تحقيق- سمية الجرشي

دعماً لمشروع مساعدة المبادرات المحليّة لدعم الأطفال والشباب الفلسطيني في مخيّمات لبنان حول: التدريب المهني، والتعليم غير الرسمي، والنشاطات الثقافية، وحرصاً على حماية فئتَي الأطفال والشباب من المخاطر المعاصرة التي باتت تتهدّدهم، ارتأى الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية واللجنة الأوروبية إنشاء مركز يحتوي هاتين الفئتين. وبعد استشارة مجموعة من شباب المخيم حول المشروع بدأ الشريكان بالعمل على تطوير الفكرة، فكان إنشاء مركز القدس للشباب في مخيّم الرشيدية جنوب لبنان.


نشأة المركز وأقسامه
في كانون الثاني عام 2005 تم تجهيز المركز وتشكيل فريق العمل، وكان الافتتاح في آذار عام 2006. وقد بات مركز القدس للشباب اليوم يضم عدداً كبيراً من أطفال المخيم تترواح أعمارهم ما بين 7 أعوام إلى 21 عاماً، يتوزّعون على أقسام عمل المركز الخمسة، وهي:
-القسم الثقافي: ينظِّم صفوفاً للموسيقى والمسرحيات والمحاضرات الفنية والفنون التشكيلية، إضافة إلى محاضرات في الكتابة الإبداعية، وعرض أفلام وصنوف أخرى من النشاطات الفنية والثقافية.
-قسم المطالعة: وهو عبارة عن مكتبة المركز، إذ يحتوي على مصادر عامة وتشكيلة واسعة من الكتب والمجلات والصحف.
-قسم الانترنت: قسم مجهّز بالعديد من أجهزة الكومبيوتر المتّصلة بشبكة الانترنت، وينظّم هذا القسم محاضرات متنوعة للمبتدئين وللمتقدمين في مجال الكمبيوتر ومحاضرات تدريبية في مجال الانترنت.
-قسم الرياضية: يتم فيه تنظيم التدريبات الرياضية والمباريات ضمن قاعات المركز، حيثُ تنظَّم النشاطات الداخلية داخل القاعة الرياضية الواسعة وتشمل لعب الهوكي والبلياردو، أمَّا النشاطات الخارجية فتُنظَّم على ملعب المركز وتشمل كرة الطائرة وكرة السلة وكرة القدم.
-قسم التعليم: تُنظَّم فيه دروس تقوية لطلاب المرحلة الابتدائية، بالإضافة لدورات تقوية صيفية في اللغة الانكليزية لطلاب المدارس، وبرنامج التدعيم الدراسي لطلاب المرحلة الابتدائية.
برامج تربوية وأنشطة ثقافية وخدمات اجتماعية متنوعة
ضمن أقسامه الخمسة ينفّذ مركز القدس للشباب برامج ونشاطات ثقافية واجتماعية وتربوية متعدّدة وهادفة؛ من أبرزها:
برنامج التدعيم الدراسي
منذ العام 2006 يعمل المركز بتمويل من اليونسيف على برنامج التدعيم الدراسي لصفوف المرحلة الابتدائية. وفي هذا الصدد يقول العامل الاجتماعي في المركز عبدالهادي المحمد: "تدريس الطلاب في المركز يتم على أيدي خرِّيجين جامعيين خضعوا لدورات تدريبية مع اليونسيف ومع مؤسسات أخرى، ما زوّدهم بالخبرات اللازمة ليصبحوا قادرين على التعامل بشكل أفضل مع الطلاب".
ويضيف المحمد: "لا نكتفي في المركز بتدريس الطلاب فقط، بل إن الأساتذة يتابعون الطلاب ذوي المستويات المتدنية، فبعض الحالات تتم متابعتها لمدة شهر أو شهرين إلى أن يصبح الطالب بمستوى زملائه في الصف، وإلى الآن يمكننا القول بأن النتائج مرضية".
مشروع العودة إلى المدارس (Back to School)
يعمل المركز حالياً بالتنسيق مع مؤسسات اليونسيف و(UNERA) على مشروع العودة إلى المدارس، والذي بدأ العمل به من تاريخ 20 أيلول 2016 بهدف إعادة الطلاب المتسرّبين إلى مقاعد الدراسة.
ويؤكد منسّق المشروع في المركز جمال دياب أنَّ "المركز نجح في إعادة عدد من الطلاب المتسربين إلى مقاعد الدراسة، فهناك نحو 10 حالات التحقت بمدارس الأونروا".
ويضيف دياب: "بعض الحالات لم تستطع الالتحاق بمدارس الأونروا لسبب من الأسباب، فالتحقوا فيما بعد بمدارس رسمية، هذا بالإضافة إلى التحاق 10 حالات في برنامج الأنشطة النسائية في المخيم، وهناك نحو 28 حالة من المتسربين سيلتحقون في الأيام القادمة ببرنامج تعليمي معجل وهو عبارة عن دورة تعليمية مكثّفة تستمر لمدة ثلاثة أشهر حتى يتمكنوا بعد ذلك من الالتحاق بالمدارس، وذلك بحسب العلامات التي يحصلون عليها في نهاية الدورة التعليمية. أمَّا بالنسبة للذين لم يحالفهم الحظ بالعودة إلى مقاعد الدراسة بسبب ظروف خاصة بهم، فسيتم إلحاقهم بدورات مهنية تدريبية مكثَّفة مجانية في المركز ليتم تمكينهم حتى يصبحوا أشخاصاً منتجين في المجتمع."
أنشطة المهارات الحياتية
ينفّذ المركز نشاطاً يتعلّق بالمهارات الحياتية ضمن برنامج مقدَّم من مؤسسة (Right to Play)، ويقوم بتنفيذه والإشراف عليه فريقٌ من المدرّبين الشباب. ويهدف البرنامج إلى تعليم الأطفال مهارات حياتية متنوعة عن طريق ألعاب رياضية يشترك فيها الأطفال بحيث يتعلّمون من كل لعبة مهارة حياتية معيّنة.
أنشطة فنية وثقافية
للنشاطات الفنية الثقافية في مركز القدس أهمية كبرى، وأبرز انجازاتها تشكيل فرق الدبكة التي تؤدي في كل مناسبة لوحات فنية راقصة متنوعة. وفي هذا السياق يقول المدرب محمد دياب: "الفرقة الأولى في المركز انطلقت في العام 2013، وكانت عبارة عن مجموعة صغيرة من أطفال المركز إلى أن وصل عددها الآن إلى 23 طفلاً وطفلة تدرَّبوا على رقصات فلسطينية فلكلورية ورقصات مسرحية مختلفة، وفي بداية هذه السنة بدأ العمل على تدريب مجموعة جديدة من الأطفال تضم نحو 18 طفلاً وطفلة."
ويضيف دياب: "تُعدُّ الفرقة انجازاً هامّاً للمركز حيث تم تدريب الأطفال على رقصات فلسطينية فلكلورية  ورقصات ضمن الإطار الايحائي، كما يتم العمل على الدمج ما بين رقصات قديمة وحديثة. مع الإشارة إلى أنَّ نشاط الفرقة لم يعد يقتصر على المشاركة في إحياء المناسبات المختلفة داخل مخيم الرشيدية فقط، بل إن نطاقها توسّع إلى خارج المخيم، وأصبح اكثر انتشاراً، وآخر حفل للفرقة كان في مدينة صيدا، وفي الأيام المقبلة سيكون لها عمل مشترك مع فرقة التراث اللبناني في مدينة صيدا، وهو ما يعدُّ نقلةً نوعية للفرقة."
ومن النشاطات الثقافية الفنية التي يقوم بها المركز أيضاً إعادة تدوير النفايات لأشياء يمكن إعادة استخدامها. كما يشارك المركز بإحياء كافة المناسبات الوطنية الفلسطينية ويقوم بنشاطات ترفيهية واجتماعية متعددة.
وفما يتعلق بالخدمات التي يقدِّمها المركز للمخيّم يقول المدرِّب في المركز محمد دياب: "لم يتوقَّف مركز القدس يوماً عن تقديم الخدمات لأهالي المخيم، فهناك برنامج التدعيم الدراسي الذي يُساعد عدداً كبيراً من طلاب المخيّم بشكل مجاني، وملعب المركز مفتوح أمام شباب المخيم معظم الوقت ليستفيدوا منه، كما أنَّ كل المراكز في المخيم يمكنها أن تستفيد منه في إقامة أنشطة لأطفالنا، هذا بالإضافة إلى برنامج العودة إلى المدارس الذي تمّت من خلاله مساعدة أعداد هائلة من أطفال المخيم المتسربين بالعودة إلى مدارسهم".
بدوره يقول مدير مركز القدس للشباب محمد شناعة: "المركز يعمل منذ افتتاحه بالتنسيق مع مؤسسات مختلفة على تنظيم برامج متنوعة تستهدف كافة الأطفال المنتسبين للمركز بحسب فئاتهم العمرية، كما تتم متابعة الأطفال نفسياً واجتماعياً من خلال المعالجة النفسية والنشاطات المتنوّعة التي تنفّذها الأخصائيّة النفسية مرفت أمين".
المركز مستمر في تحقيق الانجازات
يوماً بعد يوم يحقِّق مركز القدس للشباب انجازات ونجاحات متنوعة ولو كانت بسيطة، ويعتبر محمد شناعة "أنَّ الانجاز الأهم الذي حقَّقه المركز هو أنَّه أصبح يستقطب اليوم أكبر عدد من شباب وأطفال المخيم، لكي يكونوا في مكان آمن بعيداً عن المخاطر التي قد تتهددهم في أماكن لا رقابة فيها".
هذا بالاضافة إلى الانجازات التي يحقّقها المركز باستمرار في مجال التدعيم الدراسي حيثُ يقول عبدالهادي محمد: "نحو 30% من الطلاب كانوا في مستويات دراسية متدنية، وبعد متابعتهم من قِبَل المدرسين في المركز لمدة شهر او شهرين تحسّنت نتيجتهم وتمكّن قسم كبير منهم من النجاح، بل وسُجّلت منهم حالات تفوق في مدارسهم".
المشاريع والخطط المستقبلية
فيما يتعلَّق بالخطة المستقبلية للمركز يقول شناعة: "يتم العمل في الوقت الحالي مع مؤسسة (UNERA) ومنظمة اليونيسف على تنظيم دورة تدريبية مهنية مكثّفة مجانية، تستهدف شباب وشابات متسرّبين من المدارس ضمن مخيم الرشيدية من عمر 14 وحتى 24 عاماً، لتدريبهم على مهن مختلفة من اختيارهم ليعملوا بها في المستقبل، وذلك بهدف تمكينهم مهنياً واقتصادياً حتى يصبحوا اشخاصاً فاعلين وناجحين في المجتمع بحيث يصبح لديهم استقلالية، ويكونوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم".
ويضيف شناعة: "كما يتم العمل أيضاً لاستحداث برامج تهتم بالشباب والأطفال بشكل أفضل، بحيث تكون قادرة على استقطاب الشباب ليكون المركز مكاناً آمناً لهم ومتنفّساً بعيداً عن ضغوط الحياة التي يعيشونها في المخيم، بدلاً من أن يقضوا أوقات فراغهم في المقاهي أو في اماكن اخرى لا يستفيدون من وجودهم فيها".