الأمم لا تقاس بوجودها المادي، سكاناً وجغرافياً، وإنما تقاس بمدى امتلاكها لإرادتها الحرة، وامتلاكها لقرارها، وإذا ما كانت تمتلك مشروعاً قومياً تسعى موحدة لتنفيذه، الأمة العربية اليوم، هي أمة منزوعة الإرادة والقرار، وليس لها مشروعها القومي الخاص وحسب، وإنما هي مجموعة أدوات تنفذ مشاريع الغير إقليمياً ودولياً، والأغرب أنها هي من يمول هذه المشاريع، ويستنزف إمكانيات وطاقات الأمة، والأغرب أن كل طرف من الأجزاء المتصارعة يعتقد أن له مشروعاً "طموحاً" أو أنه يدافع عن أمنه الوطني.

ومن ينظر للمشهد العربي اليوم يلاحظ ببساطة أن كل دولة، وأقصد من الدول التي لم يصلها التمزيق بعد، هي متحالفة مع قوة إقليمية، والبعض انحط إلى درجة التطبيع والتحالف مع إسرائيل، والغريب أن هذه الأخيرة، هي صاحبة المصلحة في تمزيق الأمة العربية وتفتيتها إلى طوائف وأصغر كيانات ممكنة، هذا لا يعني أن القوى الإقليمية الأخرى لا تسعى للهدف ذاته التي تسعى إليه إسرائيل، ما دام تمدد كل هؤلاء هو على حساب العرب، وجغرافيا وثروات العرب، وموقعهم الجيوسياسي الأهم في العالم.

بات واضحاً جداً أن جزءاً مهماً من العرب، قد أدار ظهره للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية، ويعتقد هؤلاء أن هذا الوضع قد يحمي وجودهم، أو يحقق لهم طموحاتهم الورقية الوهمية. والغريب أن هؤلاء بدأوا يشعرون أن صراعاتهم الجانبية قد استنزفت قدراتهم، وبدل أن يجروا تقييماً موضوعياً، هم يهربون إلى الأمام، ويمعنون في الغرق في وحل الأزمات والانخراط بها، بل والمبالغة في محاربة بعضهم لبعض، وفي نظرة واحدة، نرى أن إسرائيل هي أكبر مستفيد من كل ذلك، لأن القوى الإقليمية الأخرى والمقصود إيران وتركيا ستنتهي طموحاتها باستنزاف نفسها، من دون أن تمس عملياً إسرائيل وأمنها.

لا يبدو أن الصحوة قريبة للأمة العربية، بل العكس، فالمرشح أكثر هو مزيد من التقهقر والانحطاط مع الأسف الشديد، وبما أن واقع العرب كذلك فما هو العمل لمواجهة مخطط الضم، ومحاولات إسرائيل وإدارة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية؟

في مراحل كثيرة تصدى شعبنا الفلسطيني منفرداً لمخطاطات ومؤامرات، تصدى لها بصموده على أرض وطنه، فالعامل الحاسم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو في المحافظة على وجودنا على أرضنا. وهناك نموذج ذلك الجزء من شعبنا الفلسطيني، (120 ألف مواطن حينها) الذي صمد خلال نكبة عام 1948 في أرضه ومدنه وقراه، وهو اليوم شوكة في حلق إسرائيل.

إن الصمود على الأرض ووحدة وصلابة الموقف هي المعيار، كما لا يحب أن يغيب عنا أن الجماهير العربية هي في غالبيتها العظمى مع هذا الموقف، ومع هذا الصمود، كما أن العالم باستثناء إدارة ترامب، هو ضد مشروع الضم، إن التظاهرات التي تشهدها عواصم العالم اليوم لرفض الضم، هي أمر إيجابي ومؤثر.

المهم أن نستخدم ما لدينا من أوراق بطريقة صحيحة والتوقيت الصح، ومثلما أفشلنا ورشة المنامة، وعطلنا صفقة القرن، بإمكاننا أن نُفشل الضم، فالنصر هو صبر ساعة، وهذه الساعة الحاسمة تحتاج ألا نقع في حبائل شائعات وأكاذيب الماكينات الصهيونية، والمتعاونين معها من المرتعدين العرب!!