خاص مجلة القدس/ حوار: عدي غزاوي
شهرٌ مضى على اشتعال الهبّة الشعبية الفلسطينية في وجه الاحتلال التي جاءت كرد فعل لتؤكّد أن العام 2015 لا يختلف عن أي عام مضى من تاريخ الشعب الفلسطيني وان الاحتلال الاسرائيلي لا بد ان يرضخ للحق الفلسطيني. ومع تصاعد هذه الهبّة تباينت الآراء حولها وحول أهدافها وكيفية توظيفها لخدمة قضيتنا. وفي لقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" اللواء جبريل الرجوب اوضح لنا اهمية هذه الهبة للشعب الفلسطيني داخلياً وعالمياً شارحاً كيفية الاستفادة منها ومتطرقاً لأولويّات الشعب الفلسطيني حالياً.

الحراك الشعبي نتيجة طبيعية لممارسات الاحتلال
يرى الرجوب أن "ما يحصل اليوم هو نتاج السياسات الاسرائيلية الثابتة لنفي فلسطين ارضاً وشعباً وتاريخاً من السياسة بالاعتماد على الارهاب الرسمي والعنف الـمُمارَس بحق الفلسطينيين والاعتداء الصارخ على أراضينا بالاضافة الى العمل على إحداث تغييرات جغرافية وديمغرافية في القدس والعمل على توسيعها الى المناطق المحتلة العام 67 بما يضمن عدم قيام دولة فلسطينية. وخلال الفترة الماضية وبالتزامن مع الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة ارتفعت وتيرة الاعتداءات على كل المستويات وخاصة على المقدسات والمسجد الاقصى تحديداً وبذلك نسف الاحتلال الـ"ستاتيكو" (الوضع المتعارف عليه) القائم منذ العام 1967 والذي يعطي ادارة الاوقاف الحق في ادارة الاقصى ويمنع اليهود من الصلاة في باحاته. واذا نظرنا الى الشوارع نجد ان العنف قد زاد كثيراً وهناك حالات كثيرة من الاغتيال المباشر نُفّذَت في معظم انحاء المناطق الفلسطينية. هذا الوضع  دفع لحالة من الصدام والانفجار وما لبثت أن برزت البطولات الفردية التي احدثت حالة من الارباك والقلق عند الاحتلال سواء أكان داخل الخط الاخضر او باقي الاراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب حالة من الحراك العفوي الشعبي الذي يضع القيادة الفلسطينية امام تحدي الارتقاء الى مستوى الحدث وتحميله اهدافاً سياسية تبدأ بعناصر الاحتكاك المباشر والاستيطان والارض وكرامة الانسان الفلسطيني وتتطوّر بحالة تراكمية الى ان تصل الى انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية، بمعنى تطوير حالة الصدام وفق حالة الاجماع الفلسطيني. فهناك حراك شعبي وهناك ثورة شعبية، والثورة الشعبية يجب ان تتطور وتشمل المعنى الاجتماعي والجغرافي والسياسي لتكون محرجة للعدو وتفعّل الآفاق التي يتحرك فيها صراعنا متمثّلا بالأفق الاقليمي والأفق الدولي، خاصةً في وجود اجماع دولي بأن هذا العدوان من طرف واحد يشكّل خطراً على شرعية العالم وعلى مصالحه وقِيَمه من خلال ضرب الاستقرار الاقليمي وتغذية التطرف وانتهاك حقوق الانسان.

تحديد أهداف هذه المرحلة اولوية فلسطينية
حول الاستحقاقات المطلوبة في هذه المرحلة يقول الرجوب: "مسؤولية فصائل العمل الارتقاء الى مستوى الحدث في تحديد اهداف هذه المرحلة وفي تحديد الوسائل مع اقرارنا كفتحاويين ان العمليات البطولية التي تحصل هي عمليات فردية إلا أنها تحمل مضموناً كبيراً بالمعنى الوطني، ولكننا نريد لهذه الحالات البطولية ان تتحوّل الى حالة وعي جمعي يُعبّر عنه، وهذا ما نتطلع إليه كفتحاويين ونسعى لتطويره من خلال فكرة المقاومة الشعبية التي تصل الى درجة التناقض مع هذا العدو ليصل العالم الى مرحلة يرفع فيها الكرت الاحمر في وجه الاحتلال ويقول له قف الآن".
ويضيف "كذلك يجب ان يكون هناك وحدة وطنية تتجلّى بوحدة الأرض والشعب والفصائل والدولة والقيادة ومنظمة التحرير، لذا نأمل من اخواننا بحماس ان يراجعوا مفهومهم السياسي ومفهومهم للمقاومة وللارتباطات الخارجية والديمقراطية ولدور الامن بالمعنى الوطني والاقليمي وليس بالمعنى السطحي الذي اصبح عنصر مناكفة، وان يُقرّوا بمبدأ التعددية السياسية في الحكم في فلسطين، وبالحد الادنى خلال هذه الفترة يجب ان تكون هناك وحدة ميدانية خلال هذه الثورة الشعبية تحت علم واحد وبنفس الاهداف التي تتعلّق بالقدس والاستيطان وبكرامتنا وحريتنا والبناء عليها للوصول الى مرحلة يمكن فيها تحقيق الاستقرار إقليمياً".

خطوط حمراء لا يجب تجاوزها
"أهم الخطوط الحمراء التي يجب ان لا نقع فيها استمرار الانقسام"، ويضيف الرجوب "أيضاً علينا ألا ننجرّ الى مربع نتنياهو، مربع الدم، الذي سيجعل العالم ينقسم علينا في احسن ظروفه ان لم يصطف ضدنا، لأن الاحتلال قادر على ممارسة الارهاب بشكل منظّم والظهور بمظهر الضحية في الوقت نفسه، ولكن ان حصلت أمور فردية هنا او هناك فنحن لسنا شركة تأمين لأحد، وأعتقد أننا إذا طوّرنا هذا المفهوم فإنه سيتناغم مع النفَس الشعبي في الشارع. فلو نظرنا لدرجة استجابة الشارع للفصائل سنجد انها صفر، لكن درجة استجابته لدم الشهيد ولحماية بيت شهيد من النسف او للتعاطي مع اي حالة استفزاز غير مسبوقة من حشد شعبي وصدام، وهذا ما يحصل حالياً في كل فلسطين، فالقدس الآن اصبحت بركانا ودمّرت فكرة القدس الموحدة وكرّست الـ330 الف مقدسي كصخرة على صدور الاسرائيليين الذين أصبحوا يفكرون بطريقة لفصل الاحياء العربية عن الاسرائيلية، وهنا نجد اننا قد رجعنا للابرتهايد وايام النازية واهم ما يميز هذه المرحلة الطابع الوطني الذي يتغلّب على الطابع الفصائلي ومن هنا آمل ان تكون هناك مراجعة للمعطيات.
ولا بد أن أنوّه إلى أننا كفتحاويين لدينا فكر ومفهوم راقٍ وصادق للوطنية، لذا فالمطلوب منا في هذا المنعطف المبادرة بغض النظر عن موقف غيرنا وتصميم الايقاع الذي له علاقة بالطابع الوطني فنحن اصحاب المشروع ومن رفع فكرة الهوية والمقاومة وما زلنا اوفياء لها".

اولوياتنا في هذه المرحلة
يرى الرجوب أن "نجاح هذه المرحلة يتوقّف على الاهتمام بأمور عديدة منها رفع أهداف واضحة للثورة الشعبية العارمة التي تشكّل ارقى شكل نضالي حتى هذه اللحظة، فهناك مبادرات بطولية فردية وهناك حراك شعبي في الشارع، وهناك ضبط واضح للاوضاع وفهم للخطوط الحمر التي يجب عدم الوقوع فيها. فجميع الفصائل تملك السلاح ولكنها لم تستخدمه لادراكها بأن هذا ما يريده نتنياهو، ومن اولوياتنا في هذه المرحلة حماية المقدسات ووقف الاستيطان وصون كرامة وحياة الانسان الفلسطيني وتحديد علاقتنا مع الاحتلال من خلال مراجعة ما يتعلّق بالسياسة وبالامن وبالاقتصاد وبالقانون بما يضمن ان حالة وعي الجمع الفلسطيني ستقودنا لمرحلة تجعلنا نعلن فيها عن تصفير علاقتنا مع العدو، وايضاً علينا استقطاب الرأي العام العالمي من خلال العملية النضالية الحالية ومن خلال البرنامج السياسي لايجاد صدام بين العالم وسلوك الاسرائيليين الوحشي، ومسؤوليتنا كفتحاويين تصميم ايقاع الثورة الشعبية وبناء جسور وحدة وطرح فكر استراتيجي في التعاطي مع هذا الاحتلال قاعدته الصدام ورفض اي حالة تعايش ضمن احتلال.
ولا ننسى أن الرئيس ابو مازن خاطَبَ العالم على مدار السنوات الاخيرة بما فيها عام 2012 وانتزع من العالم إقراراً بأننا دولة تحت الاحتلال، وعلى مدار ثلاثة سنوات لم يتجاوب الاسرائيليون مع الموضوع، لذا وجّه الرئيس رسالة للعالم انه آن الأوان لترفعوا كرتاً احمر في وجه إسرائيل وأننا لم نعد قادرين على احتمال هذا الارهاب الرسمي وهذا السلوك الذي تمارسه بحقنا".

إعادة صيانة النظام السياسي وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني
يؤكّد الرجوب أننا "في مرحلة تتطلّب إعادة صيانة النظام السياسي الفلسطيني بما يضمن تجديد شرعيات المؤسسات باتجاه منظمة التحرير وباتجاه السلطة وباتجاه حركة "فتح" لتثبيت أركان المنظومة". ويضيف "أنا كفتحاوي أرى ان "فتح" تحتفظ بالحلقة المركزية وهي عمود فقري ولكن بمنطق التعددية السياسية، وصندوق الاقتراع هو الطريق الى الحُكم، لذا يجب علينا كفتحاويين ترتيب البيت الداخلي من خلال المؤتمر السابع بطريقة يعبر فيها عن المنظومة الفتحاوية والتمسّك بالاهداف والمبادئ التي انطلقت بها الحركة، مما يجعل انعقاده ضرورة واستحقاقاً بالمفهوم الوطني لأن "فتح" لكل الشعب الفلسطيني، ومن خلال ابراز قيادة قادرة منسجمة متناغمة صلبة لديها رؤية وارادة عرفاتية وبرنامج أقرّه المؤتمر.
وبالنسبة للمجلس الوطني فآخر جلسة له كانت منذ تسعة عشر عاماً وبالتالي آن الأوان لعقده، فهو الذي سيصادق على جميع القرارات المرتبطة بتحديد علاقتنا مع الاحتلال وبآليات تفعيل  العامل الاقليمي والدولي بمعنى تجديد شرعية المنظمة وهذا يحتاج الى اقرار عربي ودولي لأن هذه المنظمة ما زالت هي الكيان المعنوي لكل الفلسطينيين في الوطن والشتات وما زالت شريكاً للعالم خاصةً أننا في المرحلة القادمة نريد شريكاً للمجتمع الدولي ليس من خلال نتنياهو ونريد حماية هذا المظلة التي تهتم بالكل الفلسطيني، فالمنظمة والمجلس الوطني ليسا فقط ملكاً للشعب الفلسطيني بل ايضا لعمقنا العربي وعلينا انهاء الانقسام بسرعة لأن المستفيد الاكبر منه هو الاحتلال الذي يسعى لتكريسه، ونحن ما زلنا على العهد بالنسبة لأهدافنا وهويتنا ومنطلقاتنا ولن يرتاح احد او ينعم بالاستقرار قبل قيام الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.