تحقيق: مصطفى ابو حرب
كأنّه لم يعد ينقص أهالي مخيم نهر البارد معاناة سوى أن يُلقى بهم على قارعة الطريق بعد ثماني سنوات من الصبر على المصيبة التي لحقت بهم جرّاء حرب الجيش اللبناني على ارهاب عصابات العبسي المجرمة. فلا البيوت عُمِّرت ولا الإغاثة استمرت، وبدلات الايواء في طريقها للايقاف، حتى بات ثُلثا اهالي المخيم مهددين بالطرد من بيوتهم، وتكرُّ سُبحة المعاناة.

الأهالي مهدّدون بالطرد
"يعملُ زوجي في جمع الخردة في بعض الأيام، وهو مريض ضغط وسكري ويحتاج أدوية بشكل دائم، وفوق ذلك أوقفت الأونروا عنا بدلات الإيواء منذُ خمسة أشهر"، تقول ربة المنزل السيدة فاديا واكد، التي كانت تسكن وأسرتها في حارة البروة التي لم تُبنَ بعد حتى اليوم.
وتضيف "لقد صبرنا وتحمّلنا ما لا تتحمّله الجبال طيلة ثماني سنوات ولكن كانت المكافأة أن اوقفوا عنا بدلات الايواء، وها نحن مهددون يومياً بالطرد من البيت، لعجزنا عن  دفع الايجار فنحنّ بالكاد نؤمِّن نفقات علاج زوجي وقوتنا اليومي. لذا نطالب كل المعنيين في "م.ت.ف" والأونروا تحديداً بتسريع الاعمار وتحمّل مسؤولياتهم لئلا نصبح في الشارع، وان لم نستلم بيوتنا فأهون علينا ان نشعل النار بأنفسنا على أن نُذَّل يومياً أمام مالك البيت".
اما الآنسة لميا الشاعر التي تعيش في مخزن مع شقيقتها ووالدهما، فتقول بمرارة بادية على وجهها: "كنا نعيش بكرامة قبل تدمير المخيم في حارة البروة قرب المقبرة القديمة، مستورين ولا أحد يعلم بأسرار البيوت الا الله، ولكن بعد تدمير المخيم أصبح الناس جميعاً يعلمون بحالنا وبمشكلاتنا".
وتتابع "والدي يعاني مرضاً بالأعصاب ويحتاج الى دواء دائم وأسعار الدواء عالية جداً، وأنا أيضاً مريضة غدة وأحتاج الى دواء دائم، ولا يوجد لدينا دخل إلا من زاوية دكان على باب المخزن الذي نسكنه وهو لا يكفي لشراء دواء والدي فكيف ندفع بدل الايجار؟! واليوم جاء صاحب المخزن يطالبنا بالايجار ولا نعرف ماذا نفعل"، وتنهي بحسرة "ليتنا متنا في نهر البارد ولم نتهجّر ونعيش عيشة الذل التي نعيشها".
وليس حال رحاب سليمان الحاج بأفضل، فهي تعيش مع شقيقتها وأمها العاجزة في بيت متواضع بانتظار العودة الى بيتهم في حي صفورية، وتقول: "نحن صابرون على الفقر والحاجة، ولا يوجد لدينا معيل الا الله، ولو كان الوضع الصحي يسمح لنا، لعملتُ أنا وشقيقتي في اي عمل يقينا الحاجة الى الناس. وبعد وقف الاونروا لبدل الايواء فارق النوم أعيننا ونحن نفكر بمصيرنا في حال لم نؤمّن الإيجار البيت".
وتضيف "أتمنى أن أجد بيتاً في البركسات لأذهب واسكن فيه، فأنا مستعدة لتحمُّل برد الشتاء وحر الصيف وكل الاوجاع، ولكنني لا استطيع ان اتحمل ذلَّ السؤال ومرارته او ان أُطرَد من بيتي وأُرمَى في الشارع".
بدوره يعاني مسؤول لجنة المتابعة في جار القمر علي محمد ابراهيم ظروفاً صعبة، فهو رب اسرة  مؤلّفة من 6 افراد ويعمل في نقل طلاب المدارس داخل المخيم.
علي الذي كان يسكن على الشارع العام في (الرزمة الثالثة) لم يعد إلى منزله حتى اليوم، واضطر للسكن في جار القمر، حيث يقول: "ظروفي صعبة جداً كغيري من الناس، وأصحاب البيوت طالبونا بإخلاء المنازل، ولا نعرف ماذا نفعل. كنا قد قبلنا ان تقلّص الاونروا قيمة بدل الايواء من  200 دولار الى 150، ولكنّنا لن نرضى بإلغائه لأن هذا يعني أزمة جديدة تُضاف الى معاناة اهالي المخيم الذين كانوا ينتظرون انفراجات لأزماتهم". ويضيف "الأهالي هدّدوا بتصعيد تحركاتهم، والنسوة اللواتي هدّدنَ بإحراق أنفسهنّ كنَّ جاداتٍ بشأن ذلك نظراً لحجم المعاناة التي نرزح تحتها، وفي المقابل نجد أن الأونروا تجتمع مع الفصائل ونحن خارج كل المعادلات، فلا نرى ولا نعلم الوعود التي تقدّمها ونحن أصحاب المعاناة".
وينهي بالقول: "نحن لا نطالب بمال، ولكننا نطالب بالإسراع بالإعمار حتى نعود إلى بيوتنا. فإلى متى سننتظر حتى يُعاد إعمار المخيم؟!".

الأونروا تنفرد باتخاذ القرارات
يؤكّد أمين سر اللجنة الشعبية الدوري في مخيم نهر البارد الحاج ابو خالد فريجة أن قيمة بدل الايواء هي من البنود المتفَق عليها دولياً لحين الانتهاء من اعادة اعمار المخيم، مشيراً إلى أن الاونروا تأخذ قرارات بدون العودة الى الدولة المضيفة ولا الى "م.ت.ف".
ويتابع موضحاً "للأسف الاونروا اوقفت برنامج الطوارئ بكل تفرعاته الاغاثية والطبية وبدل الايواء، وهي بذلك تخرق بنودَ مؤتمر فيينا الذي قال بأن خدمات الطوارئ يجب ان تبقى لحين الانتهاء من اعمار المخيم، علاوةً على المشكلات التي أضافها ذلك لاهالي المخيم الذين ما زالوا مهجرين، علماً أنه في بداية الأزمة كان يوجد من يساعد الأهالي، ولكن اليوم بات على ابن المخيم تدبير امره بنفسه في ظل ضائقة اقتصادية وتجارية يعاني منها المخيم منذ ثماني سنوات".
ويضيف "هناك 1880 عائلة مُسجلّة على كشوفات الاستفادة من بدلات الايواء من قِبَل الاونروا، وهذه العائلات لم تحصل على بدلات الايواء منذ خمسة اشهر لأن برنامج الاونروا أبلغهم بأنهم سيحصلون على مبلغ مئة دولار بدل ايواء لمرة واحدة وأخيرة، لذلك رفض اهالي المخيم استلام هذا المبلغ المشروط رغم ان الانروا اعلنت منذ بداية العام 2015 انه يوجد اموال لتغطية بدلات الايواء بقيمة 150 دولار لغاية نهاية العام 2015".
ويرى فريجة أن "الأونروا تتحمل مسؤولية المآسي التي تحصل في مخيم نهر البارد"، ويردف "وكذلك لا نخلي الحكومة اللبنانية من مسؤولية دورها في اعمار المخيم، وعليها تقوم مسؤولية متابعة أعمال الاعمار والتسريع به وتأمين الاموال اللازمة لذلك. وكذلك هناك مسؤولية تقع على عاتق الجانب الفلسطيني المعني بمتابعة سير العمل في اعادة الاعمار".
وحول معاناة الأهالي يقول: "كان من المقرر إعادة الاعمار خلال ثلاث إلى خمس سنوات، واليوم وبعد مضي ثماني سنوات لم ينجَز إعمار سوى 40% من المخيم، أي ان هناك 60% من الاهالي مهجرين داخل المخيم في براكسات الحديد وخارجه على امتداد الخريطة اللبنانية، وهؤلاء ينبغي أن يستفيدوا من بدلات الإيواء. فالساكن في عقار داخل المخيم لأحد ابناء المخيم قد يصبر مالك العقار عليه، ولكن ابن المخيم الذي يسكن في طرابلس او اي منطقة اخرى من يصبر عليه؟ فهو إما مطرود في الشارع او عند الاقارب من بيت الى آخر".
وينوّه فريجة لتنظيم عدة اعتصامات للمطالبة برفع المعاناة وضرورة دفع الاموال لاستكمال الإعمار، ويشير إلى أن ذلك لم ينتج عنه إلا الوعود، محذّراً من أن الضغط الموجود في المخيم قد يولّد انفجاراً جماهيرياً بوجه الجميع من أونروا وفصائل فلسطينية وحكومة لبنانية خاصةً أن "صبر الاهالي آخذٌ بالنفاذ، وابن المخيم قد يصبر على الجوع ولكنه لن يصبر على طرده الى الشارع".

سياسة الأونروا تندرج ضمن أهداف ممنهجة
ينوّه مسؤول حركة "فتح" في الهيئة العليا لمتابعة ملف إعمار مخيم نهر البارد، عضو قيادة حركة "فتح" إقليم لبنان عاطف عبد العال، إلى أن عملية إعمار مخيم نهر البارد توقّفت عند الرزمة الرابعة منذُ العام 2014، ويضيف "تعلّل الأونروا ذلك بذريعة عدم توفُّر السيولة والتمويل لاستكمال عملية الإعمار. ومنذُ نحو أسبوعين كان هناك اجتماع للأونروا والدول المانحة في العاصمة الأردنية عمّان، حيثُ طرحت الأونروا قضية العجز المالي لديها وعرضت لتأثيراتها، التي سينجم عنها في نهر البارد وقف عملية الإعمار ووقف بدلات الايجار وموازنة الطوارئ".
ويتابع "اليوم هناك 2500 عائلة يستحقون بدلات الإيجار لم يُدفَع لهم أي مبلغ منذُ فترة، وقد أبلغَتهم الاونروا الحضور لاستلام مبلغ 100دولار على 3 اشهر وسيكون آخر مبلغ يستلمونه، ولكننا دعونا الاهالي لعدم استلامها. وقد نفّذنا عدة اعتصامات أمام مكتب الأونروا في طرابلس وأمام مركز الإسكوا في بيروت، وقدّمنا مذكرات للأونروا طالبناها فيها باستكمال إعمار المخيم وبدفع بدلات الايواء للـ2500 عائلة، ونحن لغاية الآن نرفض مسألة تسليم الأهالي الـ100دولار على 3 أشهر ووقفها، لأننا نطالب بـ150دولار تُعطى شهرياً حتى انتهاء اعمار المخيم، ولن نذعن لما يريدونه. وإلى جانب ذلك فوجئنا بحديث عن تقليصات في الجانب الاستشفائي الذي كان مجانياً بالكامل لأهالي مخيم نهر البارد كونهم ضمن حالة الطوارئ، حيثُ أُبلِغنا رسمياً من الأونروا أن المريض سيصبح مُلزَماً بدفع 20% من كلفة الاستشفاء".
ويضيف "الوضع المعيشي اليوم في نهر البارد صعب للغاية وإلى تراجع مستمر، بسبب وقف عملية الإعمار وخدمات الطوارئ في ظل البطالة الموجودة وتردي الوضع الاقتصادي عموماً، إلى جانب اكتظاظ الصفوف في المدارس حيث أن الاونروا لم تبنِ مدارس بدل التي هُدِّمت، مما أوجد ضغطاً على المدارس الموجودة في البداوي حيثُ وصل عدد الطلاب في بعض الصفوف إلى 50 طالباً، وفي المقابل لا تقدّم الاونروا سوى الوعود. وبرأيي ففي حال لم تستجب الاونروا والدولة اللبناية والدول المانحة لحل مشكلة نهر البارد باتجاه الاعمار واستكمال حالة الطوارئ ودفع بدل الايواء لحين إعمار المخيم حسب مقررات مؤتمر فيينا سينفجر الوضع، فبسبب الاجراءات هناك نسوة ذهبن ليحرقن أنفسهن في مكتب الاونروا بطرابلس وقد تمكّنا هذه المرة من منعهن. ولا بدّ من التنويه إلى أن الأونروا مؤخراً أصبحت تتخذ قرارات منفردة بدون الرجوع للفصائل أو لأي جهة، وتفرض شروطها، وأرى أن ما يحصل هو مشروع سياسي مقصود من طرف الاونروا باتفاق دولي لضرب الفكر والمجتمع الفلسطيني داخل مخيم نهر البارد ولتهجير سكانه إلى المنافي وبالتالي الضغط لإنهاء قضية اللاجئين وحق العودة ".
ويُردف عارضاً لتقليصات أخرى ستقوم بها الأونروا "الأخطر والأدهى أن هناك تقليصات من الأونروا سيحملها العام 2016، تطال القطاعات المهمة كالطبابة، والشؤون، والتعليم، وغيرها، ومنها وقف بدلات الايواء لأهالي نهر البارد الذي بات مؤكداً، وستمتد التقليصات لتشمل إغلاق عدد من المدارس، وتقليص التغطية الصحية، وسيصبح على المريض الفلسطيني عند دخوله المستشفى أو الخضوع لعمليات جراحية أن يتحمّل نسبة 20% من التكلفة".
وحول آلية مجابهة التقليصات الخاصة بنهر البارد قال عبد العال: "قمنا بإرسال رسالة باسم "م.ت.ف" لسيادة الرئيس محمود عباس ووضعناه بصورة التقليصات بما يتعلّق بالساحة اللبنانية عموماً وقضية نهر البارد على وجه الخصوص، وهو من جهته شكّل لجنة للاتصال بالدول المانحة لمساعدة الاونروا وحتى الآن لا جديد. كذلك تمّت مناقشة الموضوع في لجنة الحوار الفلسطيني اللبناني بحضور الوزير حسن منيمنة خلال لقاء موّسع الاسبوع الماضي، تلاه لقاء ثانٍ معه في طرابلس، وحتى الآن اقتصرت النتائج على الوعود، والدولة اللبنانية تضغط على الأونروا للأسراع بعملية الإعمار ولكن الأونروا لا تزال تتذرّع بنقص التمويل".
ويتابع "منذُ نحو شهرين وصلنا مليون دولار من سيادة الرئيس محمود عباس لاستكمال جزء من الهبة الايطالية الخاصة بالبرايمات في المخيم الجديد، حيث وزعنا شيكات على المستحقين بحضور سفير دولة فلسطين لدى لبنان أشرف دبور، ولا بد من الإشارة إلى أنه لم يتم التعويض أبداً على أهالي وتجار المخيم الجديد لا من الدولة اللبنانية ولا من الأونروا بل إن الأونروا تخلي مسؤوليتها منهم ان كان لجهة الاعمار او خدمات الطوارئ، والاهالي اليوم يحاولون ترميم بيوتهم على نفقتهم الخاصة الامر الذي اوقعهم في الديون والعجز المالي. وحالياً وُعدنا بهبة من الكويت بقيمة 10 مليون دولار على شكل إعمار للأبنية المهدمة كلياً في المخيم الجديد ولكن لغاية الآن لم تتم المباشرة بعملية الاعمار".
ويختم بالقول: "ننتظر حالياً نتائج مؤتمر عمّان حيث وعدت بعض الدول المانحة ان تدفع بعضاً من مستحقاتها، ولكننا حتى اللحظة ماضون إلى التصعيد على كافة المستويات الى حين اعمار مخيم نهر البارد بالكامل واستمرار خطة الطوارئ ودفع الايجارات كاملة. لذا رسالتي ان نبقى جميعاً في نهر البارد يداً واحدة وصوتاً واحداً لمصلحة المخيم ضد سياسة الاونروا الهادفة للتجويع والتهجير. ونطالب الحكومة اللبنانية والقيادة الفلسطينية المركزية بالضغط على الدول المانحة لدفع الأموال التي التزمت بها لحين انتهاء اعمار مخيم نهر البارد بالكامل".