مها الشيخ

في عتمة السجون والزنازين الإسرائيلية، يكابد آلاف الأسرى أوضاعا صحية صعبة، بفعل سياسات الإهمال الطبي الممنهجة والمماطلة المتعمدة في تقديم العلاجات اللازمة للمرضى منهم.

ويعد الأسير ناصر أبو حميد المصاب بالسرطان نموذجا لما يتعرض له الاسرى المرضى داخل سجون الاحتلال وفي أقبية التحقيق.

"أيام وليالٍ طويلة ومضنية لا يقوى فيها الأسير أبو حميد على استخدام أطرافه ويستخدم كرسيا متحركا للتنقل، وهو بحاجة ماسة للعلاج"، يقول شقيقه ناجي.

كانت إدارة السجون نقلت أبو حميد في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، من مستشفى "برزلاي" إلى "عيادة سجن الرملة" التي تفتقر لأدنى المستلزمات الطبية الضرورية للأسرى المرضى المتواجدين فيه، رغم وضعه الصحي الحرج وحاجته الماسة للعلاج.

ولا يختلف الحال كثيرا مع الأسير عبد الباسط معطان، المعتقل إداريا منذ تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، إذ قالت زوجته زبيدة، أنه يعاني من سرطان القولون والغدد اللمفاوية، ولم يجر له أي فحوصات طبية، ولم يتلق أي نوع من العلاج الخاص بمرضه داخل السجن، رغم خطورة وضعه الصحي، وحاجته إلى متابعة حثيثة من أطباء الأورام.

وتنوه إلى أنه كان من المفترض أن يجري فحوصات قبل أن يقطع الاحتلال علاجه ويعتقله، وخضع لعدة عمليات جراحية لاستئصال جزء من القولون، وهناك احتمالية لانتشار الورم أكثر.

ويقول حازم الشوبكي نجل الأسير فؤاد الشوبكي، إن والده يعاني من سرطان البروستاتا، ومن أمراض في عينيه ومعدته وقلبه، ومن ارتفاع في ضغط الدم، وكان من المفترض أن تجرى له أكثر من عملية لكن إدارة السجون لم تسمح بذلك.

ويضيف، أن والده لا يتلقى العلاج اللازم، وأن ما يتلقاه من أدوية ليست مناسبة للأمراض التي يعاني منها، ما أثر على نفسيته ووضعه الصحي.

ويتابع: "تشخيص الحالات في العيادات حدّث ولا حرج"، مؤخرا أبلغت عيادة سجن النقب فؤاد الشوبكي أنه مصاب بالسرطان، وعندما حول إلى المستشفى تبين أنه يعاني من الامساك والاضطرابات في الجهاز الهضمي، سببت له صعوبة في التنفس، وهبوطا في نبضات القلب.

وفي 2014 كذلك، تعرض الشوبكي لانتفاخ في المعدة، وتم استئصال جزء من كليته، على أنه مصاب بالسرطان، وظل الجرح مفتوحا ولم يلتئم إلى الآن.

وفي السياق، يروي سمير الريماوي والد الأسير عمر الريماوي قصة نجله المحكوم بالسجن المؤبد قائلاً: جنود الاحتلال اطلقوا ثلاث رصاصات صوب عمر عند اعتقاله عام 2016، وأصيب في ذراعه وبطنه وظهره، وتعرض للضرب المبرح حتى أغمي عليه ولم يتم إسعافه ونقله للمستشفى إلا بعد حين.

وتابع، في مستشفى "هداسا" بالقدس المحتلة أزالوا الرصاصة من ذراعه، أما الرصاصات التي في بطنه وظهره فما زالت موجودة حتى اليوم، وتسبب له أوجاعا وبردا مضاعفا في الشتاء وتعيق قدرته على الحركة.

وتضيف انتصار مسالمة، زوجة أخ الشهيد حسين مسالمة، أن الشهيد حسين عانى منذ عام 2014 من وجع في البطن والمعدة، وكان يطلب من إدارة السجن أن يقدموا له العلاج، لكنهم كانوا يتهمونه بالكذب في كل مرة، وبعد مماطلة سُمح له بإجراء الفحوصات التي اتضح من خلالها أنه مريض بالسرطان.

وعندما أدركت سلطات الاحتلال أن استشهاد مسالمة بات مسألة وقت، أفرجت عنه بعد 19 عاما من الاعتقال، ونقلته إلى مستشفى "هداسا"، بعدها نُقل إلى المستشفى الاستشاري، واستشهد في أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي.

بدوره، يقول الأسير المحرر عصمت منصور، أن الإهمال الطبي يأتي في المرحلة الثانية من عملية القتل البطيء التي يتعرض لها الأسرى، إذ أن ظروف الاعتقال بحد ذاتها تنتج أمراضا مزمنة في البصر والجلد والقلب والرئتين، كون غرف السجون غير مهيأة، وقلة تعرض الأسرى للشمس، عدا عن عدم توفر التغذية المناسبة، والضغط النفسي والملاحقة ومداهمة الغرف وإطلاق الغاز صوبهم باستمرار.

ويضيف، عندما يصاب الأسير بالأمراض لا يتم متابعته ولا يقدم العلاج المناسب له، ما يؤدي إلى أمراض مزمنة قد تصل بالأسرى إلى الاستشهاد.

ويبين، أن إدارة مصلحة السجون تركب أجهزة تشويش لملاحقة التلفونات، علما أنها مسرطنة، لافتا أن كل سجن يوجد فيه من 600 إلى 800 أسير، ويحتوي على عيادة فيها طبيب واحد لا يتواجد دائما.

امتدت تجربة منصور لفترة عشرين سنة عانى خلالها من الإهمال الطبي والظروف السيئة هو وزملاؤه في الأسر، ولّدت لديهم أمراضا سترافقهم طوال حياتهم.

يقول القائم بأعمال الشؤون القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحررين جميل سعادة، إن واقع الأسرى بشكل عام صعب، ومعاناتهم تزداد في ظل الإهمال الطبي.

وفي حديثه عن مراحل معاناة الأسير المريض للحصول على العلاج، أشار الى أن مرحلة العذاب تبدأ من محاولة الحصول على موافقة لتلقي الفحوصات والعلاج في عيادة السجن، وممكن أن يطلب الطبيب فحص الأسير في مستشفى مدني، فتوصي عيادة السجن بذلك ويمر أشهر دون الحصول على موافقة إدارة السجن.

وعن دور الهيئة في هذا الملف يقول، "نقوم بزيارات للأسرى المرضى بطلب من ممثلي السجون لمعرفة وضعهم الصحي أكثر ومتابعة ما حصل معهم من إجراءات لعمل الفحوصات اللازمة، ويوقع الأسير على الأوراق اللازمة لتوكيل الهيئة لتراسل إدارة السجن لمعرفة سبب المماطلة، ونطلب من إدارة السجن أن تعطينا الملف الطبي للأسير المريض، للبحث عن طبيب مناسب الذي تشترط أن يكون حاملا للهوية الإسرائيلية، وتواجه الهيئة مشكلة في هذا الموضوع، عدا عن عدم توفر الإمكانيات للدفع للأطباء.

وبالنسبة للجانب القانوني لقضية الأسرى المرضى، يقول سعادة، إنه يقع على عاتق الدولة الحاجزة وفق الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية جنيف واتفاقيات حقوق الانسان والقوانين المحلية للدولة، تقديم العلاج الطبي اللازم للمعتقلين في الوقت المناسب وضمان توفير الأدوية.

ووفق تقرير لمؤسسات الأسرى وحقوق الانسان للعام المنصرم، وصل عدد الأسرى المرضى إلى قرابة (600) أسير، من بينهم (4) أسرى مصابون بالسرطان، و(14) أسيراً على الأقل مصابون بأورام بدرجات متفاوتة، ومن أبرز أسماء الأسرى المرضى القابعين في سجن "عيادة الرملة": (خالد الشاويش، منصور موقدة، معتصم ردّاد، ناهض الأقرع)، علما أن غالبيتهم يقبعون منذ اعتقالهم في سجن "عيادة الرملة"، وشهدوا على استشهاد عدد من زملائهم على مدار سنوات اعتقالهم.

ووصل عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى (227) شهيدا، بارتقاء الشهيد سامي العمور نتيجة لجريمة الإهمال الطبي المتعمد العام الماضي، إضافة إلى المئات من الأسرى المحرّرين الذين استشهدوا نتيجة أمراض ورثوها من السجن.

ولا يكتفي الاحتلال بإعدام الأسرى، إذ ما يزال يحتجز جثامين 8 أسرى استشهدوا داخل السّجون، وهم: أنيس دولة الذي استشهد في سجن عسقلان عام 1980، وعزيز عويسات الذي استشهد في العام 2018، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح، وأربعتهم استشهدوا خلال العام 2019، وسعدي الغرابلي، وكمال أبو وعر اللذان استشهدا في عام 2020، وآخرهم سامي العمور العام المنصرم.