تقرير: معن الريماوي

ستبقى ذاكرة نزيهة البرغوثي، تعج بالتفاصيل المليئة بالمعاناة والتعب والحرمان، التي لن تنسى أبدًا في حياتها، لحظة اعتقال ابنها علي قبل 16 عاما، والحكم عليه بمؤبدين و40 عاما.

يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف غدًا الأربعاء، سيعيد نبش الذاكرة من جديد، كما كل عام، وسيعود بنزيهة وعائلتها الى العام الماضي الذي منعت فيه من رؤية ابنها، وهي تنتظره في القاعة، وذلك بسبب جندي لا يريد لها أن تراه، لأن مزاجه لا يسمح هذه المرة. كما سيعود بها أعواما مرت وهي تعاني أمام الحواجز العسكرية، والاجراءات التعسفية القاسية، وهو ما يزيدها ألما فوق مرضها.

لكن في المقابل، ورغم كل ذلك، بقيت نزيهة التي يقترب عمرها من الـ70، قوية، ولم تستلم أبدًا لتك السنوات الصعبة، ولم تضعفها الحواجز، ولا مزاج الجنود.

لم تغب عن زيارته يوما، رغم مرضها الذي يمنعها أحيانا من المشي لضيق نفسها نتيجة التهاب حاد في الصدر، تتنقل بين الحواجز، وتمر بإجراءات تعسفية قاسية. فهي تقول بأن الموت وحده من سيمنعها من الزيارة.

علي الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد بالإضافة الى 40 عاما، حاصل على شهادة الثانوية العامة، وهو متزوج ولديه ولد وحيد أسماه علاء تيمنًا بأخيه الذي استشهد في انتفاضة الأقصى.

تقول نزيهة: "منذ 16 عاما لم أتغيب يوما عن زيارته، رغم ما أعانيه من مرض، يضيق نفسي كلما تعبت، لكن علي هو الدواء لمرضي. انتظر الزيارة على أحر من الجمر. لا أتحمل أن تمر زيارة دون ما اذهب، رغم مرارة إجراءاتها".

"قبل كل زيارة، أجهز نفسي، وأتفقد أغراضي جيدا، حتى لا أنسى شيئا. أحيانا أذهب وحدي، وأحيانا برفقة ابنتي رهام. لا أستطيع النوم من شدة اشتياقي لرؤية علي، وأتمنى اليوم الذي أراه حرًا طليقًا" تضيف نزيهة.

"عدت أدراجي عشرات المرات ومنعت من زيارة علي، بعد انتظار في القاعة لساعات، متحملة كل التعب والشقاء، متشوقة للقاء".

وتابعت، "هو الذي لم يغب عن بالي، عشت مرارة الفقد مرتين، مرة عندما استشهد شقيقه علاء عام 2000، والمرة الثانية عندما اعتقل علي وحكم بالسجن المؤبد".

"تغيرت ملامح عمر منذ لحظة اعتقاله الى اليوم. بدت ملامح الكبر تظهر على وجهه، وغزا الشيب شعره. ونقص وزنه 20 كيلوغراما ليصل الى 55، كبر علي في السجن، بعيدا عن حضن أمه. حيث كان عمره عندما اعتقل 30 عاما، وحاليا 46"، تضيف نزيهة.

"علي روحي، كان عمود الدار، وهو من يتحمل المسؤولية، محبوب عند الجميع، وبين الفترة والأخرى يتردد أصدقاؤه لزيارتنا للسؤال عنه والاطمئنان عنه".

سمح لنزيهة برؤية علي، والوصول إليه دون زجاج، قبل أربعة أعوام. ركضت باتجاهه، عانقته للمرة الأولى، منذ 12 عاما لم يحدث ذلك، وتم أخذ صورة لهما، حيث تجلت فيها أسمى معاني الحب والفرح، الذي حاول الاحتلال حرمانهما منه طيلة هذه المدة.

وضعت نزيهة الصورة على صدر بيتها، تتأملها كل صباح، وتحدث الناس عنها. صورة تنسيها كل التعب الذي لحق بها جراء التنقل بين الحواجز، والمرور بالإجراءات التعسفية القاسية، مخبئة المرض خلفها، لرؤية فلذة كبدها، فحلاوة اللقاء تنسي مرارة العذاب.