لماذا لم تنزل الحشود الشعبية التي نزلت إلى ساحة السرايا بعد قرار الحكومة تجميد صرف العلاوات للموظفين في قطاع غزة، للتعبير عن رفضها لسياسة الانقلابيين، وسياسة حماس القائمة فيه بإدامة آثاره؟! ولماذا لم تغضب هذه الجماهير عندما تسيء حماس لرئيس الشعب الفلسطيني، وقائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، أم أن الانقلاب وما نجم عنه من ويلات ومعاناة، وكذلك الإساءة للرئيس وهو رمز الشرعية النضالية والوطنية الفلسطينية أمر ثانوي ؟!.

عندما تهبط قواعد الاشتباك السياسي مع الآخر الوطني إلى المستوى الذي شاهدناه منذ انقلاب حماس وحتى أمس الأول في تظاهرات رفح الحمساوية المسيرة بريموت كونترول الجاهليين، فهذا يعني أن  قيادات حماس المسؤولة عن أفرادها وأنصارها معنية بقطع الخيط الرفيع المتبقي في نسيج الشعب الفلسطيني السياسي والمجتمعي أيضا، وتبديد آخر نقطة في صورة الحوار والنقاش حول القضايا الوطنية التي رسمناها وكرسناها في الحالة الفلسطينية على مدى عقود من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة، ومنذ قيام سلطتنا الوطنية.

 نعلم يقينا إن انقلاب حماس واستباحة دماء المواطنين، ونسف ركائز المشروع الوطني الفلسطيني هم أم الجرائم، لكنا نعلم أيضا أن اشراف ووقوف قيادات حماس على عملية الإساءة للرئيس جريمة لا يحاسب عليها القانون وحسب، بل جريمة بحق الشهداء والأسرى والصابرين الصامدين، بحق ملايين الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، جريمة هي في الواقع النتاج الطبيعي لتحريض قادة من الصف الأول في حماس لم يكفوا عن تخوين الرئيس وتكفيره عند كل منبر استطاعوا اغتصابه.

ان الرئيس محمود عباس الذي رأينا ولمسنا احترام رؤساء وملوك وقادة وشعوب دول العالم له، ووقوف ممثليهم في الأمم المتحدة احتراما لشخصه ورمزيته باعتباره رئيس شعب مناضل من اجل الحرية، قد لا يضره سلوك (زعران) أو بلطجية هنا أو هناك، لكن وضعه في خانة المجرمين بحق الشعب الفلسطيني، قادة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي العنصري وهو المعروف بمدى إيمانه السلام، وبمدى حرصه على دماء الفلسطينيين وأرواحهم، ورفضه زجهم في معارك عبثية لصالح أجندات خارجية لا علاقة لها بفلسطين وقضية شعبها، فهذا  السلوك الإجرامي يعني إن فاعليه مرتبطون بشكل أو بآخر بالمعني رقم واحد في تشويه الرئيس أبو مازن، ومن تراه يكاد يعجز عن التفكير في كيفية التخلص من هذا الدماغ الفلسطيني الذي استطاع مواجهة أدمغة المشروع الصهيوني مجتمعة، واستطاع تحقيق فوزعليهم لصالح الشعب والقضية الفلسطينية في جولات صعبة ومصيرية.

لا يلتفت الرئيس أبو مازن المخلص والوفي للقسم الذي أداه ساعة تسلم الأمانة والمسؤولية إلى مثل هذه الجرائم الوضيعة، ولا يقابلها بقرارات أو إجراءات رغم آثارها المؤلمة على شخصه، فهو مثلنا إنسان يتألم عندما يُطعَن وهو يدافع عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني، ويتألم عندما يُقَابَل إخلاصه وصدقه بالجحود والكذب والتخوين والتكفير والإساءات، ولو كنت مكانه لتألمت أكثر، إذا لم ألمس الفهم العميق لمعنى المواطنة، ولم أشاهد من يثار لكرامته المهدورة في صور الإساءة لرئيس انتخبه بإرادته الحرة ليكون ممثلاً عنه في اتخاذ القرار الوطني المصيري.

ما فعلته وما تفعله قيادات حماس جريمة بحقي أنا المواطن قبل أن تكون جريمة بحق الرئيس الذي ينظم منهجه السياسي لتأمين مصالحنا نحن ملايين المواطنين أينما كنا وعلى أي بقعة في الوطن نعيش، ومهما كانت توجهاتنا السياسية.

لا بأس فقد أسيء للرسل والأنبياء، ومن قبل الأقربين، فصبروا، وتحملوا، لكنهم لم يرتدوا عن قيم الأخلاق التي بشروا بفوز المتمسكين بها، إلى أن تبين للمجرمين شناعة فعلتهم، ولكن ليس قبل انتصار المؤمنين بهذه القيم لأنفسهم، فالذي انتصر للرسل والأنبياء انتصر لقيم السلام والمحبة والعدالة التي تحقق التوازن اللازم لاستمراره الطبيعي في الحياة.. والذي ينتصر للرئيس أبو مازن ويعرب عن رفضه لجريمة حماس فانه ينتصر لنفسه أولاً، لقيم الأخلاق، وقوانين ومبادئ المسؤولية الوطنية، للحرية للتحرر، واستقلالية القرار، ينتصر لرأسه الذي أرادنا أبو مازن أن نفتخر بإبقائه مرفوعاً على اسم فلسطين.