حوار/ غادة اسعد
صدر الأسبوع الماضي عن منشورات مؤسّسة الأفق للثقافة والفنون حيفا ديوان "قبلةٌ بكامل شهرزادها" للشاعر إياس يوسف ناصر، وهو المجموعة الشعرية الثانية بعد ديوانه "قمحٌ في كفّ أنثى" الذي صدر العام 2012 عن المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر بيروت، وعن مكتبة كلّ شيء حيفا.
وقدّم الشّاعر حنا أبو حنا تظهيًرا للديوان يشير فيه إلى أنّ الشاعر إياس ناصر نشأ في "حديقة الشعر، فهو ابن الشاعر يوسف ناصر" وفي ديوانه "يثور على تشويه معنى الحبّ، والشرف، ويستوحي انتصار شهرزاد حيث الحب هو الرحلة المشتركة عاطفةً وفكرًا، فأفلحتْ في إنقاذ شهريار من العمى المؤثّل في سوء فهم العلاقة فانتصرا".

ديوان "قبلةٌ بكامل شهرزادها" يشتمل على أكثر من أربعين قصيدة يتناول فيها الشاعر موضوعات مختلفة بين استذكار، وتأمّل، ونقد للواقع الأليم الذي تشهده المرأة العربيّة، وينطلق من الخلفية الفكرية التي اتخذتها شهرزاد في لقاء شهريار الذي كان من عادته انتهاك حرمة النساء دون رادع إلى أن جاءت شهرزاد بتفكيرها وحوارها وعرّفَتْه الأنثى-الكلمة، فأقلَع عن عادته وعَشِقَها. قصيدة "عيب" تُعبّر عن هذه الوجهة وعن التقليد الذي يحول دون حرية المرأة وتبيّن أن الاتصال الفكري الروحاني هو أساس العلاقة بين المرأة والرجل: "يأتيكَ بعدُ الفحلُ يطلبُ زوجةً/ ومن السهولةِ أن يقدّمَ مَهرَها/ وينامُ معها "شهريارٌ" ليلةً/ ومن الصباحِ يقومُ يطلبُ غيرَها/ فتناسلٌ وتكاثرٌ وتزاوجٌ/ والعقلُ أعزبُ لم يزاوجْ فكرَها". وتجدر الإشارة إلى أنّ الشاعر سيقوم بتوقيع ديوانه المذكور في أمسيات شعرية عديدة ستُقام في مختلف أنحاء البلاد، وستُعلن مواعيدها لاحقًا.
ويعمل الشاعر إياس ناصر، وهو من مواليد كفر سميع، في الجامعة العبرية محاضرًا للشعر العربيّ الكلاسيكيّ، وقد نال من الجامعة نفسها شهادة اللقب الأوّل واللقب الثاني في اللّغة العربية والأدب المقارن، وحصل على تسع جوائز لتفوّقه الأكاديميّ، من بينها جائزة رئيس الجامعة العبرية، وهو على وشك الحصول على لقب الدكتوراه في الشعر العربيّ القديم.


عنوان الديوان يختصر مضمونه
يوضح الشاعر إياس ناصر أن العمل على الديوان استغرقه عدة أشهر ومثلها ما بين التنقيح والتدقيق حتى صدر، ويُضيف "أذكر أنني زرتُ الاستاذ الشاعر السنديانة حنا أبو حنا في حيفا وقدمتُ له مسوّدة الديوان، فكان الثناء بعد البلاء بأن قدّم تظهيرًا رائعًا للديوان عبر عن وجهة الديوان لا سيما فكرة شهرزاد وشهريار".
وعن تسمية الديوان يقول: "من الصعب للإنسان أو الشاعر أن يكون شارحًا لمضامين أو لعنوان الديوان، ولكن إذا كانت القُبلة تعبّر عن البعد الجسدي أو عن الرغبة الانسانية الجسدية فإنّ شهرزاد تعبّر عن البُعد الروحاني، ومن يقرأ مقدمة كتاب ألف ليلة وليلة يجد أن شهريار كان يفتك بالنساء، وكان ينتهك أعراضهن، إلى أن اتته شهرزاد وعرفته إلى الأنثى الكلمة وأجرت بينها وبينه حوارًا ثقافيًا روحانيًا فأقلع عن عادته وعشقها وأحبَّ هذا الجانب الأنثوي فيها".


الحب قيمة عظمى
في سؤال حول نظرته إلى الحب كشاعر أجاب: "الحياة اختلفت وتعريف القيم والأعراف اختلف، ولكن يبقى الحُب هو القيمة العظمى للحياة الإنسانية، والحب بالنسبة لي كشاعر ليس عبارة عن جفنٍ كحيل أو شعر يتدفق كالأنهار، الحب أكبر من كل هذه الصفات، ولكن للأسف نجد من يعتبر نفسه وكيلاً لله على الأرض ويصنّف الفن وقصيدة الحب بناءً على قالب الحلال والحرام، وأظن أنني اكتب قصيدة الحب بتجريدها أو بمعناها المطلق الإنساني الحضاري والمتنوِّر".
ويضيف عارضاً للاختلاف الذي طرأ على مفاهيم الحب ما بين سنوات قديمة واليوم: "في ظل العصر الحديث والتطور والعلاقات السريعة لا يمكن أن تكون العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان ما يسمى باللغة المتعارفة ستاتوس بالفيسبوك، والعلاقات بالنسبة لي أصبحت عابرة، وأنا أظن أنّ العلاقة يجب أن تحمل معنىً أكبر من ذلك، هي علاقة تفكير وعلاقة مشاركة وروحانية، بين الأخ وأخيه، بين العاشق وعشيقته، بين الوالد وابنه، إلى جميع المستويات".


قدرة الشعر على التغيير المجتمعي
من أهم القضايا التي يتطرق لها الشاعر إياس ناصر هو موضوع المرأة وعلى وجهٍ أدق القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة، حيثُ يقول في قصيدة "حبق" التي تعالج هذه القضية:
حبقٌ يتشمّسُ/ في الشّرفهْ/ والضوءُ الأبيض ممدودًا،،، يتسرّبُ للغرفهْ/ والغرفةُ ملأى أوراقًا
ممّا في الصّحف اليوميّهْ،،، خبرٌ عن رجلٍ/ يقتلُ زوجتَهُ/ والشرطةُ تدرسُ،،، كلّ الخلفيهْ... الشّبهةُ أنّه سكرانٌ،،، ورماها في عمرِ صبيّهْ،،، والجارةُ/ قالتْ في ألمٍ: كانت أمًا طيّبةً ووفيّهْ،/ كانت تهتمُّ/ بطفليها،،، بحرارةٍ أرضٍ رمليّهْ،،، وتُكابدُ/ مِن أجلِ طعامِهما،،، بعضَ الأشغالِ اليدويّهْ،،، كي تسقي/ من تلك الغرفهْ / حبقًا يتشمّسُ،،، في الشرفهْ...
ويقول شارحاً رمزية القصيدة: "هذه القصيدة عالجتُ فيها مسألة القتل بذريعة شرف العائلة وهي ظاهرة يؤلمني جدًا انتشارها في مجتمعنا. فالأنثى هي رحم الحياة، هي فوق كل هذه الصفات الجسدية الشهوانية، وليست عبارة عن آنية بيتية توضع في البيت أو تُنقل بالسيارة، الأم هي المربية والمعلمة والأخت والصديقة والحبيبة هذا تفكير في رأيي يجب أن يسود في مجتمعنا العربي".
ويضيف موضحاً دور الشعر في ايصال هذه الرسالة: "لا شك أن العمل في هذا الجانب يقتضي العمل على جوانب مختلفة، ففي الجانب القانوني القضائيون يفعلون ما يشاؤون، وفي الجانب السياسي أظن أن السياسيين يستطيعون التوقيع على معاهدة أو اتفاق أو الصداح في البرلمان، ولكن كان الفن، وسيبقى له التأثير في المجتمع المحلي وفي التغيير الاجتماعي، فاليوم مَن يتنقل في الاتحاد الأوروبي يستطيع أن يخرُج من فرنسا إلى ألمانيا دون أن يمر بحاجز واحد، هذه الشعوب أفضت في النهاية إلى أن حمل القلم أو الشعلة الفنية أفضل من حمل البندقية، وفي النهاية البعد الفني والتغيير وتعريف الأمور يخرج من عالم الفن والمسرح والشعر والرواية والفنون والرسم، من الرسامين، والنحاتين والشعراء يخرج التغيير الفني، وبالنهاية إذا لم يتطلّع الإنسان إلى ثقافته وثقافة الآخر فلن يستطيع أن يخرُج من تقوقعه الذاتي ويفتح النافذة على الآخرين ويصبح إنسانًا متحضرًا ويستطيع أن يقدّر أن للمرأة مكانة كبرى، يجب احترامها ويجب الاهتمام بحفظ مكانتها في المجتمع العربي".


إياس في الديوان الأول ليس إياس في الديوان الثاني
يقول الشاعر إياس ناصر : "مَن يقرأ ديواني الأول "قمحٌ في كفّ أنثى" وديواني الجديد "قبلةٌ بكامل شهرزادها" يشعُر أنّ هناك تطوُّراً أو تدرُّجاً أو نضوجاً تفكيرياً، وأنا شخصيًا إذا وضعت نفسي بمعزل عن الكتابين أجد أن إياس في الديوان الأول مختلف عن إياس في الديوان الثاني".
ويضيف "لأنني دائم القراءة ولا أطّلع على الأدب العربي فقط، بل أيضًا على الأدب الغربي وهذه الحالة أو الديمومة في القراءة جعلتني اؤمن أن الحب هو الجامع الأكبر بين الإنسان وأخيه الإنسان ولا يمكن التنازل عن هذه القيمة الكبرى رغم المشاق والمصاعب الاجتماعية التي نواجهها".


عن علاقة الإنسان بالشعر
يجيب الشاعر في سؤال عن علاقة الإنسان بالشعر أن "جميع تركيبات الفنون والإبداع اختلفت في ظل العصر التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي وما إلى ذلك، وقد ضعُفت كل هذه العلاقة بهذه الفنون، ومن جهة أخرى هناك مواقع رائعة توفّر كثيرًا من المعلومات للقارئ أو للمطلِّع ولكن أظن في النهاية قبل عصر الحداثة والتطور وبعد هذا العصر المسألة هي مسألة فردية، تنشئة بيتية، أذكر أنني فتحتُ عيني وفي بيتي المكتبة كبيرة وزاخرة بالكتب الأدبية القديمة والحديثة. وهذا الأمر عامل مهم وأساسي في تنشئة الطفل، وبرأيي فالعامل الأساسي في القراءة هي التنشئة البيتية والوعي الذاتي للقراءة، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر الكتاب نفسه".
ويتابع "كانت لي قصائد مختلفة ربما تقدم وجهة او حالة نضوج اخرى أو تزيد عما في الكتاب مثل قصيدة "سورة الله" التي أقول فيها: وطني ليس ترابًا وحجر، وانتسابي لا لبكر أو مُضر ،كل ما في الأمر انني شاعرٌ، ريشتي قلبي وأوراقي البشر، هذه القصيدة لم تدخُل وأظن أنها ستدخل قصائد جديدة تعبر عن حالة نضوج جديد".
ويختم بالقول: " كشاعر أتوخى أن نكسر الحواجز بيننا وبين الآخر لأنني من خلال اطلاعي توخيت إلى الفكرة العظمى أن كبار الفلاسفة وكبار الأدباء والمفكرين وصلوا في النهاية إلى أن الانسان يجب أن يتمسك بأسباب الفضيلة دائمًا".