أيام وتلتئم القمة العربية التاسعة والعشرين في (عمان - البحر الميت) في ظروف سياسية واقتصادية وأمنية بالغة التعقيد، تركت أثرها على جميع الدول العربية /حكاماً ومحكومين/، ولا شك في أن الجميع يسعى كي تكون هذه القمة في مستوى هذه التحديات الجسام التي لا زالت تعصف بالمنطقة، وفي مقدمتها مواجهة الإرهاب، والعمل على استعادة الوحدة والأمن والاستقرار للدول التي لا زالت تفتقده، وعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية وما تعانيه من تدمير جراء صلف الكيان الصهيوني وسياساته الهادفة إلى إستمرار الإستيطان والتنكر لجميع جهود السلام الدولية وفي مقدمتها مبادرة السلام العربية، التي مضى على إقرارها خمسة عشر سنة في قمة بيروت 2002م.

لقد سبق أن إشتمل (إعلان الرياض)، الصادر عن القمة العربية التاسعة عشر/ 29 آذار 2007م، ومنذ عشر سنوات على رؤيا عربية واقعية وشاملة، لمواجهة ما أشرنا إليه من تحديات إستراتيجية، كانت ولا زالت ماثلة للعيان، حيث أكد على تحصين الهوية العربية وتعميق الإنتماء العربي، وملء الفراغات الإستراتيجية، التي سعت دول إقليمية لملئها، ولكن للأسف لم توضع البنود التي أشار إليها الإعلان موضع التنفيذ الجدّي، والتي كان من الممكن لو ترجمت إلى سياسات عملية ترتكز على أساس تحقيق المصالح الوطنية للدول العربية شعوباً وحكاماً، لحالت دون تردي الأوضاع العربية إلى ما تردت إليها خلال السنوات العشر المنصرمة، وهنا نود التذكير بأهم البنود التي تضمنها إعلان الرياض:

وثيقة العهد والوفاق والتضامن بين الدول العربية، ووثيقة التطوير والتحديث في الوطن العربي.

نبذ كل أشكال الغلو والتطرف والعنصرية وتعزيز الهوية العربية ومقوماتها الحضارية والثقافية .. في ظل ما تواجهه الأمة من تحديات ومخاطر تهدد بإعادة رسم الأوضاع في المنطقة وتمييع الهوية العربية.

التأكيد على حماية الأمن الجماعي والعمل الجاد لتحصين الهوية العربية ودعم مرتكزاتها ومقوماتها.

 إعطاء أولوية لتطوير التعليم ومناهجه ....

 نشر ثقافة الاعتدال والتسامح والحوار ورفض كل أشكال الإرهاب والغلو والتطرف وجميع التوجهات العنصرية الإقصائية .. والتحذير من توظيف التعددية المذهبية والطائفية لأغراض سياسية تستهدف تجزئة الأمة وتقسيم دولها وشعوبها وإشعال الفتن والصراعات الأهلية المدمرة فيها.

 ترسيخ التضامن العربي الفاعل الذي يحتوي الأزمات ويفض النزاعات بين الدول بالطرق السلمية.

 تأكيد خيار السلام العادل والشامل باعتباره خياراً إستراتيجياً للأمة العربية وعلى أساس المبادرة العربية للسلام التي ترسم النهج الصحيح للوصول إلى تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي مستندة إلى مبادئ الشرعية الدولية وقراراتها ومبدأ الأرض مقابل السلام.

 تأكيد أهمية خلو المنطقة من أسلحة الدمار الشامل بعيداً عن ازدواجية المعايير.

إن ما تجتازه منطقتنا من أوضاع خطيرة تستباح فيها الأرض العربية، وتتبدد فيها الطاقات والموارد العربية وتنحسر معها الهوية العربية والانتماء العربي والثقافة العربية، يستوجب من جميع الدول والشعوب / حكاماً ومحكومين / أفراداً وجماعات / أن تقف مع النفس، وقفة تأمل ومراجعة شاملة، لأن الجميع شركاء في رسم المصير وصناعته، وأن يأخذ الجميع من الأزمات الطاحنة التي تمر بها المنطقة، عزماً وإيماناً وتصميماً وإصراراً على توحيد الجهود العربية رسمياً وشعبياً، نخباً، وعامة، من مستوى الأفراد والأسر إلى مستوى المجتمعات، والدول، للحفاظ على نسيجنا الوطني والقومي، وعلى أساس مصلحي فردي وجماعي، يحقق للفرد وللأمة الأمن والكرامة والازدهار.

إن قمة عمان العربية تستحق أن يطلق عليها قمة التحديات الإستراتيجية، والأمل معقود على القيادة الأردنية الحكيمة، بالتنسيق والتعاون مع الأشقاء في كل الدول العربية، وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، لوضع ما تضمنه إعلان الرياض قبل عشر سنوات موضع التنفيذ، وفق آليات تضمن تحقيق الأهداف المنشودة في هزيمة الإرهاب، والحفاظ على وحدة الدول، واستعادة الاستقرار والازدهار للجميع، وعلى مستوى خيار السلام لابد من وضع الآليات الفاعلة لفرض خيار السلام على العدو الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وإنهاء الاستيطان والاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، إن استلهام روح إعلان الرياض، وما تضمنه من رؤيا عربية واقعية واعية ومتطورة في إعادة صياغة العلاقات العربية البينية، على أسسه الواضحة، كما العلاقات العربية مع القوى والدول الأخرى، ومنها دول الجوار / تركيا / إيران / على أسس واضحة تحول دون التدخلات الخارجية التي من شأنها أن تهدد الأمن والاستقرار للدول العربية، وكذلك إستمرار الإلتزام بدعم الشعب الفلسطيني وإعادة الاعتبار لقضيته  كقضية مركزية للأمة العربية، والتمسك بمبادرة السلام العربية، ووضع الآليات السياسية والدبلوماسية الكفيلة بتفعيل قرارات الشرعية الدولية بهذا الشأن، كي يذعن الكيان الصهيوني لتنفيذ إرادة المجتمع الدولي وينصاع لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وتصبح المبادرة العربية قابلة للتنفيذ.