صدر مؤخراً لزياد خداج "أسباب رائعة للبكاء"، في الدخول إلى أمعاء قصصه القصيرة، يكتشف القارئ أن زياد خداش يتحين الفرصة لإقتناص حوادث عابرة آنية ويومية وينسج حولها قصصه الرائعة. لم أقرأ هذا العمل، إلا أني متابع لما يصدر له في جريدة الأيام، وأحياناً على الشبكة العنكبوتية من نصوص وقصص قصيرة، زياد يتمتع بأسلوب جميل في الكتابة لجهة التجدد والتطوير في أساليب القصة القصيرة، ويُعتبر مجدداً في هذا المضمار، كما أنه يمتلك قدرة كبيرة على جذب القارئ لمتابعة فكرته القائمة على جزئيات بسيطة، لكنها لافتة ومهمة في ذات الوقت لأي شخص يحب أن يتابع، ويتأمل ويرصد ما يدور حوله، وصولاً إلى تحميل الاحتلال وممارساته القمعية مسؤولية هذه الحوادث المتمظهرة في المجتمع الفلسطيني وعلى الأرض الفلسطينية. هذه الاحداث يمكن أن تكون متمثلة في شجرة، أو ورقة، أو بائع يجلس على قارعة الرصيف، أو طلاب مدارس يمرون هنا وهناك، إنها ميلودراما يقوم بالتقاطها بعد أن تكون قد آلامته ويلقيها على أحد الشخصيات المحورية في قصصه، والتي هي في نهاية المطاف هو نفسه الشخصية المعنية. يربط زياد في كتاباته بين العام والخاص الفردي والجماعي، الواقعي والخيالي، ولديه قدرة فائقة على أن تكون جميع الشخصيات التي تتحرك داخل القصة، تتحرك بشكل تلقائي وطبيعي إلى الحدّ الذي تظهر فيه هذه الأحداث وكأنها تحدث أمام القارئ على أرض الواقع فتشده لمتابعة القصة حتى النهاية بلا ملل ولا تذمر.  الموضوعات التي يتطرق إليها زياد خداش في قصصه القصيرة موضوعات جادّة تحمل الكثير من الهمّ الوطني والاجتماعي والانساني والتفاصيل المختلفة التي تخص كل فرد، يتحدث عن الأمس بلسان اليوم، تتكشف من خلاله العناوين التي يكتبها بأعماله وقصصه، إنه كاتب قصة ممسوس بالشاردة والواردة، يلتقطها أينما كان لا يهدأ عن المطالبة بالحرية دائماً تجد في كتاباته شيئاً جميلاً وحميمياً ذا نكهة فلسطينية.
يبحث في كتاباته عن وطن ضائع في أي مكان كما يفعل أي شخص فينا، يبحث كأن شيئاً ما ناقص في حياته طالما أرضه سليبة ويعيش الهجرة والقسوة والظلم بعيداً عن وطنه الأم. يبحث عن وطن ويبحث عن رموزه. حقق زياد خداش في الوضوع في كتاباته وفتح آفاقاً جديدة في عالم القصة القصيرة كظاهرة الواقعية الشديدة، يكتب زياد من أجل الاحتجاج والوطن والمخيم، يكتب بين الغموض والوضوح بلغة تلتقط صورها من الواقع اليومي، وهي عبارة عن تجارب الذات وهواجس وانعكاسات الانسان الفلسطيني والأهم من ذلك كله أنها أحداث تجري في قلب الاحتلال، وقلب الوطن، وقلب المعاناة، وليست متخيلة أو مستعارة. حين تقرأ له تحب هذا النوع من الكتابة الشاعرية التي ترصد لحظات تدور في حياة كل منّا على نحو ما، ومواقف يتجلى فيها ظلم وقهر الاحتلال، يرصد التحولات التي تطرأ على المكان وسلوك الناس التي قد تشكل خطراً كبيراً على المكان والحياة المجتمعية بسبب الاستيطان والاحتلال. لديه احساس غريب بالغموض والاحتراق اللذيذ بالكتب، مواقفه متقدمة من الحرية والمرأة والفن والنظر إلى الحياة، لديه إرادة تتحدى الإذلال، يعرف أن الاوطان تئن في العراء.
هو يربط أحلامه بنخلة ويدعونا بأن نهزّ بجذعها لكي يتساقط الرطب جنياً.


محمد سعيــد