تقرير: عُلا موقدي

يتعمد الاحتلال الإسرائيلي إغراق الأراضي الزراعية في بلدة دير بلوط إلى الغرب من مدينة سلفيت بالمياه العادمة، التي تتدفق من المستوطنات التي تعتلي الجبال، خاصة في موسم الزيتون، الأمر الذي ينذر بعواقب كارثية على الموارد الطبيعية في تلك المنطقة، وغيرها من المناطق، التي تتعرض للاستهداف الإسرائيلي.

الاحتلال يستمر في تنفيذ مخططاته الاستيطانية في الضفة الغربية، ليجعل من المستوطنات وساكنيها أمراً واقعا لا مجال لتغييره، وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها الاحتلال بهذا الفعل، فعلى مدار عشرة أعوام ماضية، وأودية البلدة تغرق بالمياه العادمة بشكل مستمر، والمشكلة أصبحت تتفاقم بسبب التوسع الاستيطاني، وازدياد أعداد المستوطنين في المحافظة.

تثير هذه المياه العادمة رعب المواطنين، كونها تلوث التربة، وتحمل معها الحشرات الضارة، ناهيك عن الروائح الكريهة التي تعم المكان.

رئيس بلدية دير بلوط سمير نمر قال: خسرت البلدة الكثير من أشجار الزيتون المثمرة بفعل هذه المياه، فالبلدة تشتهر بكثرة الزراعة واهتمام الأهالي الكبير بالأرض، إلا أن توسع المستوطنات التي تعتلي الجبال على حساب أراضي أهالي البلدة تؤثر بشكل مباشر على قطاع الزراعة.

وأضاف: تتضاعف المشكلة في الجهتين الشمالية والجنوبية من البلدة، كون المنطقة هناك والمعروفة بـ"واد جبران"/ "واد رافات" مزروعة بشكل كامل بأشجار الزيتون، والمياه العادمة تتسرب إليها من مستوطنتي "ليشم" و "بدوئيل"، حتى أصبحت تجري على امتداد 5 كيلو مترات، أي حتى آخر أراضيها.

وأكد نمر: أن هذا الواد عبارة عن طريق قديمة جدا ووحيدة للمزارعين، كانت تمكنهم من الوصول إلى أراضيهم بسهولة، لكن اليوم يجد المزارع صعوبة بالغة للعبور من خلالها، فالمياه العادمة التي تصاحبها القاذورات تجعل المكان ملاذاً للخنازير البرية والثعابين والحشرات الضارة التي تجلب الأمراض للإنسان، والشجر، والحجر.

وفي التفاصيل، يروي المزارع اسماعيل عبد الله (52 عاما): تسرب كميات ضخمة يومياً من مياه الصرف الصحي في منطقة "الزياق" شرقي بلدة دير بلوط، والتي تأتي من مستوطنة "بركان الصناعية" أعدمت الحياة في المكان، وأثرت على بيئة المنطقة بالكامل.

وتابع عبد الله: "جريان مياه المجاري من المستوطنات أصبحت تشكل خطراً كبيراً على الإنسان في دير بلوط، من خلال تلوث التربة وتسممها، وينعكس ذلك تلقائيا على المياه الجوفية، علما أن المياه العادمة اقتربت من خط البئر الارتوازي الضخم الواقع من الجهة الجنوبية للبلدة، والذي يُغذي كل المنطقة بالمياه الصالحة للشرب".

وأوضح: أن مئات أشجار الزيتون المثمرة والكبيرة ماتت بفعل هذه المياه، وتحولت المنطقة إلى غابات من الحشائش ومرتعاً للخنازير البرية ومستنقعاً من الذباب والأمراض التي تمنعنا من الوصول إلى أراضينا.

يدرك المزارع عبد الله أن بقاء الأرض مغمورة بمياه المجاري يعني فقدان المزارعين لأرضهم، وبالتالي فقدانهم لأهم مصدر رزق لهم ولأبنائهم، ويناشد المؤسسات الرسمية والدولية للبحث عن مساعٍ حثيثة لإنهاء هذه المشكلة الكبيرة التي تهدد بلدة دير بلوط والجوار، والإسراع في وقف هذه الجريمة بحق الأرض والإنسان.

من جانبه، أشار مدير مكتب سلطة البيئة في سلفيت مروان أبو يعقوب إلى أن جريان المياه العادمة التي تُضخ في الأودية الفلسطينية تشكل انتهاكا صارخا للحق الفلسطيني في موارده، وأحد الانتهاكات البيئية الواضحة في محافظة سلفيت، وتزيد في موسم قطف الزيتون بشكل متعمد وملحوظ، لتخلق صعوبة لدى المزارعين في قطف الثمار، ولإبعادهم عن أرضهم وحرمانهم الموسم.

وأوضح أن هذه المياه تحتوي على الكثير من الكيماويات المنزلية التي تخلط في مياه المجاري. مؤكدا تأثيرها الكبير على النباتات وأشجار الزيتون، ما يؤدي إلى موتها من جانب، ومن جانب آخر تتكاثر الحشرات، وخاصة البعوض، وذبابة اللشمانيا، والنمر الآسيوي، وما تسببه من لدغات تؤثر على صحة الانسان.

ونوّه أبو يعقوب إلى أن محافظة سلفيت تقع على الحوض الغربي للمياه، وجريان المجاري في الأودية يسبب تلوث ينابيع المياه الصالحة للشرب بحيث تصبح غير صالحة للشرب، ففي كل العيون المائية نلاحظ وجود ضرر بيئي واضح.

وبين أن المستوطنين يلاحقون باستمرار المزارعين، والاعتداء عليهم، وسرقة محاصيلهم وأدواتهم الزراعية التي يستخدمونها في موسم قطف الزيتون، وطردهم من أرضهم، وملاحقتهم من قبل قوات الاحتلال بحجج أمنية.

وتابع: لا يقتصر الأمر على بلدة دير بلوط وحدها، فأراضي بلدات كفر الديك، وقراوة بني حسان، وبروقين، وكفل حارس، ووادي المطوي في سلفيت تعاني أيضاً من ويلات المياه العادمة، وما زاد الأمر سوءا، هو انشاء المصانع الصناعية على أرض المحافظة، مثل مستوطنة "بركان الصناعية"، التي تعتبر أكبر المناطق الصناعية في الضفة، وتحتوي ما يزيد عن 80 مصنعا، ويتم دفن المخلفات في الأراضي الزراعية، وتهريب النفايات من المستوطنات إلى الأراضي الفلسطينية الزراعية.

من جهته، أكد مدير جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي: أن بعض المستوطنات الكبرى، وخاصة المقامة على أراضي محافظة سلفيت، ليس لها محطة تنقية للمياه العادمة، فتذهب إلى الأودية  ثم تتسرب إلى المياه الجوفية، أو تبقى على سطح الأرض وتقضي على كل مكونات البيئة.

وأضاف: تمكن المشكلة من هذا الضرر في عدم إمكانية إصلاح التربة بعد تلوثها، وبالتالي تنعدم فرص الزراعة فيها.

وفي تقرير رصد الانتهاكات الاسرائيلية المتعلقة بالمياه والصرف الصحي الذي أطلقه معهد "أريج" في يوليو 2022، كشف عن تدفق للمياه العادمة من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، تتمثل بضخ 25 مليون متر مكعب، ما سبب آثارا على المياه الجوفية والأراضي الزراعية، والتي بدورها ستؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية

وعليه، فإن الاحتلال الإسرائيلي لم يسيطر على الأراضي الفلسطينية لبناء وحدات استيطانية فقط، بل امتد ذلك إلى تدمير عمق الأرض وتربتها، والمزارعين في بلدة دير بلوط أصبحوا على يقين بأن عمر الأراضي الزراعية سيتغير، لكثرة ما تشربت هذه الأراضي من مواد سامة وأمراض مختلفة.