خاص مجلة القدس/ حوار: وسام خليفة
منذ الطلقة الاولى وحركة "فتح" تتصدّر الصف الوطني الفلسطيني في مواجهة الاحتلال والدفاع عن فلسطين والفلسطينيين، وفي خضم ممارسات الاحتلال الاسرائيلي التي ازدادت وقاحةً واغلاءً كان بديهيّاً أن يولَد رد شعبي تمثّل بهبة في وجه الاحتلال في جميع انحاء الوطن وأن تكون حركة "فتح" ذات دور رائد فيه. وللتعليق على الأحداث الاخيرة والاطلاع على دور حركة "فتح" في هذه الهبّة الجماهيرية أجرت مجلة القدس لقاءً مع عضو اللجنة المركزية مسؤول التعبئة والتنظيم في حركة "فتح" محمود العالول "أبو جهاد".
كيف تقيّمون الهبّة الجماهيرية التي انطلقت؟
لاشك ان هذا الحراك الجماهيري مهم للغاية في مواجهة العدو الذي اوغل في جرائمه ضد الارض بالمصادرة والاستيطان او ضد البشر بالقتل والاعتقال وضد المقدسات كما يجري في القدس والاقصى. وبالتالي ما يحدث الآن كان رد فعل طبيعي على جرائم الاحتلال وتعبيراً عن رفض ما يحاول الاحتلال فرضَهُ علينا. وبرأيي فإن هذا الحراك يوجّه العديد من الرسائل، فهو رسالة استنكار للصمت الدولي أمام ما يُرتَكب من جرائم وتمرد اسرائيلي على القانون الدولي، ورسالة للامة العربية التي اهملت قضاياها الاساسية، فهذه المقدسات والقدس ليست لنا فقط انما هي لكل الامة العربية والاسلامية، وهناك تقصير غير عادي من قِبَل الدول العربية، أمّا بالنسبة لبعض الدول العربية التي تتحدّث عن أنها تواجه الآن كمّاً هائلاً من المشكلات الداخلية التي لا تسمح لها بدعم قضية فلسطين فأريد ان اسألهم: هل كنتم قائمين بواجبكم سابقاً؟!

ما الدور الذي أدّته المقاومة الشعبية في حماية المواطنين؟
اطر المقاومة الشعبية قامت في هذه الهبة الجماهيرية بواجباتها على اكمل وجه والجميع يذكر أننا قبل هذه الهبة الشعبية بفترة زمنية كنا قد اعلنا عن تشكيل لجان حراسة في داخل التجمعات السكانية المحاذية للمستوطنات للتصدي للهجمات الاستيطانية، وقد كان لها دور مهم للغاية في حشد الناس وتحريكهم والتصدي للهجمات الاستيطانية غير المسبوقة. فالمستوطنون يعتدون بأعداد كبيرة على الفلسطينيين مدجّجين بالسلاح ومحميين من جيش الاحتلال الاسرائيلي، وقد ساعدت أُطُر المقاومة الشعبية في حشد اعداد كبيرة من المواطنين الفلسطينيين من كل القرى المحاذية للمناطق التي يتم الاعتداء عليها وقد تمكّنا في عشرات المواقع من صد اعتداءات المستوطنين وايقاع كم كبير من الخسائر بينهم.

برأيكم ما هو دور حركة "فتح" في الهبة الجماهيرية المنطلِقة؟
لا يمكن ان يكون هناك حراك جماهيري بدون ان تكون "فتح" جزءاً جوهرياً منه او هي التي صنعته لأن "فتح" عمود اساسي في مشروع التحرر الوطني الفلسطيني. وحركة "فتح" اليوم تقود هذا الحراك وهي حريصة على استمراره لأن اسباب قيام هذا الحراك لم تنتهِ. فالاعتداءات الاسرائيلية لم تتوقف لا على القدس ولا على الاقصى، ومن اجل ذلك هذا الحراك سيستمر. وفي الوقت ذاته فإنّ حركة "فتح" لديها هم اساسي هو كيف تقود هذا الحراك الجماهيري بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني وبما لا يؤدي الى الفوضى والفلتان الامني الذي من الممكن ان يمس بأمن المواطن الفلسطيني. واعتقد أنه خلال الفترات الماضية بات واضحاً للجميع ان حركة "فتح" اصبحت عصية على الضغوطات حيثُ مُورِست ضغوطات هائلة على هذه الحركة وكان موقفها صلباً لا يراعي الا مصالح الشعب الفلسطيني. وعلينا ألا ننسى أننا في وضع صعب للغاية وخاصة منذ بداية هذا الشهر. فالاحتلال اوغل في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني بانتهاكات غير مسبوقة على الاطلاق وخاصة انتهاكات المستوطنين ضد المواطنين كما حصل في دوما مع عائلة دوابشة، والاعتداء شبه اليومي على المزارعين، وما تبعه من ممارسات تجري في الاقصى وهو امر استفزَّ مشاعر الناس، وكحركة "فتح" وسلطة فلسطينية ومشروع وطني واجبنا الاساسي هو حماية الناس والمقدسات والارض من هذه الانتهاكات، واذا لم تمارس ذلك فإن شعبك لن يصبر عليك، ومن هنا كان هذا الحراك الاخير ولو تأخّر هذا الحراك قليلاً لخرجت الناس ضد السلطة لا ضد الاسرائيليين لعدم القدرة على حمايتهم، ومن الممكن ان يكون مخطّطاً اسرائيلياً كون السلطة وحركة "فتح" لديها موقف عصي في مواجهة الاسرائيليين والامريكان لذا يريدون اظهارها وكأنها لا تستطيع حماية الناس ليثور الشعب عليها.
وقد تحدّثنا كثيراً مع امناء سر الحركة بضرورة الاستعداد لحماية المواطنين من هجمات المستوطنين، ونوّهنا قبل بداية الاحداث بيومين لأهمية وجود حراك في هذه الفترة. وبرأيي فقد أثمرت هذه الموجة امرين مهمين، اولاً أنها قلبَت السحر على الساحر، وثانياً كونها افشلت المخطط الاسرائيلي القاضي بجعل الناس تثور على الحركة لعدم قدرتها على حمايتهم للثورة في وجه الاحتلال. ولكن لا بد من الإشارة إلى ان الحراك في الشارع موضوع خطير ولا بد من وجود قوى سياسية توجهه وإلا فإن الفوضى ستسود ومن هنا كنا على رأس كل الحراكات التي تمت في ارجاء الوطن بشكل ايجابي ومفيد لنا.

كيف يمكن لنا الاستفادة من هذه الهبة لمصلحتنا؟
شعبنا لديه مخاوف كبيرة علينا ان نأخذها بعين الاعتبار مثل انتشار الفوضى كما حصل خلال هبات سابقة والخوف من الفلتان الامني، ونحن لا نريد ان نعيد اخطاء سابقة، لذلك علينا توخي الحذر لدرجة كبيرة وعلينا ان نتعلم ونعرف كيف ندير الامور في هذه المرحلة، خاصةً أننا لسنا الوحيدين الذين يلعبون في الساحة فاللاعبون كثر اولهم الاسرائيليون والامريكان وقوى كثيرة اخرى تسعى للسيطرة على حراك الشعب ليكون ضدنا.
كذلك فهذه الهبّة الجماهيرية مضت بشكل رائع وحقّقت نتائج سياسية مهمة لنا كفلسطينيين. فقبل شهر كنا في غياهب الجب أما اليوم فبانكي مون قام بزيارة لتهدئة الاوضاع، وجون كيري يحاول القيام بوساطة، وغيره، وبالتالي هذه الاحداث اعادتنا للسطح بشكل ايجابي. وخلال الايام الماضية روّج البعض بأن الرئيس ابو مازن وحركة "فتح" يريدان الارتداد للخلف وايقاف الحراك الدائر في الشارع الفلسطيني وهذا امر غير صحيح على الاطلاق، بل نحن لدينا هم دائماً كيف نكرّس السيطرة على الشارع لنيل نتائج ايجابية بأهداف واضحة، ومن اولى اولوياتنا في هذه المرحلة ترتيب فعالياتنا. فنحن لا نريد خسائر كبيرة لذلك علينا الاستفادة من التجارب السابقة مثل الانتفاضة الاولى والهبات الجماهيرية الاخرى التي كانت تتم ضد الاحتلال لذا ينبغي ألا نبقى في كل مرة نحشد طلاب المدارس والجامعات ونأخذهم لمناطق التماس مع الاحتلال ونرجع بالاصابات والشهداء دون ايقاع الاذى بالاحتلال، بل يجب ان يكون لدينا مقياس يأخذ بعين الاعتبار حجم الجدوى التي سنجنيها كفلسطينيين، فإذا كانت خسائرنا اكبر من خسائر العدو لا بد ان نعيد النظر بطريقة المواجهة وايجاد طريقة اخرى تخفّف الاضرار والخسائر لأن أبناء شعبنا هم الأهم بالنسبة لنا.
وقد عقدنا اجتماعات عديدة مع القوى والفصائل الفلسطينية واتفقنا على برنامج ونحن وضعنا معالمه وهو ان لا مانع من مسيرات جماهيرية لتشكل شكلاً من اشكال الحراك السياسي الهادف للاحتجاج على السياسة الاحتلالية الاسرائيلية والسياسة الامريكية، ولكن هذا الشكل من الاحتجاجات لا يكون في كل يوم ولا على نفس الموقع وخاصة المواقع التي تُسبّب خسائر كبيرة، لذلك وضعنا برنامجاً لاختصار الحراك الجماهيري الواسع الى يومين بالاسبوع نذهب فيهما مثلاً الى عوفر والى مدخل البيرة الشمالي ونعتصم امام الامم المتحدة وباقي ايام الاسبوع علينا ان نبدع وذلك من خلال مواءمة نشاطاتنا مع نشاطات المقاومة الشعبية وايجاد افكار مُبتكرة هدفها تحويل حياة المستوطن سارق الارض إلى جحيم وجعله في قلق دائم.

كيف تقيّمون تعاطي الإعلام مع هذه الهبة؟
لميدان الإعلام أهمية كبرى في كل معارك العصر، ومن اراد ان يعرف اهمية هذا السلاح فلينظر الى ما صنع الاعلام من تغيير في العديد من المواقع، ولكن في الوقت ذاته علينا ان نكون حذرين في استخدام الاعلام، وهناك ملاحظات كثيرة على طريقة تعاطي الاعلام مع الهبّة، وعلينا ان نصحح الوقائع فلدينا العديد من القضايا الاعلامية الخاطئة ومنها ما جهد فيه الاعلام للترويج بأننا شعب البطولات، ونحن لا ننفي ذلك ولكنني اريد ان اسلّط الضوء على ما تعنيه البطولة، فالصمود في ارضي بطولة، والصبر على الظلم بطولة، والصمود ضد اجراءات الاحتلال بطولة، وليس ادعاء ما هو غير موجود أو تبني رواية الاحتلال او ما يضرني في نظر الدول في العالم مثل ما يتم الترويج له بموضوع السكاكين والطعن، فالدفاع عن النفس من اعتداءات المستوطنين بالسكين بطولة لكن ليس كل ما حدث من عمليات طعن مزعومة صحيح، فهناك جرائم تُرتَكب ضد ابنائنا والمواطن الفلسطيني يُقتَل بدم بارد وبدون ذنب ثمّ يُعدُّ مسرح الجريمة بأداته الرئيسة "السكين" من اجل تلفيق التهم لأبنائنا وتبرير قتلهِم، شهداؤنا ابطال نعم ولكن علينا تصحيح بعض القضايا المتعلقة بالاعلام.
اما بالنسبة للإعلام الالكتروني فعلينا تفعيل ايصال رسالتنا الاعلامية بشكل جيد وايجاد قنوات اتصال وغرف تحكم يجري من خلالها تعريف العالم بما يحدث في فلسطين.


هل نحن مهيّؤون لانتفاضة جديدة؟
هناك معارك تكون بعيدة عن الحسابات لكنك تضطر لخوضها ولا خيار لك في ذلك لأنها تُفرَض عليك وهذا ما فعله الاحتلال من خلال حرق الاطفال والبدء بتقسيم الاقصى والتمادي بالاستيطان، لذا وإن كنا غير مهيّئين فإننا مجبرون على الدفاع عن أنفسنا ولا يوجد خيار الا مقاومة الاحتلال.
ونحن بالتأكيد فخورون بشكل كبير للغاية بأبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان الذين يقفون بأجسادهم العارية في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه وأسلحته ودباباته في كل ارجاء الوطن وتحديداً في القدس وفي محيط المسجد الاقصى وبالمرابطين في المسجد الاقصى، وبهذا الحراك الذي سيستمر بكل فئات الشعب الفلسطيني من اجل ان يؤدي الى الحرية المنشودة.