على ماذا يدور الصراع منذ اغتيال أحمد الجعبري في قلبمدينة غزة يوم الأربعاء الماضي، ومن هم اللاعبون، وما هي حقيقة أدوارهم؟

كنا قد تعودنا في العقود الماضية على رؤية الإسلام السياسيوهو في المعارضة، وكانت أبوابه مفتوحة، يعارض بكل أنواع المعارضة بما فيها المعارضةالمسلحة، ولا يطلب منه شيء، ولكنه الآن هو الذي في السلطة في تركيا، وفي تونس، وفيمصر، وفي السودان، وفي ليبيا على نحو ما، وفي سوريا كما يطمح بمساعدة القوى الدوليةنفسها، كما نراه حاكما منذ خمس سنوات في قطاع غزة، وفي كثير من الأحيان تكون الحدودواضحة للإسلام السياسي السني، بينما تتداخل الحدود في بعض المناطق بين الإسلام السياسيالسني والشيعي كما في الحالة الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة، لأن طبيعة النموذج الفلسطينيتختلف، حيث الصراع يدور مع الخارج بشكل رئيسي، مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بينمافي النماذج الأخرى يدور الصراع على النفوذ، على جزء من شعب هذه الدولة أو تلك، أو الصراعمع القوى العلمانية والمدنية، وبالتالي فإن النموذج الفلسطيني يغطي مساحة أكثر من التداخل،وهذه إحدى القضايا المعقدة التي واجهت القيادة الفلسطينية منذ بروز الكيانية السياسيةالفلسطينية إلى الحياة من جديد، بإطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، وحصول منظمة التحريرعلى وحدانية التمثيل الفلسطيني! هذا الانبعاث الجديد للكيانية الفلسطينية عارضته التياراتالقومية لضرورات تكتيكية في أول الأمر، ولكن الإسلام السياسي هو الذي تصادم مع هذهالكيانية.

الآن، جاء الإسلام السياسي إلى الحكم بمساعدة الدولالكبرى، وأميركا على وجه الخصوص، ولكنه يواجه اختبارات أصعب، وأهمها السؤال الكبير،ما هي حقيقة موقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ وما هي حقيقة موقفه من تجسيد الكيانيةالفلسطينية في دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران في العام 1967، أي الاعتراف والتسليمبوجود إسرائيل كلاعب رئيسي في المنطقة!، وفي هذا السياق جاء الانسحاب الإسرائيلي أحاديالجانب من قطاع غزة في خريف 2005 لتعطي غزة لحماس، وتكون النموذج الأول، وترى إسرائيلوحلفاؤها الكبار كيف يكون السلوك بعد ذلك.

وقد بقيت غزة تحت الحصار وتحت المراقبة في السنوات الخمسالماضية، دو أن يصل الأمر إلى حد إنهاء التجربة، بل الضغط على بعض التجاوزات، مثلماحصل في حرب 2008، والحملات العسكرية المحدودة والسريعة التي غالبا ما تنتهي بهدنة هشة!ولكن على امتداد العامين الأخيرين تغير المجال الحيوي في المنطقة، فقد أصبحت حماس فيغزة جارا مباشرا لمصر تحت حكم الإسلام السياسي، وأصبحت ساحة الاختبار لهذا السلوك السياسيللإسلام السياسي، في مصر بالدرجة الأولى، وفي تركيا في مجال ابعد أو في إيران في مجالمتوتر، كيف سيتصرف هؤلاء، هل هم قادرون على إعادة إدماج قطاع غزة تحت حكم حماس في السياقالفلسطيني عبر المصالحة التي وقعت في القاهرة وفي الدوحة، هل يجب أن يطرأ تغيير علىعناصر الاتفاق، حماس في غزة أو السلطة الوطنية، ما هو الخيار، صيغة تقوم على الاتصالأم تأكيد الانفصال؟ وفي كلتا الحالتين، ماذا سيكون موقف حماس من إسرائيل، من الأمنالإسرائيلي، ومن هو الضامن؟ هل هي السلطة الفلسطينية أم تركيا أم مصر؟ وكيف تتصرف حماسإذا ما قررت إسرائيل - بموافقة أميركية طبعا - ضرب إيران، هل قطاع غزة - هذه الخاصرةالصغيرة - ستقف على الحياد، كما وعدت حماس سابقا، أم أن الأمر أخطر من مجرد وعد شفهيغير ملزم، وبالتالي فإنه لا بد من ضامن رئيسي، وهذا الضامن الرئيسي هو الإسلام السياسيالذي أصبح في الحكم؟

وهكذا فإن الهدنة التي يتم الحديث عنها ليست هدنة عادية،ليست مجرد فك اشتباك، بل هدنة دائمة، أو لتظل هدنة طويلة، وهذه هي النقطة الحرجة، كيفيمكن اجتيازها؟ هل تستطيع مصر أن تقبل وتنفذ وتضمن؟ هل تستطيع تركيا أردوغان المساعدة؟من الملاحظ أن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي نجح في فترة رئاسية ثانية على اتصالدائم مع نتنياهو، وعلى اتفاق تام معه، ولكنه أجرى اتصالين مهمين مع الدكتور محمد مرسيومع رجب طيب أردوغان ! وأعتقد أن إسرائيل رفضت حتى المجاملة التقليدية عندما رفضت الالتزامبهدنة مؤقتة خلال زيارة الدكتور هشام قنديل إلى غزة لبضع ساعات، بل دمرت مبنى رئاسةالوزراء الذي التقى فيه مع إسماعيل هنية، لكي توجه رسالة واضحة بأنها لن تجامل أحدادون ثمن، هذه هي نقطة الاستعصاء التي قد تستغرق بعض الوقت، ضمان هدنة طويلة منضبطة،وهذا الأمر لا ينفع معه سوى أن يكون مكشوفا وعلنيا ويتطلب إجراءات من بينها ضمان خطرنشاطات الجماعات الأخرى، وضمان خطر وصول السلاح، يا لها من مسؤولية، بل يا لها من ورطة،أعتقد أن الإسلام السياسي لم يكن قد هيأ نفسه لتجربة من هذا النوع بهذه السرعة، وبناءعلى ذلك فقد يستمر ليل غزة موحشا بسبب هذه العملية التي ينتج عنها موت كثير، وإصاباتتتقافز أرقامها، ودمار وخسائر وشلل في الحياة على كافة الأصعدة، ومن الملاحظ أن الأداءالعسكري الإسرائيلي الذي تستفيد منه إسرائيل في قضايا مهمة أخرى، مثل التشويش القويعلى تصويت الجمعية العامة، وتسخين الحملة الانتخابية، هذا الأداء يتسم بقدر من الدقة،وعدم الاستعجال وضمان عدم حدوث صدمة لدى الرأي العام العالمي، إنه القتل بهدوء، وبانتقاء،ودون تسرع، كما لو أن المفاوضات التي تجري مع بقية الأطراف، إنما تجري في ضوء التماعالصواريخ والقذائف المتبادلة.