خاصمجلة القدس/ الثقافة،صديقة الانسان، سلاحه في مواجهة الظلام، صديقة وأنيسة للفرد والمجتمع، محبّبة للجميع،ليس لها أعداء. لا أعرف اذا كانت هذه المفردة لطيفة بمعناها المجرد كلفظة، أم أنهامحبّبة لما تحتوي على طغيان معرفي ليس له نهاية. لا أعرف أين ستأخذني هذه المفردة حينتبدأ الكلمات تسيل على الورق، مع علمي المسبق بحاجة الانسان الفلسطيني الى الثقافةفي كل وقت وزمان، ومواكبة تحولاتها الجارية على كل صعيد في العلوم التكنولوجية والفكريةوالمعرفية غير المحدودة. وذلك بسبب تماسه اليومي مع عدو يحاول ضرب بنيته كإنسان وكيانليسهُل بالتالي تفريغه من المكان. لذلك  لاأستغرب ان تجرفني هذه المفردة الى لبّ القضية الوطنية، القضية الاساس التي تستحوذ علىكافة نواحي حياتنا اليومية والمستقبلية والمصيرية، ولكن في كل الاحوال، ففي هذه المفردةشيء يحرك التماثيل، كما أن لها القدرة على ان تفعل فعلها، وتغيّر ما لا يتغيّر، وهيبسبب ذلك وسيلة فضلى في تحقيق الاهداف، لانها تختزن ما لا يمكن حصره من قوة. ولستُقاصداً هنا الكتابة عنها في معناها المجرد، ومدلولها اللفظي والأكاديمي، ولكن المقصودهنا التفاعل معها ومتابعتها والعمل على اللحاق بها بسبب ما فيها من قدرة على التغيير،في حياة الانسان، ومفاهيمه، وتطوير نظم عيشه، وليس فقط ملامستها من الخارج.  انما المقصود الأخذ بها كمصدر للقوة، لتحصين الذاتفي مواجهة العدو عن طريق التعلم والتخصص والدراسة والتفوق في مختلف المجالات، والنبوغفيها، حتى نستطيع كسر هذا العدو من داخل بنيته السيكولوجية، وكسر هيبة سوبرمانيته،فلا يكفي معرفة أهمية دور الثقافة في ذلك، إنما الأخذ به والعمل على تطبيقه هو الشيءالأهم، وبما أن كل شيء يتغيّر بسرعة، والتغيّر هنا بمفهومه الإيجابي المقصود به تغيّراًنحو الأفضل، فهل نتغيّر نحن أيضاً يثقافتنا ووعينا نحو الأفضل؟ ليست الثورة فقط هيمن يُحدِث هذا، انما الفرد بدءاً من  انعتاقالرأس من كل قيد، وتحرير الجسد، وتغيير نهج العقل وفتح المدارك والمفاهيم، ومقاربةالمجالات الواسعة، وعدم الخضوع للهيمنة من أي جهة أتت. من الدولة، او السلطة، او التنظيم،او الجماعة، وصولاً الى المكون المجتمعي بكافة شرائحه وطبقاته، وترك الطاقات المبدعةتأخذ مجراها، وهذا ما اعنيه بالثقافة، بأن نتصدى للعدو بتحصين الذات بها، لأنه يضربفي أعماقنا على كافة المستويات الحياتية، الفكرية، والسياسية، والوطنية، والإعلامية،والأدبية، والفنية، والابداعية، والتراثية، ويحاول تيئيسنا، وهذا يحتاج الى فتح أبوابالعقل امام سطوع الشمس، للقضاء على الجراثيم والرواسب، وفهم مناحي الحياة، واستيعابحركة النهضة الجارية في العالم على كافة الصعد، لأن الثقافة ليست فقط فتح دفتي كتابوالقراءة فيه، انما هي استيعاب لكل تلك المجريات.

هي قضية وعي ومنطق،فالثقافة سلاح وتلازم لعناصر القوة كافة، كمنهج حياة يقود الى التفوق على هذا العدوالذي يحاول تجريدنا من ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا بامتلاكه لمقدرات العلوم والتقدم الصناعيوالانتاجي الذاتي، وبمساعدة من الخارج، ويسخّرها جميعها في سبيل طمس قضيتنا الوطنيةوإنساننا، وهو  يمتلك أعتى الأسلحة من كافةالانواع، ويرسم الخطط ويدرس المستقبل، ويستغلّ الوقت من اجل تحقيق أهدافه. فهذه المعاييرالدقيقة، لا تحقق نجاحاتها على اساس العامل الانساني والإقدام والشجاعة فقط، وإلاّتصبح تهوّراً. انما تحتاج الى آلية تُفَعّل كافة المكونات في الدولة، وتوجه كل الطاقاتلتحريك العقل، وهو السلاح الأمضى في توجيه المعارك وكسبها، وليس بالضرورة ان تقتصرالمواجهات على قرقعة السلاح. فكم من الثورات السلمية انتصرت على الاعداء من غير استخدامهاللسلاح في مطلق الاحوال، والشواهد التاريخية حاضرة على ذلك في ثقافة الشعوب، وهي خيردليل على ذلك.  فالثقافة هنا، هي النضوج السياسيوالاقتصادي والعلمي والفكري، وعلى كافة المستويات، من رأس الهرم، الى القاعدة الشعبية،في عمل دؤوب متكامل متحرك متصاعد في صالح القضية المركزية، مع عدم اغفال أي ناحية منالنواحي الانسانية. لأن الثقافة لا تقبل ذلك، فهي تكامل حياة لا تقتصر على ناحية دوناخرى، ومسيرة شاقة، ناهضة، وكاشفة لثقافة العدو الزائفة في نفس الوقت، وكذلك طرق خداعه،وصولاً الى  اسقاط رموزه، ومبادئه، ومعتقداتهواحلامه، وخلخلة مرتكزاتها الواهية، التي لا تستند الى حقائق حقيقية واقعية. فإسرائيلهي الدولة الوحيدة في العالم التي قامت على شعب مستورد من كافة أنحاء المعمورة، وشكّلتكياناً غاصباً معتمدة على ثقافة القوة، بمساعدة الغرب الذي أمدّها بكل ما لديه من نهضةعلمية متقدمة للحفاظ على بقائها على الأرض الفلسطينية. لذلك للثقافة دور كبير في حياةالشعوب، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، والأهم من ذلك كله رفض الإحساس بالفشل والعجز والانبهارمن هذا العدو، وأن نكون على مستوى الحدث والتطور في مختلف المجالات.