خاص/ مجلة القدس- حوار: غادة اسعد

تضاربت الأنباء مؤخّراً حول صحة الأسير المضرِب عن الطعام محمد علّان، وما اتخذته المحكمة الإسرائيلية العليا بحقه من قرارات. وللاطلاع على الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ القرار المصيري بالإضراب عن الطعام والتضييقات الإسرائيلية التي تمارسها إسرائيل بحق الأسرى، كان لمجلة "القدس" لقاء خاص مع مديرة مؤسّسة الضمير في مدينة رام الله المحامية سحر فرنسيس.

 

ما هو الوضع الصحي الحالي للأسير علّان؟ وكيف تعاطت المحكمة العُليا الإسرائيلية مع ذلك؟

قرّرت المحكمة العُليا الإسرائيلية تعليق الاعتقال الإداري للأسير محمد علّان خلال فترة علاجه، بعد دخوله حالة غيبوبة، بينما لم تُقدَّم نتيجة الـMRI (التصوير بالرنين المغناطيسي) بشكلٍ نهائي للمحكمة، وفي قرار المحكمة لا يوجد تقرير طبي يقول بشكلٍ واضح إذا ما كان الضرر الطبي الذي تسبّب به الإضراب الذي نفّذه علّان ضرراً مستديماً أو يمكن معالجته، وبناءً عليه قرّرت المحكمة في اللحظة الراهنة تعليق تنفيذ أمر الاعتقال الإداري بحقه، والتعامل معه على أنه مريض عادي غير مُعتقَل، وسمحت لعائلته بزيارته في المستشفى، بناءً على المعايير الطبيّة، ولكن للأسف المحكمة بقرارها تؤكِد أنّ المواد السريّة في ملف علان هي مواد سريّة خطيرة تبرِّر استخدام الاعتقال الإداري بحقّه، وتختِم قرارها بجملة أنه في حال تبيّن أن الضرر هو ضرر طبي مستديم، يجب إلغاء أمر الاعتقال الإداري، بمعنى ترك فرصة وباب أنه إذا تحسّن وضعه فسيتم اعتقاله من جديد، ومن تجربتي كمحامية هذا أمر محتمَل الحدوث. كذلك فالإشكالية في قرار أمس أنّ المحكمة لم تتطرّق أبدًا إلى قضية استخدام الاعتقال الإداري بشكلٍ منافٍ لاتفاقيات جنيف الرابعة، ولم تُعطِ أي انتقاد أو ملاحظة سريّة على الاعتقال الإداري ولم تتحدث أبدًا عن إجراءات محاكمات عادلة.

إذاً انتِ لا ترين قرار المحكمة مُنصِفًا؟

على الإطلاق، بل هو قرار سيئ جدًا على مستوى إيجاد استراتيجية لمواجهة الاعتقال الإداري، وهنا تبرز الحاجة لموقفنا نحنُ كأفراد في ظل تمسك الدولة ومؤسساتها القانونية بالاعتقال الإداري غير الـمُنصِف، علمًا أنّ الهدف الرئيس لتحرك علاّن هو تحمُّل نضال جوهري، حمله عن شعبٍ كامل، ولهذا يجب إعادة التفكير والتقييم بصورة جادة في سياسة الاعتقالات الإدارية، ولا نستطيع أن ننسى أنّ المعتقلين الإداريين خاضوا إضراباً جماعياً في العام 2014، لمدة 63 يومًا، لكنه فشِل بسبب اختفاء ثلاثة مستوطنين، والسؤال الجوهري هو: أينَ مسؤوليتنا كشارع، كجمهور وكشعب فلسطيني في مساندة المعتقلين الإداريين فحاليًا هناك أكثر من 50 معتقلاً إدارياً مُقاطعين لإجراءات المحاكم منذ الأول من تموز 2015، ولا أرى تفاعلاً شعبيًا جديًا مؤثّراً.

أين دور المؤسسات؟

لا يجب تحميل العبء على المؤسسات فقط، فبعض المؤسسات تعمل بالمنظور المتوفِر لها وبالقدرات المتوفرة وبالرؤية الحقوقية، وفي النهاية مؤسسات حقوق الإنسان تقوم بتقديم الخدمات الحقوقية القانونية، لكنها لا تستطيع أن تكون بديلاً للأحزاب السياسية والقيادات. وأنا أحمّل أيضًا القيادة السياسية مسؤولية النضال الوطني للشعب الفلسطيني، الذي يقود إلى التحرّر، وقضيةُ الأسرى هي جزء من التحرُّر وإطلاق سراح الأسرى، وإنهاءُ ملف الاعتقال الإداري هو جزء من الخطة الاستراتيجيّة التي تفتقر لها السلطة الفلسطينية، وكافة الأحزاب السياسية المسؤولة عن هذا الوضع، وقضية علّان تعكس بشكلٍ صارخ هذه الأزمة، ولا يمكن أن نترك المعتقل الإداري يواجه السياسة بمفرده، فها هم المعتقلون الإداريون محبَطون ووصلوا إلى قناعة أنهم متروكون وحدهم، ولهذا يلجؤون إلى الخيارات الفردية، للإضراب الفردي عن الطعام!

لماذا اختار علاّن مسار الإضراب عن الطعام؟

الهدف من الإضرابات هو تسليط الضوء على قضية الاعتقال الإداري ومحمد علاّن كرّرها عشرات المرات، انّ إضرابه ضد سياسة الاعتقال الإداري، لضمان حياة حرة وكريمة، وليس رهن الاعتقال الإداري بِذُل، وهو واعٍ للجانب القانوني، كونه محامٍ.

من جهتي أحترِم هذه القدرة الجبّارة لعلاّن أن يدرك لأية مرحلة هو يخاطِر بحياته، ويُراهِن بحياته، فالكرامة هي أهم شيء ولا تساوي الحياة شيئاً بدون كرامة. هذه الجملة التي يجب ان نستخلصها من إضرابه، ومن هنا يجب أن نحاسب أنفسنا على دورنا القادم في مواجهة سياسة الاعتقال الإداري، ولا ننسى أنّ للمعتقلين وأهاليهم دوراً في تحريك الشارع.

ماذا عن سائر المعتقلين الإداريين؟

لا يستطيع كل معتقل إداري أن يتخِذ خطوة الإضراب، كما فعل علاّن، ولا نستطيع أن نطلُب من 400 معتقل إداري موجود حاليًا في الاعتقال لدى سلطات الاحتلال أن يكون علاّن، فهذا غير منطقي، وللأسف في التجربة السابقة في العام 1998، كان هناك أكثر من 50 معتقلًا إداريًا فلسطينيًا في فترة اوسلو، لكننا كشعبٍ فلسطيني ننسى، إذ لدينا ذاكرة قصيرة، فالمعتقلون كانوا من معارضي اتفاق أوسلو، لذا اعتقلتهم إسرائيل، وجزء منهم سُجِنوا لأكثر من خمس سنوات في الاعتقال الإداري، ولم يُطلَق سراح الأسرى سوى بعد حملة شعبية خاضها أهاليهم وجروا المؤسسات والشارع الفلسطيني إلى هذه الحملة وكان اسمها "الأبواب المفتوحة"، وكانت بالشراكة مع مؤسسات إسرائيلية وناشطين يساريين، بينما كان العمل أكثر داخل المجتمع الإسرائيلي ضد الاعتقال الإداري، لكن اليوم اختلف السياق، ولكنني أقصِد أنه يجب أن تأتي المبادرة من الدائرة الأولى، بمعنى الأسرى، وأهاليهم، ومحاميهم والمؤسسات التي تعمل مع الأسرى، لوضع خطة للمواجهة بفتح حملة شاملة مع استراتيجية قانونية واعلامية ودبلوماسية، ويجب أن نحدّد هل نريد استهداف المؤسسة الإسرائيلية الرسمية بشكلٍ يومي، أم الاتحاد الأوروبي، أم الأمم المتحدة؟ أم الدول الأعضاء لاتفاقيات جنيف الرابعة؟ هل سنرفع ملفات على مستوى دولي بشكلٍ يومي؟ هل سنحرّك الشارع بشكلٍ أسبوعي؟ يجب أن يكون هناك خطة.

هل تشعرون كمؤسسة بتحقيق انجازات؟

هناك انجازات فردية، بمنع هدم منزل هنا أو تحصيل حق لمعتقل أو لمنع سفر أو زيارة عائلة ممنوعة من الزيارات، أو لم شمل، وهناك انجازات مهمّة ولكن للأسف حتى في قضايا الجدار كان هناك انجازات عينية بمعنى قرية معينة قد نجحت باستعادة جزء من أراضيها المُصَادَرة من الجهة الثانية من الجدار ولكن هل نجحنا في إزالة الجدار؟ الجواب القاطع لا.

برأيك إلى أي مدى تمكّنت محكمة الجنايات الدولية من تحقيق تغيير؟

للأسف لم تنجح المحاكم الجنائية بعد أكثر من 10 سنوات في تحقيق إنجازات حقيقية لتأسيس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، والحصانة لمرتكبي مخالفات جرائم كبيرة، فبعض الدول ليست عضوًا في الأمم المتحدة، مثل الولايات المتحدة، بل وترفض اختصاص المحكمة وبالتالي فجميع الجرائم التي ارتكبتها امريكا في العراق والتي تُصنّف كجرائم حرب ضد الإنسانية، لم تستطع المحكمة مُحاسبة ومساءَلة المسؤولين عنها في أمريكا، وبالمقابل تمّ اعتقال عمر البشير رغم أنه ليس عضوًا في محكمة الجنايات الدولة، وقد نجح المعنيون بإيصال القضية إلى مجلس الأمن، وطُلِب من المحكمة مباشرة التحقيق مع مكتب المدعي العام وإصدار أمر اعتقال وفعلاً تم التحقيق في جرائم دارفور، وقُدِّمت لائحة اتهام بحق عمر البشير، لم تُنفّذ حتى الآن، وهذا يؤكّد وجود ثغرات في محكمة الجنايات الدولية، حيثُ تتحكّم بالمعايير السياسية على المصالح الدولية.

ماذا عن موقف الأطباء الإسرائيليين؟

المطلوب من كل طبيب أقسم القسَم الطبي احترام المبادئ والمعايير الأخلاقية لمهنة الطب والإنسانية، وكلنا نعرف ان معايير منظمة الطب العالمية تعدُّ العلاج القسري أو الإطعام القسري كجزء من العلاج بعدم رغبة الإنسان نفسه شيئاً يمس بكرامة الإنسان وبقراره على جسده كونه صاحب القرار الوحيد للتصرف، إلا في بعض الحالات التي تنطبق عليها معايير الطوارئ، وكنتُ أتوقع أن يرفض الأطباء الإسرائيليون الاطعام القسري، لكن نقابة الأطباء الإسرائيليين اتخذت هذا القرار لعدة أسباب أبرزها الخوف من حملة المقاطعة العالمية، والضغط الذي قد يتعرّض له الأطباء من قِبَل منظمة النقابات العالمية.

ما هي الرسالة الأخيرة التي توجّهينها؟

نحنُ بحاجة إلى رؤية أعمق وأشمل حول ماهيّة الاستراتيجيات القانونية التي يجب أن نتخذها، سواء أكان لجهة التوجّه للمحاكم الدولية أم المحاكم العسكريّة وماهية القضايا الواجب عرضها على المحاكم الدولية.

باختصار هي مرحلة صعبة للغاية، وهناك الحسابات السياسية الإقليمية التي نتأثر ونؤثِر فيها، ولا يمكن تجاهلها. ولا يوجد تركيز على القضية الفلسطينية، وكأنها شبه معدومة، كما اختفت كلٌ من سوريا ومصر من الشأن الفلسطيني، فكيف نستطيع فرض وجودنا على المستوى الدولي بشكلٍ قوي دون بُعد عربي وعمق ومساندة دولية؟! ولكن من الناحية الثانية بيدنا أداة مهمة جدًا هي حركة المقاطعة التي لا يمكن حصرها والسيطرة عليها من قِبل أحد، وهي ليست حملة فلسطينية الآن، إنها حملة دولية، يقوم بها ناشطون متضامنون من جميع أنحاء العالم، كلُّ شخص حسب قدراته واحتياجاته وحسب ما يُتيح له المحيط، وقد تكون حملة المقاطعة هي الجزء الأكبر من المواجهة وهي جزء رئيس للاستراتيجية الوطنية. صحيح أنها لن تحررنا أو تعيد حقوقنا كاملاً، لكنها قادرة على التغيير محليًا وعالميًا أيضًا.

حوار: غادة اسعد

 

 

 

تضاربت الأنباء مؤخّراً حول صحة الأسير المضرِب عن الطعام محمد علّان، وما اتخذته المحكمة الإسرائيلية العليا بحقه من قرارات. وللاطلاع على الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ القرار المصيري بالإضراب عن الطعام والتضييقات الإسرائيلية التي تمارسها إسرائيل بحق الأسرى، كان لمجلة "القدس" لقاء خاص مع مديرة مؤسّسة الضمير في مدينة رام الله المحامية سحر فرنسيس.

 

ما هو الوضع الصحي الحالي للأسير علّان؟ وكيف تعاطت المحكمة العُليا الإسرائيلية مع ذلك؟

قرّرت المحكمة العُليا الإسرائيلية تعليق الاعتقال الإداري للأسير محمد علّان خلال فترة علاجه، بعد دخوله حالة غيبوبة، بينما لم تُقدَّم نتيجة الـMRI (التصوير بالرنين المغناطيسي) بشكلٍ نهائي للمحكمة، وفي قرار المحكمة لا يوجد تقرير طبي يقول بشكلٍ واضح إذا ما كان الضرر الطبي الذي تسبّب به الإضراب الذي نفّذه علّان ضرراً مستديماً أو يمكن معالجته، وبناءً عليه قرّرت المحكمة في اللحظة الراهنة تعليق تنفيذ أمر الاعتقال الإداري بحقه، والتعامل معه على أنه مريض عادي غير مُعتقَل، وسمحت لعائلته بزيارته في المستشفى، بناءً على المعايير الطبيّة، ولكن للأسف المحكمة بقرارها تؤكِد أنّ المواد السريّة في ملف علان هي مواد سريّة خطيرة تبرِّر استخدام الاعتقال الإداري بحقّه، وتختِم قرارها بجملة أنه في حال تبيّن أن الضرر هو ضرر طبي مستديم، يجب إلغاء أمر الاعتقال الإداري، بمعنى ترك فرصة وباب أنه إذا تحسّن وضعه فسيتم اعتقاله من جديد، ومن تجربتي كمحامية هذا أمر محتمَل الحدوث. كذلك فالإشكالية في قرار أمس أنّ المحكمة لم تتطرّق أبدًا إلى قضية استخدام الاعتقال الإداري بشكلٍ منافٍ لاتفاقيات جنيف الرابعة، ولم تُعطِ أي انتقاد أو ملاحظة سريّة على الاعتقال الإداري ولم تتحدث أبدًا عن إجراءات محاكمات عادلة.

إذاً انتِ لا ترين قرار المحكمة مُنصِفًا؟

على الإطلاق، بل هو قرار سيئ جدًا على مستوى إيجاد استراتيجية لمواجهة الاعتقال الإداري، وهنا تبرز الحاجة لموقفنا نحنُ كأفراد في ظل تمسك الدولة ومؤسساتها القانونية بالاعتقال الإداري غير الـمُنصِف، علمًا أنّ الهدف الرئيس لتحرك علاّن هو تحمُّل نضال جوهري، حمله عن شعبٍ كامل، ولهذا يجب إعادة التفكير والتقييم بصورة جادة في سياسة الاعتقالات الإدارية، ولا نستطيع أن ننسى أنّ المعتقلين الإداريين خاضوا إضراباً جماعياً في العام 2014، لمدة 63 يومًا، لكنه فشِل بسبب اختفاء ثلاثة مستوطنين، والسؤال الجوهري هو: أينَ مسؤوليتنا كشارع، كجمهور وكشعب فلسطيني في مساندة المعتقلين الإداريين فحاليًا هناك أكثر من 50 معتقلاً إدارياً مُقاطعين لإجراءات المحاكم منذ الأول من تموز 2015، ولا أرى تفاعلاً شعبيًا جديًا مؤثّراً.

أين دور المؤسسات؟

لا يجب تحميل العبء على المؤسسات فقط، فبعض المؤسسات تعمل بالمنظور المتوفِر لها وبالقدرات المتوفرة وبالرؤية الحقوقية، وفي النهاية مؤسسات حقوق الإنسان تقوم بتقديم الخدمات الحقوقية القانونية، لكنها لا تستطيع أن تكون بديلاً للأحزاب السياسية والقيادات. وأنا أحمّل أيضًا القيادة السياسية مسؤولية النضال الوطني للشعب الفلسطيني، الذي يقود إلى التحرّر، وقضيةُ الأسرى هي جزء من التحرُّر وإطلاق سراح الأسرى، وإنهاءُ ملف الاعتقال الإداري هو جزء من الخطة الاستراتيجيّة التي تفتقر لها السلطة الفلسطينية، وكافة الأحزاب السياسية المسؤولة عن هذا الوضع، وقضية علّان تعكس بشكلٍ صارخ هذه الأزمة، ولا يمكن أن نترك المعتقل الإداري يواجه السياسة بمفرده، فها هم المعتقلون الإداريون محبَطون ووصلوا إلى قناعة أنهم متروكون وحدهم، ولهذا يلجؤون إلى الخيارات الفردية، للإضراب الفردي عن الطعام!

لماذا اختار علاّن مسار الإضراب عن الطعام؟

الهدف من الإضرابات هو تسليط الضوء على قضية الاعتقال الإداري ومحمد علاّن كرّرها عشرات المرات، انّ إضرابه ضد سياسة الاعتقال الإداري، لضمان حياة حرة وكريمة، وليس رهن الاعتقال الإداري بِذُل، وهو واعٍ للجانب القانوني، كونه محامٍ.

من جهتي أحترِم هذه القدرة الجبّارة لعلاّن أن يدرك لأية مرحلة هو يخاطِر بحياته، ويُراهِن بحياته، فالكرامة هي أهم شيء ولا تساوي الحياة شيئاً بدون كرامة. هذه الجملة التي يجب ان نستخلصها من إضرابه، ومن هنا يجب أن نحاسب أنفسنا على دورنا القادم في مواجهة سياسة الاعتقال الإداري، ولا ننسى أنّ للمعتقلين وأهاليهم دوراً في تحريك الشارع.

ماذا عن سائر المعتقلين الإداريين؟

لا يستطيع كل معتقل إداري أن يتخِذ خطوة الإضراب، كما فعل علاّن، ولا نستطيع أن نطلُب من 400 معتقل إداري موجود حاليًا في الاعتقال لدى سلطات الاحتلال أن يكون علاّن، فهذا غير منطقي، وللأسف في التجربة السابقة في العام 1998، كان هناك أكثر من 50 معتقلًا إداريًا فلسطينيًا في فترة اوسلو، لكننا كشعبٍ فلسطيني ننسى، إذ لدينا ذاكرة قصيرة، فالمعتقلون كانوا من معارضي اتفاق أوسلو، لذا اعتقلتهم إسرائيل، وجزء منهم سُجِنوا لأكثر من خمس سنوات في الاعتقال الإداري، ولم يُطلَق سراح الأسرى سوى بعد حملة شعبية خاضها أهاليهم وجروا المؤسسات والشارع الفلسطيني إلى هذه الحملة وكان اسمها "الأبواب المفتوحة"، وكانت بالشراكة مع مؤسسات إسرائيلية وناشطين يساريين، بينما كان العمل أكثر داخل المجتمع الإسرائيلي ضد الاعتقال الإداري، لكن اليوم اختلف السياق، ولكنني أقصِد أنه يجب أن تأتي المبادرة من الدائرة الأولى، بمعنى الأسرى، وأهاليهم، ومحاميهم والمؤسسات التي تعمل مع الأسرى، لوضع خطة للمواجهة بفتح حملة شاملة مع استراتيجية قانونية واعلامية ودبلوماسية، ويجب أن نحدّد هل نريد استهداف المؤسسة الإسرائيلية الرسمية بشكلٍ يومي، أم الاتحاد الأوروبي، أم الأمم المتحدة؟ أم الدول الأعضاء لاتفاقيات جنيف الرابعة؟ هل سنرفع ملفات على مستوى دولي بشكلٍ يومي؟ هل سنحرّك الشارع بشكلٍ أسبوعي؟ يجب أن يكون هناك خطة.

هل تشعرون كمؤسسة بتحقيق انجازات؟

هناك انجازات فردية، بمنع هدم منزل هنا أو تحصيل حق لمعتقل أو لمنع سفر أو زيارة عائلة ممنوعة من الزيارات، أو لم شمل، وهناك انجازات مهمّة ولكن للأسف حتى في قضايا الجدار كان هناك انجازات عينية بمعنى قرية معينة قد نجحت باستعادة جزء من أراضيها المُصَادَرة من الجهة الثانية من الجدار ولكن هل نجحنا في إزالة الجدار؟ الجواب القاطع لا.

برأيك إلى أي مدى تمكّنت محكمة الجنايات الدولية من تحقيق تغيير؟

للأسف لم تنجح المحاكم الجنائية بعد أكثر من 10 سنوات في تحقيق إنجازات حقيقية لتأسيس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، والحصانة لمرتكبي مخالفات جرائم كبيرة، فبعض الدول ليست عضوًا في الأمم المتحدة، مثل الولايات المتحدة، بل وترفض اختصاص المحكمة وبالتالي فجميع الجرائم التي ارتكبتها امريكا في العراق والتي تُصنّف كجرائم حرب ضد الإنسانية، لم تستطع المحكمة مُحاسبة ومساءَلة المسؤولين عنها في أمريكا، وبالمقابل تمّ اعتقال عمر البشير رغم أنه ليس عضوًا في محكمة الجنايات الدولة، وقد نجح المعنيون بإيصال القضية إلى مجلس الأمن، وطُلِب من المحكمة مباشرة التحقيق مع مكتب المدعي العام وإصدار أمر اعتقال وفعلاً تم التحقيق في جرائم دارفور، وقُدِّمت لائحة اتهام بحق عمر البشير، لم تُنفّذ حتى الآن، وهذا يؤكّد وجود ثغرات في محكمة الجنايات الدولية، حيثُ تتحكّم بالمعايير السياسية على المصالح الدولية.

ماذا عن موقف الأطباء الإسرائيليين؟

المطلوب من كل طبيب أقسم القسَم الطبي احترام المبادئ والمعايير الأخلاقية لمهنة الطب والإنسانية، وكلنا نعرف ان معايير منظمة الطب العالمية تعدُّ العلاج القسري أو الإطعام القسري كجزء من العلاج بعدم رغبة الإنسان نفسه شيئاً يمس بكرامة الإنسان وبقراره على جسده كونه صاحب القرار الوحيد للتصرف، إلا في بعض الحالات التي تنطبق عليها معايير الطوارئ، وكنتُ أتوقع أن يرفض الأطباء الإسرائيليون الاطعام القسري، لكن نقابة الأطباء الإسرائيليين اتخذت هذا القرار لعدة أسباب أبرزها الخوف من حملة المقاطعة العالمية، والضغط الذي قد يتعرّض له الأطباء من قِبَل منظمة النقابات العالمية.

ما هي الرسالة الأخيرة التي توجّهينها؟

نحنُ بحاجة إلى رؤية أعمق وأشمل حول ماهيّة الاستراتيجيات القانونية التي يجب أن نتخذها، سواء أكان لجهة التوجّه للمحاكم الدولية أم المحاكم العسكريّة وماهية القضايا الواجب عرضها على المحاكم الدولية.

باختصار هي مرحلة صعبة للغاية، وهناك الحسابات السياسية الإقليمية التي نتأثر ونؤثِر فيها، ولا يمكن تجاهلها. ولا يوجد تركيز على القضية الفلسطينية، وكأنها شبه معدومة، كما اختفت كلٌ من سوريا ومصر من الشأن الفلسطيني، فكيف نستطيع فرض وجودنا على المستوى الدولي بشكلٍ قوي دون بُعد عربي وعمق ومساندة دولية؟! ولكن من الناحية الثانية بيدنا أداة مهمة جدًا هي حركة المقاطعة التي لا يمكن حصرها والسيطرة عليها من قِبل أحد، وهي ليست حملة فلسطينية الآن، إنها حملة دولية، يقوم بها ناشطون متضامنون من جميع أنحاء العالم، كلُّ شخص حسب قدراته واحتياجاته وحسب ما يُتيح له المحيط، وقد تكون حملة المقاطعة هي الجزء الأكبر من المواجهة وهي جزء رئيس للاستراتيجية الوطنية. صحيح أنها لن تحررنا أو تعيد حقوقنا كاملاً، لكنها قادرة على التغيير محليًا وعالميًا أيضًا.