كالأفاعي الخائبة، التي تقدح أنيابها في العتمة؛ يطاردالغزاة الغاشمون أطفالنا. يرشقون أجسادهم الطرية بالنار، فيما قلوب الصغار، تخبئ الحبالفائض أنهاراً، وترى الأمل من ثقوب أحدثتها الغارات في الجدران!

إنهم لا يستحون. يسعدهم كثيراً أن يكونوا أفاعي تتلمظوتتلوى بحقد، ثم تهجم عطشى وجوعى للدم ولأكباد البشر. والأطفال في بلادنا، ساهرون يُصغونالى أنين أقرانهم الذين أصيبوا في حريق الليلة السابقة، أو في أحد المساءات التي تثقبهاحفّارات تطير، وتقذف بحِممها لكي تُطيح بالأبنية، !

الغزاة الغاشمون يقتلون البلابل. وأطفالنا، متشبثونبالحياة على الرغم من رطوبة الظلال. توّاقون هم الى العُلى. فقاطرة العيش لا تنتظرالنائم في محطة الآمال. هذا هو سبب قتلهم، لأن كل عوالم النسيان، لن تبتلع لحظة ذكرىأنتجت حقداً في قلوبهم!

الغاشمون الذين يقتلون البلابل، يؤسسون لحرب المئة عامأو مئتين، فيما هم يظنون، أنهم يحققون أمنهم. جدران الهوان وبؤس الحال في أمتنا، تتداعى،وستنفتح عاجلاً أم آجلاً، على مهاجع أطفالنا وحاضنة آمالنا وذاكرتنا. لن نمكث طويلاًفي قفص الحصار، تفصلنا السدود والجدران والحسابات والسياسات، عن تيار أمة كبيرة جعلهاحاكموها الذين اهترأت مناديلهم لفرط التلويح براية «السلام»؛ تألم وتمتلىء إحساساًبالهوان! 

فمن نوافذ الصاغرين العاجزين، غشى الليل بيوتنا، وجعلهافي مرمى الحفّارات الطائرة المحملة بالنار. لا نجاة إلا بانهيار الجدران، لكي ننأىبأنفسنا بعيداً عن تضاريس «السلام» الذي يزعمون. عندئذٍ تنقشع الغيمة بما فيها من سخام!

لا فائدة من النظر الى الطَوْد، من وادي الارتكاس. الحكماءينصحون الأمم، بأن تحلّق عالياً بجناحين، فتراه من الأعلى، لكي يتبدى كزرار مقطوع منهدمة رثة. والغاشمون الظلاميون المستكبرون بالآلة العسكرية الأميركية، ليسوا إلا صغاراًبمعايير التاريخ. لم يكن يبالغ ولا يزاود ولا يستصغر كبيراً؛ من سمّاهم شُذاذ آفاق.وكيف لا يكونون وهم يقتلون البلابل؟!

سيظل هؤلاء مسكونين بهواجسهم المرهقة، يعانون كالنبتالطالع في الصحراء. أما نحن، ففي أحرج ساعات الليل، سنضيء قناديل البهجة والرضى والأمل.هم يقصفون الآن. يحرمون ضحاياهم من جدران البيوت خوفاً من جعلها معارض لصور الغائبين.نكتفي بالقول: وداعاً لمن رحلوا، ونعوّل على الذكرى وعلى الفكرة وعلى الحقيقة المُغيّبة!