بقـلم/ هيفاء داوود الاطرش

لطالما ناضل الشعب الفلسطيني عبر تاريخه الطويل ،وقدم الغالي والنفيس في سبيل تحقيق الاستقلال ،ومن أجل أن يكون له دولة حقيقية تعبر عن طموحاته ، وتمثل كل أطيافه التي استطاعت أن تحافظ على السلم الأهلي والتعايش بغض النظر عن السنوات الأخيرة التي حصل فيها الانقسام الفلسطيني .

ولقد تم بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية تمهيداً لإعلان الدولة الفلسطينية ، والتي جرَّت اعتراف الأمم المتحدة وإعلانها رسمياً أن السلطة الوطنية الفلسطينية أصبحت جاهزة لإعلان الدولة ،حيث كان هذا أول وأهم نتاج بعد الانتهاء من تجهيز البنية التحتية للدولة القادمة.

وفي ظل وجود عدو للفلسطينيين لا يـُستهان به ،وكذلك حلفاء أقوياء لإسرائيل ،لايجيدون إلا لغة المصالح ،وبالمقابل ضعف الطرف الفلسطيني وضعف حليفه الافتراضي العربي والإسلامي، كان لزاماً على الفلسطينيين أن يواصلوا نضالهم بكافة الأشكال - رغم تمسكهم بالبعد العربي والاسلامي-وأهمها العنف السلمي أو المقاومة الشعبية بكل أشكالها بدءاً من مواجهة الجندي الاسرائيلي عند مكان مرور جدار التوسع الاستيطاني والعنصري، حتى بناء الإنسان الفلسطيني والمؤسسات.

ولقد استطاعت المقاومة الشعبية الفلسطينية أن تطرق أسماع المجتمع الدولي، عبرمشاركة ناشطي السلام الأجانب في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، والنتيجة كانت ضمن اعتراف سياسيين أوروبيين، حيث أدركوا كذب وافتراء الدعاية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني التي كانت تصفه بالعدوانية وحب القتل واحترافه؛بعدما لمسوا حقيقة الفلسطينيين، التي نقلها الناشطون الأجانب والذين لمسوا درجة الطيبة والإنسانية في الشخصية الفلسطينية وبدا ذلك في تصريحاتهم الصحفية التي بلغت حد الاستغراب؛ ويجدر الذكر أن النداء الفلسطيني وصل إلى قاعات البرلمانات الأوروبية والغربية، عبر أولئك الناشطين .ويعد هذا انتصارا ً عظيما ً أمام الآلة الإعلامية للوبي الصهيوني.

أيضاً تجسدت المقاومة الشعبية في فضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي واستجرار اعتراف دول العالم بضرورة إزالة المستوطنات الإسرائيلية الرابضة في الأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال إقامة المؤتمرات الدولية في أراضي السلطة الفلسطينية ، على سبيل المثال (مؤتمر الآثار والمخاطر على الأراضي الزراعية الفلسطينية)، تلك الأراضي التي تتعرض لمياه المجارير ومخلفات الإنسان الناتجة عن المستوطنات، حيث استطاعت السلطة الفلسطينية توثيق إجراءات الاحتلال التعسفية عن طريق منظمات حقوق الإنسان ،وكانت النتيجة المرجوة وهي إعلان الدول التي حضرت المؤتمروتأكيدها على ضرورة إزالة المستوطنات الإسرائيلية التي تؤذي مخلفاتها الأراضي الزراعية الفلسطينية المطلة عليها. كذلك لا بد من ذكر مؤتمرات جامعة البوليتكنيك الذي كشف عن العبقرية الفلسطينية والمخترعين الفلسطينيين ،وتأتي أهمية ذلك في الإعلان عن مدى التقدم العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه الشعب الفلسطيني، وهذا ما دفع الدول المشاركة في المؤتمر إلى دعم الفلسطينيين، والإعلان أنهم شعب يستحق أن تكون له دولة حقيقية كباقي الشعوب. وقس على ذلك عشرات المؤتمرات التي نجحت السلطة الفلسطينية بإقامتها وقطف الثمار السياسية الهامة كخطوات لتعبيد الطريق نحو تحقيق الدولة الفلسطينية.

أما بناء مؤسسات البنية التحتية ومنها المطارات والميناء البحري وغيرها من الرموز السيادية للدولة القادمة، فإنها الخطوة الأهم، والتي تعد وثيقة العبور الحقيقية إلى فرض الأمر الواقع أمام المجتمع الدولي ، والذي لن يكون أمامه إلا الختم بالعشرة بأن الشعب الفلسطيني قد قدم ما هو مطلوبٌ منه ، والكرة ستكون حينها في الملعب الآخر ليرضخ أمام القدر الفلسطيني الجديد.

وتحلـَّقت عدة آراء فلسطينية حول هذه القضية ،أحدها يقول بعدم فائدة هذه الخطوة بسبب امتلاك الاحتلال الاسرائيلي القدرة التدميرية الفعلية والحقيقية لتلك البنية ولقيام الدولة، وذلك باستمرار بناء وتوطيد الاستيطان وجدار التوسع العنصري والحملات

العسكرية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني ،والرفض الاسرائيلي لكل الحلول المقدمة من الطرف الفلسطيني. وآخر يقول بعدم قدرة الفلسطينيين على بناء اقتصاد قوي ومتين يرتقي بالسلطة الفلسطينية  إلى دولة في ظل اقتصاد عالمي متهاوي، ودعم دولي مشروط للفلسطينيين ،حيث لا ضمانة حقيقية في وقف التصعيد الاسرائيلي ضد كل مناحي الحياة الفلسطينية، ولا تأكيد في رغبة المانحين بالدعم الحقيقي لحكومة السلطة الوطنية الفلسطينية التي أخذت على عاتقها تجهيز البنية التحتية للدولة المقبلة.

والرأي الثالث يعرض أهمية العودة إلى المصالحة الفلسطينية من أجل تحقيق المصلحة الوطنية العليا، وبالتالي سيؤمن تحقيق البناء الاقتصادي في الضفة والقطاع معا ً، إعادة طرفي الانقسام إلى الخارطة السياسية والجغرافية الواحدة.

وأما الرأي العام الفلسطيني فإنه يطرح قضية مصير الدولة أنه قيد الاعتقال االأمريكي الذي يدعم حليفه الإسرائيلي، حيث يؤكد الأول على ضمان كفاءة القدرة العسكرية للثاني ؛هذا الحليف الأمريكي الذي يشترط اقتران أي اتفاقية مع الفلسطينيين باحترام الهوية اليهودية لدولة إسرائيل، وبحدود آمنة ومحصنة، والقدس غير قابلة للتقسيم وهي عاصمة إسرائيل الابدية. حتى الاتحاد الاوروبي والرباعية الدولية فإن قرارهما مرهون بالامريكان وبالتالي فالضمانات غير متوفرة على الإطلاق بشأن حماية البنية التحتية للدولة الفلسطينية الموعودة.

لذلك كان لابد من خطوة التوجه للأمم المتحدة من أجل الاستحصال على إعلان فلسطين دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة؛ وأنجزت منظمة التحرير الفلسطينية تلك الخطوة التي سجلت نجاحا ً دبلوماسيا باهراً، لدرجة اتهام إسرائيل للرئيس الفلسطيني محمود عباس بممارسة الإرهاب الدبلوماسي، ردا ًعلى كل الخطوات التي مثـَّل بها الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية. وكذلك نلحظ في الآونة الاخيرة نشاط إسرائيل الدبلوماسي الذي التقطت فكرته من نشاط  منظمة التحرير الفلسطينية الدولي في السنوات الاخيرة، وكذلك إثبات أنها دولة تهدف للرفاه الإنساني - رغم عنصريتها وجرائمها - عبر تثبيت بعض الاختراعات العلمية التي تخدم الانسانية والترويج لها، رداً على كل الخطوات الفلسطينية ولتفويت كل الفرص على الطرف الفلسطيني.

ومثلما تم تجهيز كل مقومات الدولة الفلسطينية فإن على المجتمع الدولي أن لا يبقى سلبيا ً تجاه كل هذه الانجازات وغير منصف، وعليه دعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث أن لا حل بديل بعد ذلك  عن اعتراف العالم ودعمه للشعب الفلسطيني، وإلا ستكون الطامة الكبرى عليهم، والتي ستعيد الفلسطينيين إلى خياراتهم التي احتفظوا بها في حال انسداد الأفق لكل الحلول الممكنة، وإن الثورة لا تزال تحت الرماد التي أبت أن تـُخمـَد حتى تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة. لذلك على المجتمع الدولي أن يعي أن لا رجوع للخلف، وكرة الثلج المتدحرجة ستأخذ أمامها كل ما أعاق الحلول المطروحة السابقة .