مع دخول الهبة الجماهيرية ضد الاحتلال الإسرائيلي شهرها الثاني خابت تحليلات العديد من المراقبين الذين راهنوا على توقفها خلال فترة وجيزة، في حين تباينت الآراء حول أداء فصائل العمل الوطني في الهبة الجماهيرية الدائرة في الأراضي الفلسطينية والتي تؤدي فيها حركة "فتح" دوراً أساسياً، إلى جانب أخبار تحدّثت عن تأجيل المؤتمر السابع لحركة "فتح" نتيجة للأوضاع الراهنة. وللاستيضاح عن هذه الأمور وغيرها أجرينا لقاءً مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" د.جمال المحيسن.

كجزء أساسي ومحرك مهم فيها كيف تقيّم حركة "فتح" الهبة الجماهيرية ضد الاحتلال في الوطن فلسطين؟

أولاً أود أن أشير إلى أن هذه الهبة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية اليوم بدأت في مدينة القدس عندما اقدم الاحتلال الإسرائيلي على خطف وحرق الطفل محمد أبو خضير، لتقوم إسرائيل بشن هجوم عنيف على شباب القدس واعتقال المئات منهم. وبعد ذلك ازدادت جرائم الاحتلال ومنها حرق عائلة دوابشة، ثم جرائم القتل والاعتداء على  المقدسات مما أوجدَ ظروفاً فجّرت الوضع بحيث امتدت الهبة في كل محافظات الوطن، وبلا شك فإن حركة "فتح" لاعب رئيس في موضوع الهبة الشعبية القائمة، وفصائل "م.ت.ف" موجودة لكن يُسجَّل غياب حركة حماس عن المشاركة بثقلها المعروف بالساحة الفلسطينية، ومن وُجِدوا منها كان وجودهم كأفراد، أمّا كثقل لحركة حماس فلم يكن هناك مشاركة بالهبة الشعبية. وبالنسبة لحركة "فتح" فهي موجودة بكل قياداتها في مواقع الاشتباك مع الجانب الإسرائيلي، وهناك العديد من قيادات الأقاليم أُصيبوا في هذه المواجهات، وبالأمس أصيب عضو إقليم رام الله جعفر حمايل برصاصة في ركبته وهو موجود في مستشفى رام الله، ومن خلال خريطة الشهداء الذين استشهدوا خلال الهبة تجد انه من بين الـ89 شهيداً حتى اللحظة هناك نحو 75 شهيداً من حركة "فتح"، ففتح موجودة بكل ثقل بالهبة الشعبية، ونحن معنيون بدعمها وتوسيع نطاقها وتصعيدها بحيث تصل لانتفاضة شاملة حتى يصبح الاحتلال مكلفاً ويصبح وجود المستوطنين الإسرائيليين الذين يدنّسون الأراضي في الضفة الغربية بما فيها القدس غير مريح ومرعب لهم رغم كل التسهيلات التي تقدمها دولة الاحتلال لهم، فكما تعلم الشقة في تل ابيب يمكن أن تكلّف 300 ألف دولار، في حين يمكن للمستوطن شراء فيلا بحديقة في الضفة الغربية بتكلفة 100 ألف دولار عدا التسهيلات الاخرى التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية حتى تشجع الاستيطان في المناطق المحتلة العام 1967 خاصة في الضفة الغربية والقدس.


كيف تردون على من يقول أن دور الفصائل ضعيف في هذه الهبة الجماهيرية؟
إذا استثنينا حركة "حماس"، فالفصائل الأخرى اليوم وجودها ليس كبيراً وذلك واضح من نسبة التمثيل في المجالس الطلابية في الجامعات الفلسطينية حيث أن بعض الفصائل لا تحصل سوى على 1% من نسبة المقاعد وفي حالات أخرى لا تحصل على شيء، وهذه الفصائل التي كانت تاريخياً تشكل قوة ضغط وحضور على الساحة ما عادت كما في السابق.

ما رأيك في وجهة النظر التي تقول إن ما يحدث هو من مصلحة إسرائيل التي تعمل على زيادة توتر الأوضاع؟
طالما أننا لا نلجأ إلى صدام مسلّح مع جانب الاحتلال الإسرائيلي كأجهزة أمنية، فإن الهبة الشعبية بالعكس عبارة عن رد وغضب فلسطيني تفجر نتيجة جرائم الاحتلال الإسرائيلي من اعتقالات وهدم للبيوت وتدنيس للمقدسات وتهويد للأرض، حيثُ أنه لم يعد هناك مجال للحل على أساس دولتين، وأيضاً قرارات المجلس الوطني لـ"م.ت.ف" وخطاب الرئيس أبو مازن في الامم المتحدة كلها عوامل كشفت للشارع الفلسطيني ان الطريق مع الاحتلال الإسرائيلي في إطار التسوية اصبح مسدوداً فلم يعد هناك خيار امام الشعب إلا هذه الهبة، وكانت الشرارة بمخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك الذي يتمثّل باقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى ومنع المصلين من دخوله في العديد من الأوقات لأداء الصلاة وخاصة عند تواجد قطعان المستوطنين في باحاته. لذا وبلا أدنى شك الانتفاضة الشعبية مصلحة وطنية ومرحلة نضالية مهمة من مراحل نضال الشعب الفلسطيني.

هل استمرار هذه الهبة من مصلحة السلطة الفلسطينية؟ وهل سيتم استثمارها سياسياً كأداة ضغط على الإسرائيليين من خلال المجتمع الدولي؟
طبعاً من مصلحتنا أن تستمر هذه الهبة الشعبية، لذا نحن نعمل على تطويرها وزيادة فعالياتها في الميدان ومن خلال الأروقة الدولية أيضاً، ومن المؤكد أن أي عمل نضالي يوظَّف سياسياً، وهذا الكلام يقال أمام الاحتلال الإسرائيلي، فنحن نحمّله كافة المسؤولية عما يجري، ونحمّله مسؤولية الجرائم التي تتم.
أحياناً تكون هناك ردات فعل فلسطينية على جرائم الاحتلال خارح مناطق المدن وخارج مناطق الاحتكاك عبر عمليات هنا وهناك وهي ليست بقرار مركزي، وإنما ردات فعل على جرائم الاحتلال التي يتم فيها استفزاز المواطن على الحواجز.
وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة اتضح أن الموضوع الفلسطيني مغيّب حيثُ صرح رئيس الولايات المتحدة الامريكية أنه لا يوجد تصور بوجود حل في العملية السياسية،
وبالتالي كان لابد من وجود هذه الانتفاضة التي تفضح الاحتلال الإسرائيلي وان يتم توظيفها حتى يُعاد الاهتمام بالقضية الفلسطينية خاصةً أمام التطورات المتعلّقة بالملف السوري والانشغال بها.
بعض المحلّلين السياسيين قالوا إنها هبة بسيطة وستنتهي بسرعة ولكن الهبة مستمرة إلى الآن والأوضاع ليست مستقرة كيف تفسّر هذا؟
إسرائيل تحاول دائماً أن تعتقد أن الشعب الفلسطيني أصبح مُستسلِماً للمخططات الإسرائيلية، ولكن الشعب الفلسطيني دائماً إرادته قوية جداً مثل طائر الفينيق يخرج من بين الرماد. وأحياناً يشعر الاحتلال وكأنه لا يوجد شيء، وأحياناً تتفجّر الأوضاع. وبالنسبة لرهان إسرائيل بأن ما يجري لن يدوم أكثر من أيام او أسابيع، فانظر ها هي الهبّة الشعبية قد دخلَت الأسبوع الثاني من الشهر الثاني، وانا متأكد أن هذه الهبة، التي نأمل أن تصل لمرحلة الانتفاضة، في كل يوم تزداد شعلتها وتزيد انتشاراً وتزيد قوتها، وأيضاً ممارسات اسرائيل تساعد على اشتعال الانتفاضة، ونتنياهو يومياً يعطي تصريحات بما يتعلّق بالمسجد الاقصى، ولكن ذلك لم يُغيّر شيئاً وما زال المستوطنون يدنّسون ساحات المسجد الاقصى ويقتحمون المسجد الاقصى، وما زالت هناك اغتيالات ميدانية، كما ازداد بناء الوحدات الاستيطانية، وتم الاعلان عن 554 وحدة استيطانية في منطقة شمال القدس، وقبل يومَين تم الإعلان عن 2000 وحدة سكنية في المستوطنات، فمسببات انطلاق هذه الهبة الشعبية لا تزال قائمة وتزايد جرائم الاحتلال يزيد من شعلتها وانتشارها أكثر.

قدَّمت السلطة الفلسطينية ملفات لمحكمة الجنايات الدولية تدين إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها، ماذا تتوقعون من المحكمة؟ وكيف تردون على من قلّلوا من أهمية التوجه للمحكمة؟
قدّم الرئيس محمود عباس ملفات لمحكمة الجنايات الدولية عندما ذهب إلى لاهاي، وقابل المعنيين، وفي المحكمة تم تفعيل هذه الطلبات، وكلُّ الجرائم التي يرتكبها الإسرائيليون اليوم تزود أولاً بـأول لمحكمة الجنايات الدولية، وحالياً تتم دراسة ملفات المحكمة ونأمل في أقرب وقت أن يتم العمل بتطبيق القانون الدولي على موضوع الاحتلال الإسرائيلي.
بالطبع الجميع كان يطالب بذهابنا لمحكمة الجنايات، وعندما أصبح هناك توجه من القيادة الفلسطينية للمحكمة البعض تهرب من المشاركة في الاجتماع الذي اتُخِذ فيه القرار، والبعض الآخر كان يماطل في إعطاء الموافقة، ولكننا نعود ونقول أن هناك جرائم يومية تُرتكَب بحق الشعب الفلسطيني، ولهذا السبب يجب ان نذهب لمحكمة الجنايات الدولية. نحن لا نقول أن هذه المحكمة تختلف عن أي محكمة في دول أخرى، ولكنها تُعنَى بالقانون الدولي واسرائيل أكبر خارق للقانون الدولي، وبالتالي هي مُدانة منذ البداية وعلينا أن نلجأ لكل المؤسسات الدولية لملاحقة هذا الاحتلال في الجانب القانوني وفي الجانب السياسي وفي كل الجوانب كجهة رسمية وايضاً يمكن ملاحقتها كأفراد.

هل تأخّرتم بالتوجُّه لمحكمة الجنايات الدولية؟
انا قلتُ دائماً عندما نذهب لأي جهة دولية علينا ان ندرس الالتحاق بهذه المؤسسة ومدى الاستفادة من وجودنا فيها ومدى الضرر. وكالعديد من الدول التحقنا بمحكمة الجنايات، ولكن محكمة الجنايات لا تخدم طرفاً واحداً فهي ممكن ان تخدمك وفي نفس الوقت أن تكون مُسلّطةً عليك، وبالتالي أعودُ وأقول يجب أن نذهبَ إلى كل المؤسسات الدولية ولكن لا يجب أن نتحمّس بل يجب أن تكون هناك دراسة لكل مؤسّسة من المؤسسات ولكل معاهدة من المعاهدات وان ننضمّ للمؤسسات والمعاهدات الدولية التي نجد فيها خدمة لقضيتنا.
هل تمّ تأجيل المؤتمر السابع لحركة "فتح"؟
المؤتمر استحقاق كان يجب ان يُعقَد من سنة ونحن مع انعقاد المؤتمر لوضع إستراتيجية جديدة وبرنامج سياسي جديد كوننا ندخل مرحلة جديدة، فما قبل الهبة الشعبية شيء وما بعدها شيء آخر، وقد كان من المقرر أن يُعقَد المؤتمر في 29/11/2015، وحتى هذه اللحظة لم يُتَّخذ قرار في اللجنة المركزية بتأجيل المؤتمر لأن اللجنة المركزية لم تعقِد اجتماعاً من فترة حتى تأخذ قراراً بهذا الاتجاه، ولكن أي عاقل ينظر للأحداث التي تمر بها الساحة الفلسطينية يدرك أنه من الصعوبة عقد المؤتمر في 29/11 في ظل الهبة الشعبية القائمة، وأيضاً ما زال هناك بعض المؤتمرات التي لم تنعقد في قطاع غزة سواء أكان في رفح أو في شرق غزة او الشمال، وقد تنجزها خلال أيام او أسابيع، وعلينا إتمام واستكمال ما تبقى من أوراق في بعض المناطق، وإلى جانب ذلك فحضور أعضاء من غزة والخارج يتطلّب موافقة إسرائيلية وتأمين التنقل من محافظات إلى مكان انعقاد المؤتمر، وأرى أن الأوضاع الأمنية في البلد والعلاقة مع الجانب الإسرائيلي هذه الفترة لا تسمح بذلك، ونحن نأمل أن تتصاعد الهبة الشعبية أكثر وأكثر ليس حتى لا يعقد المؤتمر، وإنما حتى نحقّق انجازات سياسية لصالح شعبنا، وعندما تكون أوراق المؤتمر جاهزة يعقد بأي لحظة حالما تتوفر الشروط او المناخ في المنطقة لعقد المؤتمر.

ماذا عن اجتماع المجلس الوطني هل سيعقد كما كان مقرّراً أم انه سيُؤجَّل على غرار المؤتمر السابع؟
مع دخولنا مرحلة جديدة نحن معنيون بعقد مجلس مؤتمر حركي ومعنيون بعقد مجلس وطني، بالنسبة لأي منها يسبق الآخر فهذه ليست إشكالية إذ من الممكن أن يُعقَد المجلس الوطني خارج فلسطين، وبالتالي نخرج من دائرة الوضع الأمني الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني، أما المؤتمر العام للحركة فيُعقَد داخل الوطن.
ومن هنا فالتوجه الآن أن يعقد المجلس الوطني في نهاية هذا العام، وكل الفصائل أصبحت مجمعة على أن يُعقَد المجلس الوطني بالأعضاء القدامى، وعندما نتحدّث عن أعضاء قدامى فليس معنى ذلك أن كل عضو قديم يبقى، إذ من حق جميع التنظيمات والمنظمات، وبينها حركة "فتح"، تغيير أعضائها في المجلس الوطني.
وتوجُّهُنا لعقد المجلس الوطني قبل نهاية العام هو لوضع إستراتيجية جديدة، وفي الوقت نفسه هناك موضوع مطروح على طاولة المجلس الوطني هو موضوع الاعتراف المتبادل بالجانب الإسرائيلي، أي أننا اعترفنا بهم وهم اعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطينية، واليوم العالم اعترف بنا كدولة تحت الاحتلال، وبالتالي مطلوب الانتقال من الاعتراف بمنظمة التحرير إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإن لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران العام 1967 سيتم سحب الاعتراف من قبل فلسطين بالجانب الإسرائيلي.

هناك اخبار سرت عبر وسائل الإعلام عن قرب مصالحة بين سيادة الرئيس وبين العضو المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، ما صحة هذه الأخبار؟
لا أعلم لماذا يعود الناس كل فترة لطرح هذا الموضوع، ولكن الموضوع ليس بين الرئيس محمود عباس ومحمد دحلان، فمحمد دحلان عندما ذهبنا للمؤتمر السادس كان يدرك أن هناك جسماً كبيراً في الحركة يرغب ان لا يخرج محمد دحلان، لذا القضية ليست قضية الرئيس محمود عباس وقضية محمد دحلان بل القضية  قضية حركة "فتح" مع محمد دحلان وقضية الشعب الفلسطيني مع محمد دحلان، وبالتالي هذا الموضوع كما أحب ان اكرر يبقى خلف ظهرنا، ولكن أحياناً بين فتره واخرى يخرج علينا أشخاصٌ أو مجلات يُدفَع لهم لإحداث بلبلة في الساحة، واعود واقول الموضوع صدر فيه قرار من اللجنة المركزية وصدر قرار فيه من المجلس الثوري وبالتالي المؤسسات الرسمية بالحركة اتخذت قراراً وهذا القرار في تصوري لا عودة عنه.

خاص مجلة القدس العدد 321/ حـوار: وسام خليفة