بقلم: محمد سعيــد

كانت المرأة الفلسطينية منذ بداية النكبة وما زالت الى اليوم، شريكة الرجل الفلسطيني، ومؤازرة له في نضاله ضد الهجمة الاحتلالية لأرض فلسطين، وقدمت في سبيل ذلك التضحيات الجسام من فلذات أكبادها وروحها، ووقوعها في غياهب المعتقلات الاسرائيلية، فقضت سنوات وسنوات خلف القضبان. هناك اليوم العديد من المناضلات اللواتي يقبعن في الزنازين ويسطّرن بتحديّهن للاحتلال أروع آيات المكابرة والنضال في وجه هذا العدو الغاشم. لم تكن المرأة الفلسطينية التي تتعاطى في الشأن الادبي بعيدة من تقديم الواجب الوطني، وخدمة القضية، من خلال الاعمال الادبية التي برزت فيها على هذا الصعيد، إن من خلال الشعر أو القصة أو الرواية، فمنذ الاربعينيات، ساهمت سميرة عزام بكتاباتها الوجدانية والشعرية والقصصية في هذا المجال، من داخل الوطن المحتل وخارجه بعد العام 48 حيث تنقلّت بين بغداد وبيروت وقبرص، وتعرّفت عن كثب على معاناة اللاجئين الفلسطينيين ومآسيهم ما انعكس ذلك بصورة جليّة في كتاباتها الادبية، وأدت دوراً كبيراً في مساهماتها من خلال  نقل العديد من الاعمال الادبية من الانجليزية الى العربية، وهي من أوائل من كتب في القصة القصيرة، وأبرزت دور المقاومة الوطنية في حياة الفلسطينيين في مرحلتين. الأولى: شملت المقاومة قبل النكبة، أما المرحلة الثانية فقد احتوت على آلام الفلسطينيين في المنافي بعد النكبة، وكذلك فعلت الاديبة والشاعرة سلمى خضراء الجيوسي من خلال أبحاثها ونقدها وشعرها. واستطاعت الروائيات الفلسطينيات في السنوات الأخيرة أن تسجل دورا لافتا لهنّ في هذا المجال الادبي، الا ان الواقع السياسي، واضطراب الحياة الاجتماعية، وعدم الاستقرار والتواصل، أثّر على هذه الاصوات وأبعدها عن دائرة الاهتمام، وما تقدّمه في مجال القصة والرواية والشعر أمثال:حنان عواد، سهام عارضة، حزمة حبايب، نداء الخوري، اللواتي برز في أعمالهنّ نضوج سياسي واجتماعي ومقدرات ابداعية مع تميّز كلٍّ منهنّ بحسب الظروف الخاصة بهنّ التي أثّرت على تجاربهنّ وتفاعلاتهنّ المتصادمة مع واقع الاحتلال بشكل أو بآخر.
فارتبط اسم بعضهنّ بمقاومة الاحتلال في الداخل، كأعمال سهام عارضة في، (مذكرات سجين، البيت الابيض)، أو في معايشة الثورة من داخلها أثناء تواجدها في المنفى ككتابات ليانة بدر في، (شرفة على الفاكهاني، نجوم أريحا)، أو من خلال المعايشة مع ظروف الفلسطينيين من داخل الوطن كروايات سحر خليفة، (الصبار، عباد الشمس، باب الساحة)، أو رواية مي صايغ، (بانتظار القمر)، بعد كتابتها للشعر مطوّلاً. وهناك بعض الروايات التي دمجت الواقع الاجتماعي والتاريخي للفلسطينيين مع احداث الحرب الجارية على أرض فلسطين كروايات ليلى الاطرش في المجموعة القصصية، (يوم عادي)، ورواية، (امرأة للفصول الخمسة) التي سلّطت فيها الضوء على الشتات الفلسطيني وواقع العائلات المتشظي، وكذلك  كتبت في، (ليلتان وظل امرأة).
أما الشاعرة المرموقة فدوى طوقان، فقد عانت من واقع اجتماعي متزمّت يضع العراقيل أمام تطلّعات المرأة وإقدامِها ومشاركتها في حمل راية النضال في مواجهة العدو الاسرائيلي ما انعكس على دورها كشاعرة رائدة بعدما تغلّبت على هذه الصعاب ورسمت لها دوراً في انتفاضة الشعب الفلسطيني لا يقل أهمية عن دور المنخرطين في ساحات المعارك، فوجدت في الشعر الحماسي دافقاً مهماً وقوياً في تعزيز الصمود في المعركة. صحيح ان المشروع الثقافي النسوي يصطدم بالموروث الاجتماعي خصوصاً ما تعانيه الاقلام الجديدة التي تعترضها معوّقات كثيرة كلما حاولت هذه الاقلام ان تسرد معاناة المرأة بوضوح فيظهر الضغط الناجم عن تأثير الرقيب العائلي والذاتي، وخاصة اذا كانت هذه الاقلام محاصرة بذكورية تسلطيّة تحدّ من انطلاقها، ناهيك بثقافة بعض الشرائح في المجتمع العشائري او  بثقافة سياسية معينة. وهنا تبرز الحاجة الى مؤسسات فكرية وثقافية وادبية الى اي جهة انتمت من الاطياف السياسية والقوى المختلفة في المجتمع الفلسطيني الحاضن والداعم لهذه الاقلام على كافة الصعد حتى يتوفر مناخ حرّ لانطلاق المواهب الابداعية.
ان تجارب الاديبات المعتقلات في السجون الاسرائيلية أو المستشهدات أو المنخرطات في صفوف المناضلين كرواية، (أحلام بالحرية) لعائشة عودة، وغيرها من السجينات المبدعات اسهمت في فضح ممارسات التعذيب النفسي والجسدي للمرأة الفلسطينية، وما يتعرضن له من أبعاد نفسية واجتماعية ووطنية، واثر هذا الواقع على العمل الابداعي النسائي كجزء من حركة تحرر وطني، وكتجارب تعكس واقع الاحتلال ومحاولات هذا المحتل كسر روح المقاومة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني عن طريق استخدام أبشع انواع التعذيب بحق المسجونين والتي تضغط باتجاه ان يتخلى الانسان الفلسطيني عن وجدانه وكرامته وتاريخه وتراثه من خلال اعادة كتابة التجربة بالكلمات والصور كعمل توثيقي لهذا الواقع المؤلم والقدرة على العيش والصمود في وجه الآخر، وفهم الواقع بكل تركيباته وتناقضاته، ومن أجل ذلك على الحركة الوطنية ان تتحرك متخذة من هذه الاعمال وثائق تدين العدو، فتقوم بموقف داعم ومناهض لهذه الأعمال داخل المعتقلات لمقاضاته كمجرم حرب بسبب ما يقوم به ضد السجينات وكذلك على أن تقوم السجينات الاديبات بتوثيق تجاربهنّ مهما كانت لكشف المكبوت من هذه الاعمال.