أشارت العديد من التقارير الإعلامية وتصريحات المراقبين إلى احتقان في الضفة الغربية لسوء الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، متوقعةً حصول انفجار بوجه السلطة الفلسطينية إذا لم تتدارك الوضع. وعلى الصعيد الاجتماعي ازدادت نسبة المشاجرات العائلية، مما جعل البعض يقول بأن الوضع الأمني الفلسطيني بات على شفا الهاوية. وللاطلاع على مجريات الأمور ومعرفة تفاصيل الموقف الأمني والأوضاع الأمنية في الضفة الغربية كانت لنا مقابلة مع الناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية الفلسطينية اللواء عدنان الضميري.

كيف تقرؤون ازدياد عدد المشاجرات العائلية في الفترة الأخيرة ولا سيما في شهر رمضان إذ وصل عدد ضحاياها إلى 5 قتلى؟
مجتمعنا مجتمعٌ عائلي وللأسف الشديد الثقافة السائدة في البلد هي ثقافة عصبوية عائلية، وبالتالي دورنا في الأمن هو أن نضبط ونقبض على كل من يشارك في زعزعة الأمن. في شهر رمضان المبارك للأسف الشديد ترتفع نسبة المشاجرات وبعض الأطباء والأخصائيين يرجعون ذلك إلى نقص نسبة السكر في الدم والبعض يرجعها للظروف الحالية، لكن الشرطة قامت بدورها، وضبطَت 66 مشتركًا في هذه المشاجرات وقدّمتهم للعدالة. فالشرطة لا تستطيع أن تضع أمام كل بيت شرطيّاً للوقاية من المشاجرات، لكن مسؤولية الأمن الاجتماعي مسؤوليةٌ اجتماعية معنيّةٌ بها فئات المجتمع كافةً من أمنية وحكومية وأهلية ورجال خير وإعلام ومثقّفين وكُتّاب، وهي أيضًا ترجع للتنشئة، وهنا أقول إن المشاجرات ليست حالة أمنية بل هي حالة اجتماعية، وهي لا تشكّل تهديدًا على وجود الدولة بل على الحالة الاجتماعية في الدولة. وفي أكثر من مناسبة تساءلتُ عن دور الأحزاب السياسية وفصائل العمل الوطني في الموضوع مثل "فتح" و"حماس" وباقي التنظيمات فهي تنظّم مجتمِعةً ما يقارب 60 احتفالاً سنويًا.. ألا يستطيعون تنظيم جلسة واحدة للمواطنين للحديث عن المواطنة والتنشئة والثقافة الاجتماعية والتوجيه ونشاطات اجتماعية عن السِّلم الأهلي والالتزام بالقانون؟!  ألا يستحق المواطنون ذلك؟ باعتقادي نحن بحاجة لمختصين في علم الاجتماع والنفس لدراسة هذه الحالة والخروج بنتائج نستطيع البناء عليها والحد من هذه الظاهرة.


كيف ترُدون على رؤية البعض بأن حل المشاجرات العائلية أنجح عن طريق العشائر ولجان الإصلاح عوضًا عن القانون؟
الدور العشائري مكمِّل ويهدّئ النفوس ويخفّف من تطورات غير محمودة بعد المشاجرات، ويساهم في العطوات (الهُدَن) بين الأطراف المتخاصمة، لكن في النهاية أطراف المشاجرة يذهبون للقضاء فهو صاحب كلمة الفصل في الموضوع.


ما الحل للحد من هذه المشاكل في ظل كون القانون الذي يعالج موضوع المشاجرات قانونًا قديمًا وفيه ضعف؟
لهذا دور العشائر مهم ومكمِّل للقانون. فلو جاء احدهم ودرس أسباب حدوث هذه المشاجرات لوجد أنها تافهة وليست مبرّراً لما يحدث من عنف، وباعتقادي القانون بحاجة لتحديث، وهي مسؤولية الجهات التشريعية وتنفيذُه مسؤولية الشرطة والأمن، والحُكُم فيه للقضاء. فالقانون المعمول به الآن يعطي إمكانيات بسيطة للحبس أو الغرامة أو التوقيف، ويعطي هذا الحكم للقاضي الذي ليس هو صاحب التشريع فيه. لذا نريد تفعيل المجلس التشريعي لإصدار قوانين رادعة تساعد المنظومة القضائية والتنفيذية، وباعتقادي أن الوقاية من الموضوع ليست بالعقوبة بل بالتوعية من العصبوية العائلية والتأثير في الرأي العام.


لماذا ألقَت الأجهزة الأمنية القبض على مجموعات تابعة لحماس في الفترة الماضية؟
أولاً علينا أن نوضح أن الأجهزة الأمنية لا تستهدف تنظيمًا دون غيره، بل هناك تنفيذ إجراءات قانونية متعلّقة بمخالفات قانونية. فالسياسة العامة في البلد تقوم على وجود قانون واحد وسلاح واحد ووطن واحد وأمن واحد، ومن يتعدّى هذه الخطوط هو مخالف للقانون. والسلاح غير المشروع هو مخالف للقانون بغض النظر عن انتماء حامليه لأي تنظيم سواء أكانوا من "فتح" أو من "حماس"، وهناك عناصر من "فتح" اعتُقِلوا لحيازتهم سلاحًا غير مشروع، فالأمن ليس جزءًا من الخصومة السياسية. ولكن حماس في إعلامها تدَّعي أن من اعتُقِل من عناصرها اعتُقِل على خلفية آرائه السياسية، ونحن نتحدّى أن يقدّموا لنا اسماً واحداً بناءً على ذلك، ونتحداهم أن يُثبِتوا حالة لم يذهب فيها المتهم للنيابة والقضاء المدني. فالأمن مقيّد من قِبَل القانون بما يخص الاعتقال، ولا يجوز حجز متهم لأكثر من 24 ساعة دون تقديمه للنيابة العامة، وبعد ذلك يحق للنيابة العامة احتجازه لـ48 ساعة لأغراض التحقيق، ثمّ يَمثُل المتهم أمام القاضي ليقرّر الأخير إذا كان سيُفرجَ عنه أم يمدد التوقيف. بالتأكيد نحن نعمل ضمن القانون، لكن حماس، ولأسبابها السياسية، تقوم بترويج غير شريف بأن المعتقَل اعتُقِل لأمر سياسي، مع العلم أننا في بعض الأحيان لا نفرج عن المعتقَل إذا كان هناك تهديد على حياته من قِبَل قوات الاحتلال للحفاظ على حياته، فحياة الإنسان أهم من إنفاذ القانون، ولدينا الآن 4 حالات يتواجدون في السجن بإرادتهم لحمايتهم من قوات الاحتلال. وهنا أذكرُ أنه قد حدثت معنا حادثة مشابهة حيث أن حماس ضغطت ليخرج اثنان من عناصرها أمضيَا فترة حُكمِهما ولكنهما كانا مطلوبَين لقوات الاحتلال، وتم الإفراج عنهما بعد توقيع الأهل والمحامي ورئيس المجلس التشريعي في تلك الفترة السيد عزيز الدويك بتحمُّلهم مسؤولية حياة المفرج عنهم لأن هناك تهديدات على حياتهم، وفي نفس اليوم مساءً قام الاحتلال بإعدام احدهما واعتقال الآخر.


كيف تردون على حماس بقولها إن الأجهزة الأمنية تُفشِل المصالحة باعتقالها لأفراد حماس بالضفة؟
لن أقارن بين ما تفعله جهة انقلابية في غزة وما تقوم به أجهزة السلطة في إطار القانون، لنترك الحكم للناس ليحكموا من يعطّل المصالحة، ومن يعطّل حكومة التوافق الوطني، ومن يحجز الوزراء في الفندق ويمنعهم من الوصول إلى مكاتبهم، ومن يمنع الناس من إبداء رأيهم في غزة. ونذكرُ حادثة الاعتداء على مجموعة من النساء خرجنَ للتعبير عن رأيهن في رفض الانقسام  فقامت حماس بقمعهن. إن ما نقوم به لمصلحة البلد وضمن القانون، فقد اقسمنا كرجال امن على إنفاذ القانون، غير أن حماس دائماً تقول بأن أفرادها معتقلون لدى الأمن الفلسطيني لكن هذا الاعتقال يكون قد تم بناء على أمر قضائي مهمةُ الأجهزة الأمنية تنفيذه، إلا أنهم، أي حماس، يستعملون كلمة الأمن الفلسطيني لتحريض الناس على الأمن الفلسطيني، وبالتالي هم يقومون بعملية تحريض ممنهجة ضد الأمن وسيادة الرئيس أبو مازن، وهذه مخالفة قانونية يُحاسَب عليها القانون. فخلايا حماس الـمُعتقَلة سُجِنت لأنها تعمل على زعزعة الأمن الداخلي الفلسطيني، وتعمل ضد السلم الأمني الفلسطيني واستهداف السلطة الوطنية الفلسطينية، ولدينا من الإفادات ما يكفي لإثبات ذلك، ونحن أخلاقياً لا نعلن عن أسماء المذنبين حتى يبتَّ القضاء في أمرهم، ولكنّ حماس قامت في إحدى الوقائع بنشر أسماء أشخاص قالت إنهم شبكة عمالة أمسكت بها. فهل قدّموهم لمحكمة؟!  كيف اثبتوا أنهم عملاء إذًا؟ّ هناك منهم من رجع لبيته وأُطلِق سراحه بعد أن اعترف وأُفرِج عنه.. كم من التحطيم والدمار الذي سببوه للأسر التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص؟ تستطيع أي منظمة حقوقية ومختصة بحقوق الإنسان دخول أي مركز تحقيق فلسطيني للتأكد من أن إجراءاتنا قانونية أم لا.


هل توافق على ما قيل على لسان عدد من المراقبين، ومنهم جهات إسرائيلية، حول كون المخيمات تتحضّر للانفجار بوجه السلطة لتقصيرها في تلبية احتياجاتهم؟
هناك فرق بين أُمنيات الإسرائيليين والواقع، فهم يتمنون أن ينفجر الشعب في وجه السلطة وان تتحوّل الأراضي الفلسطينية إلى الفوضى والسلاح كما كان الوضع أواخر الانتفاضة الثانية. وأُمنياتهم يعبّرون عنها بتقارير على وسائل إعلامهم، وأقول ان أفضل هدية لحكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو هي حصول حالة من الفوضى والفلتان في الأراضي الفلسطينية لأنه سيتنصل من أي التزام أمام العالم، ويقول انظروا للوضع فالجماعة متخاصمون ووضعهم غير مستقر! أنا ابن مخيم طولكرم ومن سكانه، ولا شكّ أن هناك إشكالات وتقصيرًا في بعض القضايا تجاه المخيمات لا سيما أن البدائل الموجودة أمام سكان المخيم اقل من الموجودة في الأرياف أو المدن، ولكن توجد أطر تنظيمية وشبابية ولجان خدمات لشؤون اللاجئين وهي تقوم بدورها، قد  تقصّر أحياناً وقد تفلح أحياناً، ولكنني لا اعتقد أن منبع الثورة الفلسطينية، وهي المخيمات، ومركز الثورة ومحطتها ستصبح عبئًا على الشعب الفلسطيني أو مفجِّرة للوضع ضد السلطة الفلسطينية، بل هي قد تنفجر بوجه إسرائيل، ولكن ليس بوجه السلطة، وللعلم نسبةٌ عالية جداً من قوات الأمن الفلسطيني هم من المخيمات.
ولكن بالتأكيد المخيمات بحاجة لحلول بنّاءة وسريعة لتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليها، وهناك إشكاليات بحاجة لحلول ولكن الحلول لا تقوم على أرضية الدم، فالسلطة تستطيع دخول المخيمات وحل بعض الإشكاليات الأمنية بقوة السلاح وهي قادرة على ذلك، ولكن نحن نرفض هذه الطريقة، فهم أبناؤنا وغضبهم مشروع أحياناً لأنه نتاج ما يعيشون من ظروف، ونحن بالتعاون مع كل شرائح المجتمع نحاول حل مشاكلهم، ونؤكّد انه لا تراجع عن القانون، فمن يخالفه يعاقَب ولكن بشكل فردي وليس جماعياً، وان كان هناك عدة أشخاص خارجون عن القانون في المخيم فهذا لا يعني أن أجرّم كل المخيم لأجلهم.


هل من السهل حدوث فلتان أمني في الضفة الغربية ضمن حالة سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة؟
لقد شهد  الشعب الفلسطيني تجربة في الفوضى والفلتان ما بين العامَين 2002 و2006، وكانت تجربة قاسية عانى منها كل أفراد الشعب الفلسطيني، واستطاعت قوى الأمن وحكمة القرار السياسي وسيادة الرئيس أن ينهوا هذه الظاهرة، ورأى أنها انتهت ولن تعود لأن الشعب الفلسطيني لا يقبلها، فهي نقطة سوداء في صفحة الشعب الفلسطيني البيضاء، والأمن الفلسطيني لن يسمح بحالة فلتان وفوضى لأن مصلحة الشعب الفلسطيني تقول أن لنا عدواً واحداً وهو الاحتلال، وهذا العدو نسير للخلاص منه، ولتصبح لنا دولة الحلول بين أفراد الشعب الفلسطيني وهي حلول ديمقراطية سلمية تنظر للهدف الأسمى وهو القدس والأقصى، ولن يتغيّر منحى الشعب من عداء مع الاحتلال إلى عداء فلسطيني فلسطيني.


كيف ترى علاقة رجل الأمن الفلسطيني بالمواطن الفلسطيني؟
العلاقة بين الأمن والناس في أي دولة في العالم فيها فجوة، والناس بطبعها تكره أجهزة الأمن لما يراه الناس بأن الأمن مقيّد، لكن على المستوى الفلسطيني أؤكّد بكل بفخر أن الأمن الفلسطيني هو الأمن العربي بل والعالمي الوحيد الذي يقيم معسكرات تعايش بين الناس وأفراد الأمن ليروا عن قرب مستوى الجهد ومستوى الحرص والعمل الذي يقوم به رجل الأمن لخدمة المواطن الفلسطيني، ومعسكرات التعايش وجهّت الدعوة لجميع الجهات (للإعلاميين والأطفال وطلاب الجامعات...)،  والباب مفتوح لأي شخص يحب أن يرى دور أجهزة الأمن عن قرب، ويتعايش معهم. ومن هنا فالعلاقة بين رجل الأمن الفلسطيني والمواطن علاقة محترمة طيبة تقوم على التعاون ومصلحة الوطن في الاستقلال، لكن هل يشوبها بعض الإشكالات.. نعم، فأحياناً يخطئ رجل الأمن وأحياناً يخطئ مواطن، لا الضابط معصوم عن الخطأ ولا المواطن معصوم عن الخطأ، أمّا إذا قام رجل أمن بانتهاك كرامة مواطن آو أساء إليه فإنه سيعاقَب، وهذا موجود في تقاريرنا السنوية بعدد الأخطاء المرتكَبة بحق الناس سواء أكانت أخطاءً انضباطية أو في علاقة رجل الأمن مع المواطنين، لأن هذه مسألة حسّاسة، ونحن لم نأتِ من القمر، نحن أبناء ياسر عرفات وأبو إياد وأبو جهاد ضباط الأمن الذين عانوا مما عانى منه الشعب الفلسطيني، فمنهم من اعتُقل أو أصيب أو تضرّر من الاحتلال، وعلينا ألا ننسى أن رجل الأمن جزء من المجتمع فبعد انتهاء دوامه يعود لمنطقته، وهو جزء من هذه البلد، وإذا حدث لها شي فسيتضرّر، وبرأيي  فإن هذه العلاقة الراقية بين رجل الأمن والمواطن ستتطوّر في المراحل القادمة.


هل تمارس السلطة الاعتقال السياسي؟
من يقول ان الاعتقالات التي تجري على خلفية تعبير على وسائل التواصل الاجتماعي فلينظر أنها ما زالت مفتوحة أمام الناس، والناس ما زالوا ينتقدون على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما يمدحون، ونحن بشكل عام لا نعتقل أحداً بناء على رأيه، لكن إذا كان هناك ضده قضية في التشهير والتجريح أو الذم بمواطن أو مسؤول فيحق للمتضرّر رفع شكوى وذلك يبيحه القانون. بالطبع لا ننكر وجود أخطاء تمّت بهذا الإطار، بأن اعتُقِل عدة أشخاص، ولكن تمت عملية معالجة هذا الموضوع، الا انه في حال كان هناك من يخطّط للمس بالأمن الداخلي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي فيجب أن يُعتقَل، وهذا ليس اعتقالاً على خلفية الرأي بل لارتكابه جريمة يُحاسِب عليها القانون والمس بالسلم الأهلي الفلسطيني والأمن. ونلحظ أن الانتقاد للسلطة على وسائل التواصل الاجتماعي موجود، ولكننا لم نقم باعتقال احد، ولم نراجع أحداً أيضاً مع أن بعض المشاركات فيها إساءة للقياديين الفلسطينيين، وفي بعض الأحيان لسيادة الرئيس، وأعيد التأكيد أنه لا يوجد لدينا اعتقال على خلفية الرأي السياسي، ولا توجد مادة في القانون الفلسطيني تجرّم الرأي السياسي، والمعتقلون يكون اعتقالهم لمسهم بالقانون لا غير ذلك.


حـوار: عدي غزاوي