تقرير: معن الريماوي

في العام 1978 استولت قوات الاحتلال الاسرائيلي على خربة سيلون التابعة لقرية قريوت جنوب نابلس، وبعد 22 عاما من الاستيلاء عليها منع أي شخص من دخولها، ومنذ ذلك الوقت، لم يزر الستيني أحمد طافح أبو نجم أرضه، والتي تبلغ مساحتها 40 دونمًا.

قبل نحو شهرين فقط، سمحت قوات الاحتلال الاسرائيلي للجميع بدخول الخربة، ولكن شريطة دفع مبلغ من المال لقاء ذلك "دخولية"، دخل أبو نجم الخربة متشوقًا لرؤية أرضه التي ولدته أمه فيها وهي تفلحها، التي أحبها دائما، وهنا كانت الصدمة.

تغيرت كل معالم الخربة، لم يبق حجر على حجر، حولت سلطات الاحتلال الخربة الى حدائق عامة، وبدأ عشرات الزوار والسياح الأجانب بزيارة الموقع، نظرًا لأهميته، وتغيرت معها أراضي المواطن أبو نجم.

"كل المعالم تغيرت، وكل الأراضي تحولت الى بيوت بلاستيكية، وأخرى لمناظر طبيعية، حتى المقهى الذي بنيته في السابق هدم، وشجرة اللوز التي أحببتها دائما قلعت من جذورها، عدا عن الحفريات التي تجري في الخربة، وسط مئات السياح الأجانب ورجال الدين اليهود". قال أبو نجم.

ولم تسلم الكهوف القديمة، والأشجار من بطش الاحتلال، حسبما اكد أبو نجم، وكلها تحولت الى حدائق عامة للزوار.

وأضاف "في العام 1978، وضعت سلطات الاحتلال 4 كرفانات في الخربة، وقالوا إنها خاصة بطلبة الجامعات، وليست بهدف بناء مستوطنة، وتزايدت عدد الكرفانات بعد فترة قصيرة، تلاها وضع سياج حديدي حول المسجد الواقع وسط الخربة، كنا حينها نستطيع الدخول والخروج من الخربة، رغم المضايقات التي كنا نتعرض لها، ولكن منعنا نهائيًا من دخولها في العام 2000".

" كل طفولتي عشتها في الأرض، أحرسها وأنام فيها" قال أبو نجم.

وتابع: "كل حياتي كانت هنا، أتذكر اللحظات التي كان يرسلني أبي لفلاحة هذه الأرض والاعتناء بها وزراعتها، واللحظة التي كنت أهرع بها أنا وأغنامي لنسبق رعاة الأغنام من القرى المجاورة".

في هذا السياق، قال مدير عام التنقيبات والتقنيات والمتاحف في وزارة السياحة والآثار جهاد ياسين إن خربة سيلون، التي حرف الاسرائيليون اسمها الى "تل شيلو"، تعد أحد اهم المواقع الأثرية في فلسطين، والتي تتوسط الطريق بين مدينتي رام الله ونابلس، وتحتوي على مساجد وكنائس تاريخية قديمة، ومعالم أثرية شهدت العصر البرونزي، والحديدي، والروماني، والبيزنطي.

وأكد أن الموقع يعتبر نموذجا على استغلال مواقعنا الأثرية لصالح الاستيطان، ونموذجا على تزوير تاريخنا وتشويهه، واستخدام هذه المواقع لتقوية معتقد ديني سياسي، عوضا عن عرضه على أساس المكتشفات والبقايا الأثرية التي تم العثور عليها في الموقع.

وقال: "الموقع كله تم سرقته، وتزوير تاريخه، من خلال الحدائق التي تم انشاؤها في الموقع، وبناء الكنيس، فضلا عن البرج، بحيث يعتبر هذا البرج المحطة الاولى لأي زائر سواء كان أجنبيا، أو يهوديا، ليشاهد فيلما حول زعمهم بأحقيتهم في هذا الموقع، ويركز على تعزيز أهمية الوحدة في الشعب الاحتلالي الاسرائيلي"، لافتًا الى أنه وحسب القوانين الدولية يمنع إجراء أعمال تنقيب في الأراضي التي احتلت عام 1967، خاصة التنقيبات الأثرية المنظمة.

وقال ياسين: طريقة عرض الموقع والبرج الذي بنوه في الموقع سنة 2014، هو مخالف لأسس البحث العلمي الأثري، خاصة أن البرج بني وسط الموقع وليس على أطرافه، والفيلم الذي يعرض في الموقع هو ديني- سياسي، وليس أثريا.

ولفت الى أن سلطات الاحتلال أولت الموقع أهمية كبرى، من خلال أعمال التنقيب والتدخلات التي عملتها في الموقع، وهذا مخالف للقوانين الدولية، وللنتائج العلمية التي تم الكشف عنها والتي لا تتفق مع الرواية التوراتية، مشيرا الى أن الاحتلال يزعم وحسب الروايات الدينية بأنه تم تجميع القبائل العبرية في الخربة بعد وفاة سيدنا موسى.

وأشار الى أن عدد المواقع الأثرية في الأراضي التي احتلتها اسرائيل في اراضي عام 1967، حوالي 7000 موقع، حوالي 60% منها تحت الاحتلال.

وقال إن الوزارة ترصد وتتابع الاجراءات الاسرائيلية وسرقة المعالم الأثرية، حيث قامت برفع العديد من القضايا للجهات الدولية ذات العلاقة.

بدوره، قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف إن الخربة تقع في المنطقة الفاصلة ما بين شمال الضفة الغربية ووسطها، وهي في عمق الكتلة الاستيطانية الممتدة من شرق الضفة الغربية بالقرب من قرية المغير والطيبة، عبورا بمنطقة جالود وقريوت، ثم امتدادا باتجاه مستوطنة ارائيل والخط الأخضر، وبالتالي هذه الكتلة الفاصلة تسعى الى تعزيز الاستيطان فيها وربط هذا الاستيطان بروابط دينية وتاريخية من اجل استكمال مشروع تقسيم الضفة الغربية الى كنتونات.

ولفت الى ان اسرائيل تسعى الى ربط مشروعها الاستيطاني بروابط تاريخية ودينية، وتحاول أن تدعي دائمًا أن كل الآثار الموجودة في فلسطين هي آثار اصلها يهودي، وهذا غير صحيح، مشددا على أن هذه الخربة آثارها كنعانية معروفة وموثقة لدى الجميع.