خاصمجلة القدس

 أفول مرحلة وصعود نجم

اكتفى هذا الشيخالجليل الشاعر، كما يكتفي كثيرون بالعيش في ظلّ واقع تقليدي رتيب، فلم يحاول ان يحركالماء الراكدة حتى لا تتسع حركة الدوائر وتصبح بعيدة عن متناول اليد، ويغلب عليها فيمابعد التلاشي والذوبان، ثم تخرج من الحسبان، وتختفي النتائج المتوخاة منها، وتختفي معهاالاهداف.

الشيخ الريماويمن الاشخاص الذين عاشوا حياتهم في نطاق الدوائر القريبة والمرئية، والتي يمكن للمرءان يتحكم فيها حتى لا تفلت من بين يديه. خط منهجاً واقعياً بأقل ما يمكن من الأكلاف،في وقت كان عصر الانحطاط الادبي والفكري والسياسي قد بدأ يزول، ويأخذ معه الرواسب المتبقيةعلى صعيد الفكر والأدب، وبدأ بعده عصر النهضة يبزغ على يد ثلة من القادة والمفكرينوالأدباء وأصحاب الرأي، فباشروا في تحريك هذا الواقع، وحاجاته المهمة والملحة في السياسةوالأدب والفكر ومن بينهم الشيخ الريماوي، والذي على ما يبدو وجّه عنايته الى الأدبوالشعر، مستخدماً الاساليب القديمة بما فيها من بيان ومحسنات لفظية، متحاشياً الدخولفي المواقف السياسية، فاقتصرت أشعاره على شعر المديح والوصف أكثر من أي شيء آخر. الشيخعلي الريماوي من بلدة بيت ريما بقضاء رام الله تلقى دروسه الأولية على والده الشيخمحمود ريماوي وكذلك في مدارس القدس، ثم سافر الى مصر لاستكمال دراسته هناك في الأزهر،فدرس فيه أصول اللغة العربية وآدابها، وذاع صيته واشتهر بقرض الشعر. نشر الكثير منالقصائد في صحف القاهرة ومجلة "المنهل" المقدسية، وعندما عاد الى القدس سكنفيها، وعُيّن مدرساً للفقه وعلوم اللغة العربية في احدى مدارسها ثم انتقل للتدريس فيمدرسة المعارف، واشتغل في الوقت نفسه محرراً للقسم العربي في جريدة "القدس الشريف"كما انه علّم في مدارس يهودية، وتسلّم تحرير جريدة "الغزال" و"القدسالشريف"، بعد ثورة تركيا الفتاة واعادة العمل بالدستور سنة 1908، ازدهرت الحياةالفكرية والعمل الادبي والصحافي، اصدر الريماوي في ذلك الوقت جريدة "النجاح"،وهي سياسية أدبية علمية، وكان من سياسته الجديدة تحسين العلاقات المتدهورة بين الحكومةالتركية والمواطنين العرب، وكانت تكتب باللغتين العربية والتركية، وكتب الريماوي فيهذا المجال تحت عنوان، "العربية والتركية شقيقتان فما بالهما تختصمان". ومننشاطاته ان دعا العرب الى تعلم اللغة التركية والسير فيما كان يعرف في ذلك الوقت بالتتريكحتى يستطيع العرب الترقي في المناصب الحكومية، وعدم الخشية على قوميتهم. استمر في عملهكصحافي، وساهم في تحرير العديد من الصحف، وكان من الشعراء والصحافيين البارزين في فلسطينعشية الحرب العالمية الأولى. يقول في تكريم الكاتب اللبناني جرجي زيدان: خطرتْ فقلتُ:قضيب بان وبدتْ فقلتُ البدر بان.

كان لديه قناعة،بأنه لا يمكن لأي قوة ان تسيطر على العرب، مادام لديهم هذه الطاقات الفكرية والأدبيةوالدينية والاخلاص لمبادئهم ومعتقداتهم، فهو من مناصري الاستفادة من المستعمر قدر الإمكانلتحسين واقع الحياة عند العرب والمسلمين، وتحسين ظروف عيشهم ليتفرغوا للأمور الأخرى،فلم تكن في ذلك الوقت قد ازدهرت أحوال المسلمين، لذلك عندما  زال الاحتلال التركي وجاء الاحتلال البريطاني لميكن هناك انقلاب جوهري في مواقفه، فقد ظل على نفس المنطلقات الفكرية من ان الاحتلاللا بدّ زائل، وعلى المرء ان يستغل هذا الاحتلال حتى تأتي ظروف مؤاتية للتصدي له. الشيخالريماوي يُعَدّ من التيار التقليدي في كتاباته الشعرية والصحافية، وظهر تمكنه بأساليبالعربية من خلال رسوخ لغة البيان، واستخدامه للاستعارات والمجاز والصور البيانية فيشعره. واضح انه شغوف بالمحسنات وبمقدرة شعرية في مجارات الاسلاف. وتوفي قبل ان يجمعشعره في ديوان.