خاص مجلة القدس العدد 330 ايلول 2016
تحقيق- مصطفى ابو حرب


عيد الأضحى كادَ أن يتحوّل إلى مجزرة في مخيّم البداوي لولا تدخل العناية الإلهية. قطوعٌ صعبٌ مرَّ عليه، إلّا أنَّ المخيّم تجاوزهُ بحكمة القيادة ووعي الأهالي الذين لم يرد أيٌّ منهم أن تتكرَّر مأساة مخيّم نهر البارد في مخيم البداوي.

حدث فردي عابر.. وعلاقتنا مع الجيش اللبناني ممتازة
شهدَ ثالث أيام عيد الأضحى المبارَك إشكالاً وقعَ عند طرف مخيّم البداوي، وحول تفاصيل ما جرى يقول أمين سر حركة "فتح" في الشمال أبو جهاد فيّاض لمجلة "القدس": "حصلَ الإشكال في مطعم الـ(Five Stars) بين شبّان من مخيّم البداوي وشبّان لبنانيين يعملون في المطعم، ما أدّى إلى إصابة أحد أبناء المخيّم جرّاء إطلاق النار عليه، وبدوره قام برمي قنبلة ما استدعى تدخُّل الجيش اللبناني حيث عمِلَ على فضِّ الإشكال، وبعدها انتشرَ حول المخيّم، ووضعَ حواجز على كافة مداخل المخيم، وطالب بتسليم المتسبِّبين في الإشكال".
ويضيف "على أثر ما حدث اجتمعت قيادة الفصائل الفلسطينية، وشكَّلت قوةً ميدانيّةً انتشرت داخل المخيم قوامها ستون عنصراً، وطلبَت إلى عائلات المطلوبين تسليم أبنائهم لأنهم يعرِّضون أمن المخيّم الذي يضمُّ بين جنباته نحو أربعين ألف نسمة من فلسطينيين وسوريين ولبنانيين للخطر، وأثمرت الجهود تسليم اثنين من المطلوبين في اليوم الأول وآخرين في اليوم الثاني للإشكال".
وعن كيفية تعاطي القيادة مركزيّاً مع هذا الموضوع وتداعياته يقول فيّاض: "حضرَ قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب إلى المنطقة برفقة مسؤول الاستخبارات  في الأمن الوطني العميد بهاء شاتيلا، وعقدَ اجتماعاً مع لجنة القيادة اليوميّة لحركة "فتح" في الشمال، واطَّلع  منها على الأوضاع، ثم اتصلَ بمدير مخابرات الجيش اللبناني في الشمال العميد كرم مراد، وقام بزيارته برفقة أعضاء من قيادة الحركة، وكان اللقاء إيجابيّاً وعدَ خلاله العميد مراد بتخفيف الإجراءات الأمنية على أن يجري العمل على تسليم المطلوب شادي الخطيب لاحقاً، وأعطانا وقتاً لترتيب التسليم بدون اللجوء إلى استخدام القوة. كما التقى اللواء أبو عرب فصائلَ المقاومة في الشمال، وتمَّ الاتفاق على ضبط الوضع الأمني داخل المخيم، وتسليم أي شخص يشكِّل خطراً على الأمن اللبناني".
وحول الوضع الأمني في مخيّم البداوي يقول فيّاض مُطمئِناً الأهالي "الإشكال كان أزمةً عابرةً ولن تتكرّر لأنّها حادث فردي لن يُبنَى عليه، وقد يحصل في أي منطقة في لبنان طالما هناك سلاح متفلّت، لكن العلاقة مع الاخوة اللبنانيين ومع الجيش اللبناني أكثر من جيّدة ومميّزة وسوف تبقى على هذا الحال، وقيادتنا متوافقة على التعاون والتنسيق لحماية أمن المخيمات لأنه جزءٌ من أمن لبنان، ولن نرضى أن يتحوّل أي مخيّم إلى خنجر في خاصرة لبنان الأمنية، ولن نسمح لأي إرهابي أن يتّخذ من مخيّم البداوي ملجأً له معرِّضاً أمنَ لبنان للخطر".
وأكّد فيّاض أنَّ العمل جارٍ على متابعة ملف المطلوب شادي الخطيب مُردفاً "نتعامل مع هذا الملف بهدوء ورويّة، ونتشاور مع الجيش حول آلية تسليمه، وكيفية التعامل مع ملفّه، ونحن لن نسمح لا لشادي ولا لغيره بأن يتَّخِذ من المخيم ملاذاً ليختبّئ فيه، ويتعرَّض لأمن لبنان بالتهديد أو الخطر".
وعن مواجهة التحديات الداخلية في المخيّم يقول فيّاض: "يجب تفعيل دور القوّة الأمنية المشتركة من كل الفصائل ودعمها ماديّاً ومعنويّاً ولوجستيًّا كي تأخذَ دورها وتقومَ بحمايةِ أمن المخيّم مِن كلِّ مَن تسوِّل له نفسه الإضرار بالأهالي، وحفظِ الأمن المجتمعي للمخيم والجوار، ومحاسبةِ كلِّ مُخِلٍّ على حسب خطئه، ونحن سنحاسب كلَّ مسيء، وسنُسلِّم كلَّ شخصٍ يرتكب أموراً جرمية للجهات الأمنية المختصّة لأنّه لا يجوز التهاون بأمن الأهالي الذي هو أمانة في أعناقنا جميعاً".
علاقتنا بلبنان شعباً وجيشاً قائمةٌ على المحبّة والاحترام
عاشَ أهالي البداوي حالةً من الخوف والترقُّب على مدى الأيام التي شهدت توتُّراً، كما يروي كمال عطور "أبو حسن"، وهو أحد فعاليات مخيم البداوي، إذ يقول: "لقد كنا في حالة يُرثَى لها، وهناك عائلات عديدة جهّزت أوراقها وهيَّأت نفسها للرحيل خوفاً من أن تتأزّم الأمور ويحصل في البداوي ما حصل في مخيّم نهر البارد".
ويضيف: "أهل مخيّم البداوي على علاقة جيدة مع الجوار اللبناني ولا يوجد عداء ضد الجيش اللبناني، ولكن ما حصل كان مفاجئاً للجميع ولا يعبّر عن وجهة نظر أهالي المخيم. ونحن نقول بأنَّ على فصائل المقاومة أن تقوم بواجبها تجاه أهالي المخيم، وذلك بتفعيل القوة الأمنية لكي تحفظ أمن الاهالي، وتردع المخلّين بالأمن وكلَّ مَن تسول له نفسه العبث بأمن المخيم".
ويتابع "مررنا بثلاثة أيّام شلَّت كل مناحي الحياة في المخيّم، فلم نعد نستطيع الخروج خوفاً من أن نكون مطلوبين بدون أن ندري، فالجيش أوقف العديد من الأشخاص لأسباب عديدة منها عدم حمل هوية أو بسبب وجود ضبط سير وخلافه. كذلك فإنَّ الاخوة المهجّرين من مخيمات سوريا لم يخرجوا من المخيم خوفاً من اعتقالهم لعدم حيازتهم إقامات شرعية، وبذلك تجمّدت الحركة داخل زواريب المخيم لثلاثة ايام، ولكن بعد تسليم المطلوبين المتسبِّبين بالحادث للجيش انفرجت الأمور، وارتاح الأهالي لأنَّ المطلب الأول هو أن تأخذ الفصائل دورها في الضرب بيد من حديد على يد كل مخلٍّ بالأمن وتسليمه للجهات الأمنية المختصة. واليوم بعد انتهاء الأزمة لا بدَّ أن تستمر الإجراءات الأمنية داخل المخيّم من قِبَل اللجنة الأمنية لمحاسبة كلِّ مسيء، ولتفويت الفرصة على المتربّصين بأمن المخيم".
وبدوره يؤكّد نادر الشعبي من مخيّم البداوي أنَّ الأمور اتّجهت نحو الأفضل بعد تسليم المطلوبين، ويقول: "مثل هذه الإشكالات يجب ألَّا تتكرَّر لأنَّ بوصلتنا فلسطين، وعدونا واحدٌ ومشترَك هو الصهيوني المحتل لأرضنا فلسطين".
ويضيف "لا يجوز أن نكون نحن وعائلاتنا تحت رحمة أشخاص لا يراعون الأعراف والأخلاق الفلسطينية، ولن نقبل بأن يكون المخيم مهدّداً بسبب بضعة أفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، وعلى الجهات الأمنية في المخيّم أخذ المبادرة لإلقاء القبض ومحاسبة كلّ من تسوّل له نفسه العبث بأمن الناس، فلم يعد من المسموح أن يُروَّع الأطفال والنساء والشيوخ. لقد مررنا بثلاثة أيام صعبة، والجميع في المخيم لا يكنون إلا الاحترام للجوار اللبناني وللجيش اللبناني، وهناك حارةٌ كلُّ سكانها من الاخوة اللبنانيين، وتربطنا بهم علاقة مصاهرة، وعمر إقامتهم بجوارنا من عمر إنشاء المخيم، وعلاقتنا بهم أخوية لا تشوبها شائبة".
أمَّا خليل جابر "أبو صالح"، وهو رب أسرة يقطن مخيّم البداوي، فيقول: "مخيّم البداوي الذي استضافَ كل اللّجوء الفلسطيني في لبنان، والذي باتَ عدد سكانه يتجاوز الأربعين ألف نسمة يجب أن لا يكون عُرضةً لأي هزّة أمنيّة، والذي حصل لم يكن متوقّعاً، ولكن على الجميع تحمٌّل مسؤولياتهم ابتداءً من البيت وصولاً إلى العلاقة بين الأفراد في الشارع. نحن لا يوجد بيننا وبين الجيش اللبناني إلا كل الاحترام، ومن الجيّد أنَّ سوء التفاهم قد حُل، ونؤكّد أنّنا مطمئنون كثيراً للجيش اللبناني وكيفما تنقّلنا في لبنان لا أحد يزعجنا"، ويستدرك "لكن الوضع اليوم تغيّر في المخيم، فهناك مخدرات وإدمان وخروج عن العادات والتقاليد الفلسطينية التي تربّينا عليها، لذا علينا أن نتحمّل مسؤولياتنا ونحاسب أولادنا قبل أن يحاسبهم غيرنا، فأنتَ حين تقسو على ابنك او أخيك فذلك أسهل من أن ترى الغريب يحاسبه. من جهتي لن أُبرِّئ أحداً، فالكل مسؤول عن حالة التردي التي وصلنا إليها والفصائل تتهرّب من تحمُّل المسؤولية وهناك تحريض ومحاولات لضرب العلاقة الفلسطينية مع الجوار اللبناني ممَّن لا يريدون الخير للشعبَين".

كغمامة صيف لم يلبث التوتر في مخيّم البداوي أن زال لتعود الأمور إلى حالها. أزمةٌ لم يكن المخيّم ليتجاوزها لولا الحكمة والحزم لدى قيادة الفصائل الفلسطينية والتجاوب والوعي من قِبَل الأهالي، ليؤكّد الفلسطينيون مرة أخرى بالإجماع أنّهم لن يكونوا يوماً إلا داعمين وحريصين على سلامة وأمن لبنان كحرصهم على سلامة وأمن المخيمات.