تحقيق: محمد مطاوع

أكثرُ من 72 مهنة، يُمنَع الفلسطيني من مزاولتها في لبنان، من بينها العمل كسائق، سواء أكان عبر قيادة سيارة أُجرة، أو باص، أو وسيلة نقل ضمن شركة.لكن، خلالَ تجوِّلك في المخيمات الفلسطينية وفي بعض المدن اللبُنانية، تُصادف سائقي الأُجرة الفلسطينيين. حتى أنّ لهم نقابة... فما هذه المُفارقة؟!

مجلة "القدس" التقت أمين سر نقابة السائقين الفلسطينيين في لبنان ناصر ميعاري، فحدَّثَنا عن واقع السائقين الفلسطينيين في هذا البلد.
ويقول ميعاري: "رغم أنَّ المُشرِّع اللبناني، يمنع الفلسطيني من إصدار رخصة قيادة عمومية، وبالتالي هوَ ممنوع من مزاولة مهنة سائق أُجرة، إلاَّ أنَّ هناك مَن يزاول هذه المهنة برخصة قيادة خصوصية".
ويُشرِّع البابَ أكثر أمام السائق الفلسطيني لمزاولة هذه المهنة السَّماحُ له بامتلاك لوحة سيارة عمومية حيث يقول ميعاري: "بالرغم من أنَّ حق الفلسطيني في امتلاك اللوحة في لبنان، هوَ فقط لاستثمارها أو بيعها، إلاّ أنَّ ذلك قد يُساعده حين يقود سيارة يمتلك لوحتها".
أصلُ الحكاية
يسرد ميعاري الأسباب التي تجعل من المهنة مُزاولةً من قِبَل الفلسطيني في  لبنان، رغم المنع القانوني، فيقول: "مهنة قيادة السيارة، مهنة الفقراء، وبالتالي هي أضعف الإيمان في وقت تقل فيه فُرَص العمل، ونعرف ما يعانيه الفلسطيني في لبنان".
ويُضيف: "في المخيمات، يقل عدد السائقين اللبنانيين، وبالتالي تبرز حاجة لوجود السائقين الفلسطينيين الذين يعملون في بيئتهم".
ويذكر كذلك أنَّ هذه المهنة، قديمة جداً، ويستشهد بآبائه الذين كانوا يعملون على خط: "عكا، حيفا، صور، صيدا، بيروت..." حينَ كان السائق الفلسطيني يقود الناس من وإلى بلده.
أمَّا اليوم فينحصر السائقون الفلسطينيون بمناطقهم في المخيّمات ومحيطها. تليها المدن التي تقع فيها هذه المخيمات، وبشكل خاص، صيدا وصور وطرابلس، في حين يقل عددهم في بقية مناطق الشمال وجبل لبنان والبقاع. بالإضافة إلى عملهم بمحاذاة المخيمات الفلسطينية في بيروت، لا في بيروت الإدارية، حيثُ تكثر التدقيقات الأمنية.
عمومي... خصوصي
يوضح ميعاري أنَّ هناك ثلاثة أنواع من سائقي التاكسي الفلسطينيين في لبنان، جميعهم يمتلكون رخصة خصوصية لمنعهم من استصدار رخصة قيادة عمومية، ولكنَّ الفرق بينهم لجهة السيارة التي يقودونها. فمنهم مَن يعمل على سيارة عمومية يمتلك لوحتها، أو يقود سيارة عمومية مُستأجَرة من فلسطيني أو لبناني... أو أن يكون غير شرعي 100%، ويقود سيارة بلوحة خصوصية! وهذا النوع الثالث، لا ينتسب للنقابة بطبيعة الحال، ولا يُمكن حصر نسبتهم.
حواجز حواجز حواجز
برغم تمكُّن الفلسطيني من مزاولة مهنة قيادة سيارة الأجرة، ضمن أُطُر محدَّدة، إلاّ أنّ الحواجز والتدقيقات تبقى سيّدة الموقف. حيثُ يتعرّض السائق الفلسطيني لتدقيقات أمنية كبيرة، لدى دخوله المخيمات. فهو مُطالَب بالحصول على تصريح من المخابرات كل ستة أشهر. وفي حال انتهاء مدة التصريح، يُمنَع من إدخال السيارة إلى المخيم، ولو كان منزله داخله، لحين إحضاره تجديد التصريح!
أمَّا التدقيقات الأخرى التي تحصل، فهي لناحية التفتيش، "افتح الصندوق"... هذا الحال بالنسبة لسائقين يقودون سياراتهم في الأزقة الضيّقة في المخيمات مزاولين مهنةً بالكاد تؤمِّن قوتهم اليومي، فيقضون نصفَ وقتهم على الحواجز!
المزاجية أم بحسب الحالة؟
صحيح أننا نتكلّم عن تمكُّن السائق الفلسطيني من مزاولة مهنته في لبنان، رغم المنع القانوني، لكنّ ذلك لا يعني أبداً أنهُ في الواقع لا يوجد ضبط لسائقين فلسطينيين، قد يتجاوزون أُطُر المخيمات، أو يقودون في بيروت الإدارية مثلاً، أو في حال حصول حادثة ما، أو اشتباه... "تقوم الدنيا ولا تقعد"، كما يقول ميعاري.
وفي حال المزاجية، أو وقوع السائق الفلسطيني بظرف ما، يُضبَط لأنهُ مخالف ولا يجوز لهُ قيادة سيارة أجرة!، (أي هُنا يعود الجميع لحكم القانون)، فيضطّر السائق لمواربة القانون بوسيلة ما.
الفلسطيني حين يمتلك لوحة عمومية...
يوضح ميعاري أنَّهُ في القانون اللبناني، يحق للفلسطيني امتلاك اللوحة العمومية، إمّا لاستثمارها، فيؤجّرها بمبلغ يتراوح بين 150 و200دولار، أو لبيعها، ليصل سعرها في بعض الأحيان إلى 30 ألف دولار.
وقد كان الفلسطيني في حال امتلاكه لوحة قيادة عمومية ملزماً بدفع كافة الرسوم للضمان الصحي اللبناني الذي من المفترَض أن يقدّم لهُ كمالك لوحة الخدمات الصحية لقاء هذه الرسوم، لكن لاستحالة ذلك، بقي مالك اللوحة الفلسطيني يدفع الرسوم ولا يستفيد شيئاً، حتى العام 2009، إذ صارَ بإمكانه تقديم طلب عفو من دفع رسوم الضمان.
أمّا في حال تأجير اللوحة للبناني، يُريد الاستفادة من هذا الضمان، فيتم الاتفاق بين المالِك والمستأجِر، لأنَّه في جميع الأحوال لا يستفيد من التقديمات، إلا اللبناني.
نقابة السائقين الفلسطينيين في لبنان و1800 مُنتسِب
في العام 2007، بدأ عمل نقابة السائقين الفلسطينيين في لبنان، وأخذت دورها الفاعل بدءاً من العام 2010، وهي تتبع الاتحاد العام لنقابات عمّال فلسطين فرع لبنان، تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
ويُشير ميعاري إلى أنَّ النقابة تُصدر بطاقات انتساب لأعضائها، "الذين يُقدَّرون بـ1800 شخص، من بين نحو 2500 سائق تاكسي فلسطيني في لبنان"، لافتاً إلى أنَّ "النقابة تعدُّ مرجعية لحل مشاكل السائقين، وتؤمِّن حسماً بنسبة 50% على الخدمات الصحية الأولية والمعاينة في مؤسسات الهلال الأحمر الفلسطيني".
هذا وتتوزّع النقابة على سبع مناطق تنظيمية في لبنان، وهي: بيروت، والبقاع، والشمال، والجبل، وصيدا، وصور والزهراني.
ويشير ميعاري إلى أنَّ التواصل بين النقابة والسائقين الموجودين في المخيمات الفلسطينية، أقوى منهُ لدى السائقين الموجودين خارج المُخيمات، وذلك لسهولة التواصل لوجستياً مع الفئة الأولى، لافتاً لوجود لجان للنقابة في كافة المناطق على الأراضي اللبنانية والمخيمات.
كذلك تُنسِّق نقابة السائقين الفلسطينيين، مع نقابة السائقين اللُبنانيين على مستوى لبنان ككل، ضمن اتحاد النقل البرِّي اللبناني.
أمّا عن المواقف الخاصة للسائقين الفلسطينيين، فيقول ميعاري إنهُ عملَ على الموضوع في السنوات الماضية، حيثُ كان هناك مواقف داخل المخيمات، خاصةً في عين الحلوة، لكنّ اليوم لا توجد مواقف للسائقين الفلسطينيين.
لي سيارتي ولك سيارتك...
لا يُشكّل المقود الفلسطيني خطراً على السائق اللبناني، فلهُ مجاله وجغرافية تحركه. 2500 سائق فلسطيني لا يؤثّرون كما يقول ميعاري على السائق اللبناني.
ففي لبنان، يوجد أكثر من 33 ألف سيارة أجرة، وأكثر من 10 آلاف باص نقل داخلي، وبالتالي فإنّ نسبة السائقين الفلسطينيين لا تتجاوز 5% من مجموع السائقين في لبنان.
من جهة أخرى يحذِّر ميعاري من ظاهرة "شبّيحة الخط" ممَّن يستغلون مهنة القيادة للسرقة أو التحرُّش وغيرها... وأكثرهم من سائقي السيارات الخصوصية، مؤكّداً أنَّ النقابة تُحارب هذه الظاهرة، بتوضيح المعلومات المُرفقة على بطاقة الانتساب، كالعنوان ورقم الهاتف. وأنَّ المسؤولية جماعية، بالنسبة لمُحاربة السائقين غير المُسجَّلين وغير الشرعيين.
مهنة "قوت ولا تموت"
لينا (20 عاماً)، إحدى الراكبات في سيارة الفلسطيني أبو محمود (62 عاماً) تقول: "لا أؤمِّن لأي أحد، ولا أذهب إلى عين الحلوة، إلا مع سائق من المخيم. وبشكل خاص مَن يمتلك سيارة عمومية".
"عين الحلوة؟" هوَ السؤال الذي يسألهُ البعض ونحنُ بمرافقة أبو محمود... وأبو محمود سائق، يدور صيدا مراراً وتكراراً، من أجل ألفَي ليرة لبنانية!
بعضُ الركّاب، يعرفون أنّ ذلك السائق فلسطيني، وبأنَّ ذاك هوَ خط المخيم... والسائق يعرفهم، فيتوقّف لهم تلقائياً... أمَّا في ما يخص المهنة المُتعبة، فيقول أبو محمود: "هي مهنة قوت ولا تموت... غلاء أسعار، والبلد نار! وأنا كالشحَّاذ، لكنّ الفارق، أنّ الشحّاذ يمد يده إلى الأمام، وأنا أمدها إلى الخلف لأحصل على أجرة بسيطة".
وفيما يُفضّل البعض المشي أحياناً، بدلاً من دفع أجرة التاكسي، والبعض "يُحارِج" كي يدفع ألف ليرة فقط، يقول سائق التاكسي أسامة (27 عاماً) من مخيم عين الحلوة: "عملتُ كدهّان، وفي كافتيريا، وها أناَ أعمل (على الخط)، لكن لا أعلم إلى متى سأتمكّن من الاستمرار، خاصة أنّ يوميّتي إن تراكمت الشهر بأكمله، بالكاد تكفي أجرة السيارة، وثمن البنزين!"
إلى متى؟
إلى متى يبقى عمل الفلسطيني مُغمّساً بالدم؟ متى يعي القانون اللبناني أنّ الفلسطيني إنسان؟ وسيبقى في لبنان، إلى أن تتحرَّر بلده. وبأنّهُ يجب أن يعيش، لا يقدر إلا أن يعيش... فهل مهنة سائق الأُجرة والألفَي ليرة كثيرة على الفلسطيني ليُمنَع من إصدار رخصة قيادة عمومية؟!
ورغم ذلك قارع الفلسطيني لممارسة مهنته وأسّسَ نقابته للسائقين، لكن يبقى هناكَ فارق، بين أن تأخذ حقك، لأنَّ ذلك مشروع لك... وأن تحاول وتُقارع، وتتحايل أحياناً، لتنتزعَ حقاً، في أي لحظة يُسلَب منك وتعيش تحتَ رحمة هذا وذاك!