خاص مجلة "القدس" الاصدار السنوي 333 كانون ثانٍ 2017

تحقيق:وليد درباس

 

تُولي مجلّة "القدس" عنايةً واهتمامـاً خاصَّين بقضايا ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين في مخيّمات لبنان، وتُفرِد لها حيّزاً مهمّاً في صفحاتها. وانطلاقاً من ذلك، كان لمجلّة "القدس" لقاءات حـوار، واستطلاع للآراء، واشتقاق مواقف، وتقديم أفكار للعلاج، حول الواقـع الاجتماعي لأهل المخيّمات في لبنان والتعقيدات التي تُسبِّب الخلَل الأمني، إلى جانب سُبُل العلاج والتوجُّهات المستقبلية لمواجهة التحدّيات التي تؤثِّر على الواقع الاجتماعي والأمني والإنساني للمخيّمات.

 

الشعلان: المجتمع الفلسطيني فقير.. والوضع الأمني يحتاج نُظماً مُلزِمة

يرى مسؤول اللّجان الشعبيّة الفلسطينية في لبنان أبـو إياد الشعلان أنَّ الوضع المعيشي للاجئين الفلسطينيين في لبنان لا يمكن مقارنته بالمستوى المعيشي لأهلنا اللّبنانيين في الجوار، ويضيف موضحاً "يوجد فقر شديد بأوساط اللاجئين وبطالة لدى الشباب، وهذا يُنتِج بالتالي مجتمعاً فقيراً. وفي دراسة أجرتها الأونروا وجِهاتٌ أخرى تبيَّن أنَّ نسبة الفقر تقارب 65% في المجتمع الفلسطيني، ونظرتنا لهذا الواقع تستند لماهية الوضع الاقتصادي المعيشي من جهة، والحالة الأمنية من جهة أخرى". وعطفًا عليه يشير الشعلان إلى أنَّ "حظر الدولة اللبنانية الأعمال الحرة على الفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها وإدارتها الظهر لسَنِّ القوانين اللازمة يحول دون استنهاض الوضع الاقتصادي، ويؤدي لاستمرار تدني المستوى المعيشي للفلسطينيين، ولا سيما مع افتقاد المخيّمات للمؤسسات والشركات التشغيلية رغم وجود كـمٍّ من الفلسطينيين من أصحاب رؤوس الأموال"، ويزيـد: "تساهم الأونروا أيضاً بذلك لتراجعها التدريجي عن تحمُّل مسؤولياتها عملاً بقرار الأمم المتحدة ولزوم تأسيسها لجهة تشغيل وإغاثة اللاجئين"، ويقول: "لا نعفي أنفسنا من المسؤولية كذلك، فمنظمة التحرير الفلسطينية لم تتمكّن على مـدار السنين الماضية من إقامة مؤسسات إنتاجية تشغيلية توفِّـر فرص عمل، وذلك جرّاء صعوبة الوضع المالي للمنظمة أو السلطة الوطنية، وأيضاً بحكم إرادة الدول المانحة التي تحصر تقديماتها لصالح قضايا محدَّدة، وداخل الأراضي الفلسطينية".

ويؤكـِّد الشعلان أنَّ "الفلسطينيين بحاجة ماسّة لقوانين لبنانية مُنصِفة تفتح المجال أمامهم أسوة باللبنانيين للعمل بحرية وممارسة المهن الحـرة وفق تخصصاتهم وشهاداتهم العلمية، خاصةً أنَّ كل القوى اللبنانية تُطالب من خلال منابرها ولقاءات العمل المشتركة مع القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية وبين قيادة المنظمة والسلطات الرسمية اللبنانية أيضاً بمنح الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية والاجتماعية، ويعترفون بأنَّ الفلسطينيين في مخيمات لبنان كانوا بعيدين جداً عن الأعمال التخريبية التي أحاطت بلبنان وداخله، والقيادة الفلسطينية كانت وما زالت جزءاً من أمن واستقرار الدولة اللبنانية، والمفترض أن يُكافأ الفلسطيني بتشريع حقوقـه الإنسانية والاجتماعية".

وفي المنحى الأمني يقول الشعلان: "المخيّمات تفتقر لقوانين ونُظُم تُلزِم الجميع، فاللاجئ لا دراية له بتوفير القوانين، وتحصل أحياناً أعمالُ فوضى شعبية وما شابه من استنفارات، وأفعال وردات فعل غير محسوبة. وعليه استُعيضَ عن غياب القانون بتشكيلات وصِيَغ عمل معينة في المخيّمات ومنها القوة الأمنية، لكن وللأسـف حتى هذه اللحظة لم تتمكّن هذه القوة من فرض هيبة القانون الذي يُلزِم المواطن بحدود حركته وعمله".  ويتابع: "صحيح أنه يوجد قيادة فلسطينية وطنية وإسلامية واحدة في لبنان، لكنّها تفتقر للرؤية الموحدة تجاه بعض الأفراد أو المجموعات المنفلتة ممَّن لا تبالي بالاستقرار في المخيمات وتحديدًا في عين الحلوة، الذي ننظر إليه بشكل دائم بعين الحذر والريبـة خاصةً مع محاولة الكثيرين أفراداً كانوا أم مجموعات ممَّن يقيمون في مناطق آهلة بالسكان سلب المخيّم وإشاعة الفوضى، وعلى الدوام كانت تتدخّل القيادة الفلسطينية الحريصة على المخيمات وعـدم تهجير أهلها، ووفق إمكانياتها ومقدراتها المتواضعة وقناعتها بأنَّه ليس بالقوة يُحَل كل شيء، فقوة القانون أقوى من أي قوة أخرى، وبذلك تنجح بسحب فتيل التفجير من أيدي العابثين"، ويختم مسؤول اللجان الشعبية في لبنان أبو إياد الشعلان كلامه قائلاً: "لا خطة للمواجهة سـوى الاستمرار بما هـو قائـم، على أمـل أن تتفق القيادة الفلسطينية في الأسابيع القادمة على برنامج عمل سياسي أمني يوفِّر مناخات الأمن والاستقرار في المخيمات والجـوار أيضاً".

 

شبايطـة: الحقوق الإنسانية والمدنية المطلب الأهم للفلسطينيين في لبنان

يؤكِّد أمين سـر فصائل "م.ت.ف" وحركة "فتح" في منطقة صيدا العميد ماهـر شبايطـة أنَّ الواقع الاجتماعي لأهل المخيَّمات في لبنان صعب جـداً لأسباب عديدة، يفصّلها قائلاً: "الفلسطينيون في لبنان محظورٌ عليهم التوظُّف في الدولة، ومحرومون من العمل في 72 مهنة، إضافةً إلى أنَّ حمَلَة الشهادات وخرّيجي الجامعات لا يجـدون العمل المناسب الذي يليق بمؤهّلاتهم وتخصُّصاتهم، والسفر للعمل بالدول الأخرى تشوبه مشقّات وصعوبات، وقد باتت هذه الدول لا تعترف بوثائق السفر التي يحملونها، لذا فالأهالي وبشكل دائم قلقون على مستقبل أبنائهم ولسان حالهم يقول (نعلّم أولادنا، ونخشى عليهم أين يذهبون؟ هل يعملون؟ وأين يسكنون؟ وليس هناك من جوابٍ شافٍ...)". ويضيف شبايطة: "يُجبَر الفلسطينيون على العمل خارج تخصُّصاتهم، وُيرغَمون جرّاء الحاجة لتوفير لقمة العيش وصونًا للكرامة الإنسانية للعمل حيث أمكن، وعلى سبيل الذكر لا الحصر يعمل بعضهم بالأجرة كسائق سيارة تاكسي، وبعـد أن كانت الأونروا بمثابة المنفـَذ الوحيد لتوظيف الفلسطينيين وإن بأعداد محدودة، باتت اليوم تقلّص خدماتها وتقديماتها ولا أماكـن لتوظيف أحـد في لبنان، وتصل المعاناة بأوساط الفلسطينيين درجةً يتعذَّر فيها على الكثيرين إيجاد سكن لائق للإقامة، نظراً لمساحة المخيّمات المحدودة منذ اللجوء الأول العام 1948، والتي لم يلحظها أي زيادة في المساحة الجغرافية، وفوق ذلك فالكثافة السكانية تزيد يوماً بعد يوم"، ويستشهد بمخيّم عين الحلوة الذي تبلغ مساحته 1,5 كلم2، ويقيم فيه ما يناهـز المائة ألف نسمة، ما يضطّر العائلة الفلسطينية لإيواء أفـرادهـا باستخـدام الشكل العمودي في البناء، ويتحوَّل البيت من طبقة واحدة لثلاث وربما أربع بل وقد يصل حد خمس طبقات، وإن جاءت دون المواصفات الهندسية ومخالفة للمعاير الصحية.

من ناحية أخـرى يُشير العميد شبايطة إلى أنَّ التداعيات السلبية للمشهد في دول المنطقة والجوار ألقت بظلالها على لبنان، وبالتالي ازداد منسوب المظلومية بحياة أهـل المخيّمات، وعليه يدعـو لأن تنسِّق الدولة اللبنانية مع الأونروا والأمم المتحدة والدول المانحة بوجهة تأمين المتطلبات الحياتية للفلسطينيين "مساكن وعيش كريـم"، ويقول: "لحينه نحن ضيوف في لبنان، نحترم قوانينه، وعليه واجب احترامنا والاعتراف بحقوقنا في العمل وامتلاك شقة سكن، فتحسين الظروف الحياتية للفلسطيني في لبنان لا يعني انصرافه عن حقوقـه وقبوله بالتوطين، وقد ثبُتَ بأن هذه المقولات حُجَج واهية، وأنَّ الفلسطيني وإن أمتلك جنسيات أخرى بقي متمسِّكاً بحقوقـه الوطنية ولم يتخلَ عن حقِّه في العودة".

 

المقدح: الفلسطينيون في لبنان كانوا وما زالوا وسيبقون صمام أمان

تتراوح نسبة البطالة في أوساط الفلسطينيين في لبنان وفق دراسة للأونروا ما بين %60 إلى 70%، ممّا يؤكّد صعوبة واقعهم الاجتماعي بالتوازي مع حرمانهم من أيّة حقوق مدنية أو إجتماعية أو سياسية، ما يعني وفق حديث قائـد القـوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في مخيّمات لبنان اللواء منير المقدح أنَّ "الفلسطيني لا يستطيع أن يتملّك بيتاً في بلد شقيق بالرغـم من أنَّ الفلسطينيين على مدار سنوات ومنذ اغتيال الرئيس الشهيد الحريري كانـوا وسيبقون صمامَ أمانٍ وعاملاً إيجابيًّا، إذ حافظوا على أمن المخيمات وأمن الجوار، وفي العموم لم يخرج من المخيمات -بشهادة الأجهزة الأمنية اللبنانية- مَن يُفجِّر في البلد"، ويزيـد: "تحدُث في أكثر من منطقة في لبنان مشاكل وخروقات، ولا تُستثنَى المخيمات من ذلك، وأمثالها تحدُث في بلد كسويسرا مثلاً، لكن المفارقة أنه إن خرجت طلقة في الهـواء في عين الحلوة تحديدًا تنبري بعض وسائل الإعلام للتهويل والترويج وكأنَّ ما حصل حدثٌ هـزَّ الأمـن الدولي، بل يصل الأمر لدى البعض، وبينهم شخصيات ذات مكانة وبمستويات رفيعة للتساؤل: (بعده عين الحلوة موجود؟! ما صار بارد آخـر)"، ويضيف: "لقد نجحَ الفلسطيني بإدارة ظهره لفزّاعة التوطين، وأسقط هاجسه بأوساط رواده من اللبنانيين، وأكَّـد أنه لا يقبل أن يرهـن نفسه لخدمـة أو لتسويق هذا المشروع أو ذاك، وأنَّ بوصلته ليست الداخـل اللبناني، ولا الداخل السوري، ولا العراقي، وبحسبة بسيطة يستدل على ذلك أنـه وعلى مدار سـت سنوات أقل نسبة من الشباب الذين ذهبوا إلى سوريا أو العراق هم من الفلسطينيين، إذ لم يتجاوز عددهم الثمانين، ووصل عدد الذين ذهبوا من فرنسا مثلاً إلى سبعمئة، ومن أمريكا خمسمئة، ومن لبنان بحدود 2000 شاب"، ويؤكّد اللواء منير المقدح أنَّ "الفضل بذلك يعود للأُم الفلسطينية التي تربي أبناءها على أن وجهة كفاح الفلسطينيين هي فلسطين وحسب".

من ناحية أخـرى يؤكّـد اللواء المقدح أنَّ القيادة الفلسطينية ممثّلةً بفخامة الرئيس محمود عبّاس كانت سبّاقة لتحديد الموقف السياسي الفلسطيني في لبنان ومفاده أنَّ "الفلسطينيين ليسوا طرفاً ضد طرف في التجاذب اللبناني اللبناني، ولن نكـون إلّا عاملاً إيجابيًّا وصمام أمان، ونحـن مع القانـون في البلـد"، ما شكَّل برأيه حصانةً وضمانةً أمنية للمخيّمات، وعطفًا عليه تشكَّلت في الساحة قيادة فلسطينية واحـدة، تُشارك فيها كافة القوى الوطنية والإسلامية وأنصار اللـه، برئاسة أمين سر الساحة لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتـح" فتحي أبـو العردات، وانبثـقَ عنها بالتنسيق مع الدولة اللبنانية لجنة أمنية، وبالتالي قوة أمنية في المخيمات، وتشارك بها أيضاً الفصائل كافةً، وتمخَّض عنها (وحـدة شرطة سير، وحـدة مكافحة مخدرات، وحـدة خاصة لمتابعة الأحداث المستجدة، الـخ...)، ويردف: "بالحوار والنقاش نعالج القضايا أو الخروقات وإن كان دون المستوى المأمـول والمرجو، ولكنّنا قدر استطاعتنا نتمكّن من حـل الكثير من القضايا، وبعض القضايا تضطّرنا لتسليم المطلوبين للدولة من خلال تنسيقنا مع الجيش اللبناني الذي ننسّق معه على كافة الصعـد الأمنية"، ما يشكّل برأيه أيضاً "حصانة وحماية للمخيمات".

وبخصوص إقامـة جدار حـول عين الحلوة، أكَّـد اللواء المقدح الموقف الفلسطيني الرافض وبالمطلق وبعدة مستويات قيادية للموضوع، ونوّه لوجود مواقف لبنانية رفضت الجدار، ومنها بشكل خاص في صيدا وأخرى عربية، مضيفاً: "كان لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري موقفٌ خاص ومميّز، فقد رفض الجدار، وأعلن وقف العمل به"، ويكمل: "نحن بحاجة لبناء أسـوار محبّة بيننـا وبين أشقائنا اللبنانيين، نحـن اليوم بخندق واحـد لحماية البلد، وكلما كان البلد موحّداً وقويًّا يكون دعمه للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني قويّاً أيضاً، ونتوقّع أن يلحـظ البيان الوزاري للحكومة الجديدة الحـد من معاناة الفلسطينيين، وأن ينال الفلسطيني في العهد الجديد جزءاً من حقوقه"، ويختم حديثه بالتنويه لانكباب القيادة السياسية الفلسطينية على إعداد مذكرة خاصة بتعزيز وتحصين المخيمات والعلاقة الفلسطينية اللبنانية وفيها  مستجدات خاصة بـ(تفعيل القوة الأمنية، خطة بديلة للجدار، تنظيم السلاح، الخ...).

 

عين الحلوة يختـزل معاناة اللّجـوء في المخيّمات

يشير مسؤول لجنة القاطع الخامس في مخيّم عين الحلوة "جهاد موعـد" إلى أنَّ شدّة المعاناة تدفع الدول المانحة وأحياناً عبر الأونروا وسواها من المؤسسات، كالهيئة الدولية للصليب الأحمر، لتبني مشاريع تحسين الظروف الحياتية لأهل المخيّمات وبينها عين الحلوة، وأبرزهـا مؤخّرًا مشروع البنية التحتية الذي سجَّل في عين الحلوة نسبة نجاح وصلت حـد الـ77% بالإضافة  لمشاريع "صيانة الكهرباء، وترميم بيوت الفلسطينيين بالمخيم والتجمعات الخارجة عن خدمات الأونروا،..."، نشكرهم عليها، لكنّها كما ينوه موعد "لا تتم وفق المعايير المرسومة وغالباً ما يرافقها ثغرةٌ هنا وأخرى بذاك الحي جرّاء ضغوطات القوى المتنفِّذة بالمخيّم ومنها على الأونروا، وأيضاً على اللجنة الشعبية لإبعادها عن تولي مهامها ومسؤولياتها، وبالتالي استثناء ما أمكن من لجان الأحياء والقواطع وهم على صلة ودراية ومعرفة تامّة بتفاصيل وهموم الحي، وغياب الشفافية يُفقِد الناس ثقتهم بالمتنفّذين، وعادة ما يُحمِّلون اللجان الشعبية مسؤوليات ذلك"، ويقول: "بدورنا كلجنة قاطع نتواصل مع الجهات المعنية واللجنة الشعبية ونبلغهم ملاحظاتنا على العمل، ونتمنّى أن تمـرَّ كل المشاريع التي تأتي للمخيم من خلال اللجان الشعبية، وعلى قاعـدة تحمُّل مسؤولياتها وألا تخضع للمحسوبيات أو الإملاءات وأن تنسّق وتتعاون مع لجان الأحياء والقواطع كما حصل في مشروع ترميم البيوت الذي رعتـه النرويجية".

من ناحية ثانية يعرف موعد القاطع الخامس بأنه "قاطع أو حي صفورية، وبمعزل عن اسمه تقيم فيه عشرات العائلات من أهالي البلدات والقرى الفلسطينية الأخـرى.. نحن جـزء من المخيّم وحالنا من حال عموم أهلنا فيه، ولكن الحمدلله الأمور في القاطع ومنذ أربع إلى خمس سنوات مستقرة، وهو أقـل تضرُّراً بالأحداث الأمنية التي تحصل بالمخيم، ونتمنّى أن يعمَّ الأمن في كافـة أرجاء المخيم"، ويضيف: "بحكم محاذاتنا للقاطع السادس، قُمنا بتشكيل لجنة مشتركة مع لجنة حي حطين ولجنة لوبية بالقاطع السادس لتعزيز التواصل، وننسّق معاً لما فيه حفظ الأمن وتحسُّباً لأي خـرق، وكان لنا في اللجنة دورٌ بارزٌ وإيجابيٌ، وواجب علينا بالوقت ذاته تتبـع وحصر الأحداث التي حصلت منذ زمن طرف أهلنا بحي الزيب"، وينوّه إلى أنَّ المسؤولية الأساسيّة في وصول الخلل الأمني لما آل إليه تتحمّلها القوى الفلسطينية، مضيفاً: "هناك فصائل عندها إمكانيات ولكنَّها لا تؤدّي الدور المطلوب رغم امتلاكها الكادر وكافة اللوجستيات، وهناك أموال تُصرَف للقوة الأمنية، بالتأكيد ليس المطلوب ضبط الأمن بنسبة 100%، مع العِلم أنَّ الفصائل تقول إنها تعمل ما بوسعها لكن الأهالي يقولون أنهم لا يرون شيئاً، ويبدون امتعاضهم"، ويزيد: "لا ننسى أنَّ كافة القوى السياسية قدَّمت الدماء دفاعًا عن القضية، إلّا أنَّ الظروف وصلت بنا جميعاً للأسف لهذا الوضع، لذا علينا أن نتوحّد ونلتف حول كلمة واحدة"، ويصنّف أبرز الخروقات الأمنية بـ"إطلاق الرصاص العشوائي في المناسبات والاحتفالات، ومطلقوه في العموم منضوون في الفصائل ومسيسون، إضافةً إلى عمليات الاغتيالات التي عادة ما تُقابَل بردة فعل غير محسوبة، وبدورنا كلجنة حي نتواصل مع الجهات المعنية بحينه للحد من ردات الفعل، لكن وللأسف تدخُّل الأفراد العسكريين يؤزِّم الأمور التي تصل لمستوى الاشتباك المسلَّح، ويدفع الناس ثمنَ ذلك من أرواحهم، وتُلحَق بهم أضرار جسيمة مادية ومعنوية، وبسببها أيضاً بتنا نلحـظ تزايد أعداد المصابين بالسكري، والأعصاب، والتبول اللاإرادي، وحالات هستيرية لدى بعض الأطفال، وفق تقارير عيادات الأونروا في المخيم". ويدرج موعد الاغتيالات وسواها من الأعمال العنيفة بسياق "الاستهدافات الخارجة عن الإرادة الفلسطينية، والتي تطال المخيم كرمز لحق العودة وتهدف لاظهاره كبؤرة أمنية، ومرتع للإرهاب، ولإضعاف الموقف الفلسطيني بمطالبته بالحقوق الإنسانية والمدنية، ولتحريض الآخرين عليه، وبالتالي تصوير الإجراءات حيال الفلسطينيين وفي عين الحلوة بالذات بأنّها محقة، هـذا بوقت لم يُلحِق أهل عين الحلوة وبشكل مباشر أي أذى بالدولة اللبنانية خلال السنوات الست الماضية، ولم يخرج من أبنائه أحدٌ إلى سوريا، بشهادة كافة القوى السياسية اللبنانية".

بدوره يؤكّد مسؤول لجنة حي الطيرة "يحيى حجير" ما سبق بخصوص معاناة أهل المخيمات، ويضيف: "هذه المعاناة غالباً ما تتسبَّب بتداعيات نفسية سلبية في أوساط الشباب الفلسطينيين، وتدفـع العشرات لـ"فش الخلق" باللجوء إلى النرجيلة في الأزقة والزواريب والشوارع الرئيسة أيضاً، فيما يقع آخرون فريسة للمخدرات أو الإصابة بكهرباء في الرأس والهلوسة وفقدان الاتزان أحياناً، ومنهم من يلتحق بالفصائل سعيًا وراء لقمة العيش، وللغاية ذاتها تجـد بعضهم  ضمن هذه المجموعة المسلّحة أو تلك، وعلى حين غفلة وبردة فعل غير محسوبة يجد نفسه مشبوهاً ومطلوبًا للقانون"، وبرأي حجير "هذه الآفات تأتي في سياق سياسة استهداف الفلسطينيين وقضية حق العودة"، ويتابع: "نُدين كافة أعمال القتل والاغتيالات، ونحن مع محاسبة مرتكبيها"، كما يدعـو إلى تكاتف لجان الأحياء والقواطع في المخيّم كافةً والتعاون مع اللجنة الشعبية لضمان توزيع مساعدات مشاريع الجهات المانحة بعدالة من جهة، وبهدف وضع صيَغ موحّدة تحمي وتصون المخيم من جهة أخرى، لأنَّ لجنة الحي أو الحيَّين معاً وربما أكثر قادرة على وضع حـد لتمادي حالة الفلتان التي تودي أحياناً بالأرواح البريئة وتلحق الأضرار الجسيمة في الممتلكات، وعلى القيادة الفلسطينية في المنظمة بذل أقصى جهدها لإيجاد ما أمكن من مشاريع تشغيلية وفُرَص عملٍ لأهل المخيّمات.

 

تدريب أفراد الأمن الفلسطيني استنادًا للمعايير والمعاهدات الدولية الإنسانية

مسؤولـة وحـدة الـدعـم القانوني "آمـال الشهابي" يستوقفها في جانب معاناة أهل المخيّمات المخاوف التي ترُافق الجيل الراهن من الفلسطينيين لعدم وجود مساكن تؤويهم في بيوت أهاليهم التي تضيق أصلاً بساكنيها في غياب متّسع إضافي للبناء في المخيمات، وتزيد: "الفقر المدقـع بات يدفع الشباب صوب جهات التطرُّف، التي ظهرت حديثاً بسبب انعكاس الظروف المحيطة على لبنان، وبالتالي على المخيّمات، وإن كانت لا تزال بحدود حالات فردية، ونستشعر بأن استهدافاً يُحاك ضدَّ أبناء شعبنا الفلسطيني لتهجيره والنيل من حق العودة".

وبخصوص مهام وحـدة الـدعـم القانوني لقوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان تنوِّه إلى أنَّها حديثة العهد، وتأسّست بدعـم من منظمة "نـداء جنيف" السويسرية وبالكاد مضى عليها عامان، بهدف نشر ثقافة القانون الدولي الإنساني لعناصر الشرطة، و"باعتبار أنَّ أفراد الأمن الوطني والقوة الأمنية الفلسطينية المشتركة مصنَّفون بالأساس بخانة المقاتلين، وحيث لا عدو مباشراً، ويعملون في المخيمات المأهولة بالسكان، وعليهم تطبيق واجبات رجل الأمن/الشرطي تجاه المقيمين في المخيّمات، ما يقضي تعريفهم بآليات تأدية واجباتهم الجديدة، ولـذا نقوم في الوحدة القانونية بتدريب الأفراد استنادًا للمعايير والمعاهدات الدولية الإنسانية، وبمقتضى المبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية، وأيضاً مدونة قواعد السلوك للعناصر الأمنية".

وتضيف: "نفَّذنا ما يزيد على 18 دورة تدريبية، شملت ضباطاً وكوادر وعناصر أمن في المخيّمات، بما فيها عين الحلوة، وقد طالت العديد من المواضيع ومنها على سبيل الذكـر (التعريف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحقوق الطفل وحقوق المرأة وحمايتهم بزمن النزاعات المسلّحة، والحفاظ على النظام العام والآداب العامة، وحماية الأبرياء والممتلكات، ومهارة الوساطة والمفاوضات وفض النزاع بدل اللجوء للأساليب العنيفة كالضرب والاعتقال والتعذيب واستخدام السلاح، الخ...)".

وتشير الشهابي إلى أنَّ الكمَّ الكبير لعديد العناصر الأمنية بحاجة لجهد ووقت أكبر للتدريب، والمهارات التدريبية جـديـدة على حياة المقاتلين، علاوةً على التقلُّب المتلاحق في مناخات المخيّمات ما يحول دون توفير الفرص المرجوّة للمضي بوتيرة سريعة في تنفيذ أجندة الوحدة القانونية، وتوجهها بالتالي ولذات الهدف لمؤسسات المجتمع المدني، ومع ذلك تقول: "نلمس حدوث تغييرات بالمنهجية في أوساط الحالات المتدرّبة وإن محدودة، وبعضهم يراجعنا طلباً للمشورة. إلى جانب ذلك أنجزنا في الوحدة القانونية إعـلاناً بالقانون الإنساني، وحظي بتوقيع ومصادقة فصائل المنظمة والتحالف الوطني الفلسطيني في لبنان، وهناك ميثاق شـرف وطني شبيه للأحزاب والتنظيمات الفلسطينية في الوطن"، وتختـم الشهابي بالإشارة إلى أن الوحدة القانونية تعمل أيضاً َعلى رصد الأحـداث ورفـع تقاريـر قانونية موثَّقة بذلك.