نشرت وسائل إعلام إسرائيلية بعض نتائج تحقيقات "الشاباك" حول عملية دهس جنود الاحتلال قرب جنين، واللافت هنا أن الشاب الفلسطيني غير مؤطر سياسيا، أي انه لا ينتمي إلى تنظيم أو فصيل، ولم يخطط للهجوم، وقد قرر تنفيذ العملية في اللحظة التي لاحت فيها فرصة نجاح الهجوم على الجنود.
ما يجب على قادة الاحتلال استخلاصه أن المواطن الفلسطيني تواق للحرية والاستقلال، وانه لا يحتاج إلى تعبئة وطنية أو سياسية حتى يدفعه مشهد جرائم قوات الاحتلال والمستوطنين للتعبير عن رفضه المطلق للاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، ذلك أن الروح الوطنية للإنسان، متلازمة مع روحه الطبيعية، ومتطابقة إلى درجة الكمال.
يروج المسؤولون في حكومة الاحتلال الحلول الاقتصادية كبديل عن الحلول السياسية، ويحاولون إقناع العالم بأن مشكلة الفلسطينيين إنسانية مرتبطة برغيف الخبز، والرفاهية، لكن الأسير المحرر علاء قبها كأحدث نموذج قد حطم الصورة التي يصممها ويرسمها وينشرها رأس الهرم السياسي والأمني في دولة الاحتلال (إسرائيل) في فضاء الرأي العام العالمي، وأرسلها كحكومة الى مكب نفاياتهم، ليس الصلبة والعضوية وحسب، بل التزييف والخداع والكذب، حتى طغت رائحتها النتنة على فضاء المنظومة السياسية والأمنية والعسكرية لهذه الدولة الخارجة على قوانين وقيم ومواثيق المجتمع الدولي.. فقد جاء في المسرب من التحقيقات – حسب وسائل إعلام إسرائيلية- أن المواطن الفلسطيني (قبها) الذي هاجم الجنود وقتل ضابطا وجنديا، فيما جنديان في حال الخطر، ميسور الحال، وان سيارة الجيب التي كان يقودها ساعة الهجوم حديثة وغالية الثمن.
لو قرأنا السجل الشخصي لأفراد الخلية الأولى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح الذين أطلقوا الثورة الفلسطينية قبل 53 عاما، لاستنتجنا أنهم ما كانوا فقراء، وعانوا مع عائلاتهم في السنوات التي تلت النكبة في العام 1948، ودرسوا ونالوا شهادات جامعية، وعملوا في مهن ذات دخل عال، ولم ينقصهم ليعيشوا رفاهية الشباب كأقرانهم العرب وفي العالم أيضا إلا أمر واحد، الحرية التي لا يمكن أن تكون بكمالها وتمامها وبأبهى صورها إلا في الوطن، في فلسطين.
يتوجب على قادة "شاباك" الاحتلال وجيش ليبرمان، ومعهم الدائرون في فلك سياسة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري ان يدركوا ان طرح الرئيس أبو مازن ومعه القيادة الفلسطينية لمبادرة السلام لم يكن وليد ضعف، وإنما نتيجة إيمان بقدرات هذا الشعب وبتجاربه، وإبداعاته النضالية الخلاقة، وان الحرص على حياة عزيزة كريمة للفلسطينيين، يعيشونها أحرارا في دولتهم المستقلة ذات السيادة وعاصمتها الأبدية القدس الشرقية، في كنف سلام واستقرار وازدهار، هو وليد رؤية عقلانية حكيمة لحقن الدماء وتسييد مبدأ الإقرار بالحقوق التاريخية والطبيعية، كما يتوجب عليهم الإدراك بأن الفرص التاريخية لا تأتي تباعا، وان الاتجاه نحو ممر السلام يحتاج إلى رؤية إنسانية ونبل وشجاعة أخلاقية، لا تتوفر في صناديق ترسانة أسلحة المحتلين والمستوطنين!!.
اتخذت قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية السلام كإستراتيجية، وهيأت كل مقومات رفعه كثقافة لدى الجماهير الفلسطينية، وحرصت على اتخاذه منهجا حياتيا وسياسيا، لكن هذه القيادة التي شهد قادة العالم على تعاملها بإخلاص ومصداقية لم تفكر للحظة بأن السلام يعني الاستسلام، وكل مناضل فلسطيني أيا كان موقعه في الهرم السياسي سيقاوم المفهوم الإسرائيلي للسلام، الذي بات معلوما للعالم انه الاحتلال الاستيطاني المتوحش، الجريمة ضد الإنسانية، نقيض الحقوق والحرية.
نعتقد أن الإسرائيليين المعنيين بالسلام يدركون ويلمسون قبل غيرهم في المجتمع الإسرائيلي تطلع الشعب الفلسطيني وقيادته نحو السلام، ويعرفون أن المستحيل بالنسبة إلينا هو قبول الاستسلام للاحتلال والاستيطان، أو فرض حل لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني، باستعادة بعض حقوقه التاريخية والطبيعية في وطنه، وعليه فان جمهور السلام في إسرائيل يتوجب عليه إقناع جمهور الحرب بأن الاحتلال والاستيطان لن يكونا الحل.. وأن الرفاهية وبحبوحة العيش لا تغنينا عن الحرية والاستقلال.