر خلال الاقتحامات الاسرائيلية المتكررة لمدينة جنين ومخيمها، حيث دمرت جرافات الاحتلال الاسرائيلي أنابيب المياه الرئيسية التي تغذي مستشفى ابن سينا، وقطعت الشوارع الواصلة إلى مستشفى جنين الحكومي لمنع وصول الحالات المرضية والاصابات اليه، فيما اطلق جنود الاحتلال الرصاص الحي على قسم الولادة في مستشفى جنين الحكومي يوم أمس الاثنين خلال اقتحامهم للمدينة.

وسجلت أكثر من مرة حوادث منع لسيارات الاسعاف من التحرك ونقل الاصابات خلال أوقات الاقتحام، إضافة لتفتيش سيارات الاسعاف والتحقيق مع المسعفين والمرضى بشكل ميداني والاعتداء عليهم.

وكانت قوات الاحتلال قد منعت الأسبوع الماضي سيارة إسعاف من نقل المصاب محمد حسينة من بلدة عرابة جنوب جنين، ما أدى لاستشهاده بسبب بقائه ينزف لفترة طويلة.