تقرير: جميل ضبابات

في الوقت الذي نما فيه الربيع بشكل ملحوظ على امتداد الضفة الغربية، يبدو أن التنقل في الشريط العريض شرق الضفة الغربية، صار بالنسبة للكثير من الرعاة الفلسطينيين مرعبا.

فعندما كان احمد حسين زهدي يقود قطيعا من المواشي عبر منحدر جبلي يشرف مباشرة على نهر الأردن، كانت مجموعة من المستوطنين تتطلع لوضع حدود جديدة لأراضي تستولي عليها يوميا في المنطقة.

وعندما اجتاز تلك الحدود تعرض قطيعه للاعتداء، وهي ليست قصة معزولة في أرض معزولة.

فقصص مثل هذه حدثت بشكل متكرر خلال الماضي القريب.

بعد يوم على تلك الحادثة التي تعرض زهدي ومواشيه لقطع الطريق من المستوطنين، وصف الشاب (29 عاما) اليوم الماضي "أمس كان صعبا".

ويروي كيف سيطر المستوطنون في المنطقة على مساحات واسعة من المراعي الطبيعية في منطقة شرق الضفة الغربية، وهي منطقة ذات تضاريس جبلية يغلفها هذه الأيام غطاء فاقع من العشب الأخضر.

ويشكو فلسطينيون في المنطقة من انحسار مساحات المراعي الطبيعية الشهيرة في المنطقة.

ذاته زهدي قال، إن"المراعي تتقلص عاما بعد عام".

ويتوجه أكثر الرعاة في هذا الوقت من العام الى المناطق المفتوحة في جبال الضفة الغربية الشرقية، بحثا عن مراعي مجانية تتحول في خلال شباط ايضا الى ملاذ مناسب لكثير من الفلسطينيين لقضاء يوم خارج المدن.

لكنها كما يقول الرعاة "أصبحت خطرة".

كان زهدي ينتقل من مكان سكنه في منطقة الفارسية الى المرعى الواقع خلف جبل يقابله من ناحية الشرق، عندما اعترض مستوطنان طريقه، ورجما قطيعه بالحجارة، واطلقا نحوه كلاب مدربة على مهاجمة المواشي.

وقال الشاب وهو يقف في وسط القطيع في منطقة قريبة من المنطقة التي هوجم فيها "كانوا اثنين ومعهم خمسة كلاب".

ومد يده على استقامتها ليشير الى مبنى يتيم اقيم على رأس تلة قريبة يرابط فيها هؤلاء المستوطنين.

من على بعد تخفي التلال تلك الخيام التي أقامها المستوطنون في أكثر من منطقة لقطع الطرق أمام الرعاة المتوجهين الى المراعي، إلا أن الاقتراب من تلك القمم يظهر فعليا نقاطا جديدة أصبحت تعتبر حدودا وضعها المستوطنون وحرموا على الفلسطينيين دخولها.

يقول زهدي وهو ينتمي الى عائلة تعمل في رعي المواشي منذ عقود طويلة وتسكن في المنطقة ان "التحرك بات صعبا".

ويعطي نفس المعنى آخرون كانوا يرعون مواشيهم في منطقة الفارسية.

ورعي المواشي من التقاليد الراسخة، في منطقة مفتوحة أمام المشي الحر والتيارات الهوائية القوية ويعتبر فيها الربيع فصلا قصيرا جدا بسبب ارتفاع درجة الحرارة.

وعبر السنوات الماضية، بالنسبة للرعاة، كان الانتقال من منطقة الى اخرى يعتمد على نسبة سقوط المطر، لكنه الآن أصبح يعتمد على الشعور بالأمان.

بالنسبة لزهدي، فانه لم يتعرض لأذى هذه المرة، لكن 5 من اغنامه تعرضت للضرب بالحجارة، وبعضها نهشته الكلاب.

ويمكن فعليا القول، إن مساحة الأراضي التي توزعها المؤسسات المحلية والدولية تغيرت خلال السنتين الماضيتين.

وتقدر أرقام رسمية مساحة المراعي في فلسطين 2 مليون دونم نحو 70? منها في المنحدرات الشرقية.

تظهر المنطقة في وسط نهار شتوي صاف تأخذ الالباب، فالربيع في ذروة اكتماله، وتتغلغل اشعة الشمس بين منحدرات واخاديد المنطقة لتنتج بريقا هائلا من اللون الاخضر.

تفقد الصورة الجميلة معناها يوميا عدة مرات عندما يطارد المستوطنون الرعاة ويحددون لهم المناطق التي يدخلون إليها.

قال أحد الرعاة، وقد عزف عن ذكر اسمه، "إن عددا قليلا من المستوطنين يسكنون في بؤرة جديدة بنوها قرب مسكنه، اغلقوا مراعي اعتادت عائلته الرعي فيها منذ 3 عقود".

وسمع يتحدث هاتفيا مع متضامن اسرائيلي يطلب منه النجدة عندما هاجمت كلاب اطلقها المستوطنون نحو قطعيه.

ان "الكلاب تخيف الاغنام".

وأمكن إحصاء ثلاث بؤر استيطانية جديدة في منطقة واحدة. وإحدى تلك البؤر هي عبارة عن بيت جديد بني من ألواح القصدير، وقال زهدي "إن المستوطنين يجلسون داخله خلال النهار ليغلقوا المرعى".

من على بعد امكن مشاهدة ذلك البيت، وامكن في الوقت نفسه مشاهده رجلان يتحركان في محيطه. وقال جاي هيرسفيلد وهو يهودي اسرائيلي يمكن مشاهدته يوميا في المنطقة في نقاش محتدم مع المستوطنين "ما يجري مروع(...) يحاولون السيطرة على الارض والمراعي وكل شيء".

واشار الى البؤرة الاستيطانية الجديدة التي تعترض طريق الرعاة. يصاحب النهار المشمس في المنطقة، أحداثا كثيرة بالنسبة لهيرسفيلد، فهناك جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي وضعه لفترة من الزمن تحت الاقامة الجبرية وصادر مركبته، وهناك "فيس بوك" الذي عطل قدرته على ادارة صفحته كمال قال بسبب نشاطه التضامني مع الرعاة.

وقال وهو يهم بمغادرة المنطقة القريبة من احدى البؤر "سأنصح الرعاة بالابتعاد الان عن المنطقة(...) عندما نرحل سيأتي المستوطنون ويعتدون عليهم". مع ذلك لم يمتنع المستوطنون كما قال الرجل الذي يقود سيارة رباعية الدفع من الاعتداء عليه وعلى الرعاة حتى بوجود الجيش الاسرائيلي.

منذ عدة سنوات لاحظ الرعاة وسكان المنطقة الذين يعملون في الزراعة البعلية والمروية ان تقليص مساحات الرعي اصبح يتسع سنة بعد سنة، لكن الرعاة يقولون إن الاغلاق مؤخرا اصبح عملا يوميا.

فهناك نشاط رعوي استيطاني طارد للنشاط الفلسطيني.

وتشاهد قطعان من المواشي والأغنام التي يملكها المستوطنون تتحرك في المناطق الرعوية التي منع الفلسطينيون من الدخول إليها. وقال زهدي "يريدون المراعي لمواشيهم". وتمتد منطقة الأغوار على طول الحدود الاردنية الفلسطينية وهي واحدة من اخصب الاراضي في الضفة الغربية، وتخضع في مجملها للسيطرة الإسرائيلية الكاملة حسب اتفاق اوسلو.

كان هناك جبلا صغيرا تبدو عليه هذه الأيام علامات الغطاء الأخضر الكثيف، وكان الرعاة في السنوات الماضية يجدون فيه أخصب المراعي كما قالوا، منذ سنتين أقام المستوطنون بؤرة جديدة في قمته ومنعوا الرعاة الفلسطينيين من دخوله.

قال عارف دراغمة وهو ناشط حقوقي يسكن في منطقة وادي المالح، المشهورة بواديها الذي جف خلال السنوات الماضية "خلال عامين خسرنا معظم المراعي في المنطقة". يردد رعاة ومزارعون في منطقة الفارسية الحديث ذاته، وقالوا، إن مستوطنا واحدا اقام بيتا في اعلى الجبل الذي يشرف على منطقتهم ووضع حدودا لحركتهم.

واشار فعلا الى بيت واحد مفتوح الجوانب انطلق منه مستوطن على عربة صغيرة ودار حول منطقة سكنهم للتأكد من عدم دخول المرعى القريب.

وقال احد الرعاة وهو يتطلع بعمق الى المستوطن الذي يدور بشكل دائري على سفح الجبل "لن أذهب الى هناك ابدا".