يفكر ويصبح مفكرًا من يتعلم، على عكس فاقد هذه القدرة، فهو إما ناسخ ناقل بلا تبصر! والأكثر خطورة أنه يحمل مفاعل دماره، فالعقل المتأكسد غير قابل لإنتاج الافكار الخلاقة، فهو عقل جامد مضاد للإبداع، ملتزم بالنقل والتقليد والنسخ، ونشر المتعارض مع حركة الزمان، ومسارات العقل الإنساني السامية، ومثالنا على ذلك الذين يجدون ذواتهم في الأوهام، ويعظمون الحدث، ويشعرون بنشوة اللحظة، لفقدانهم الصلة عما بعدها، وصاحب هذا العقل سرعان ما ينهار ويسقط في مستنقع الخسران! والذين لم يفكروا، ولم يتعلموا من التجارب المحسوسة، فيخوضون التجربة بنفس الظروف التي كانت قد أوقعتهم في الخسران سابقًا.

العقل الفردي والجمعي المفكر، هو روح إرادة الشعب أو الأمة، الضامن لحريتها، والمحافظ على بريق وشعاع ماضيها الحضاري، أما خلاف ذلك، فيعني تسليم مفاتيح قدر الشعب أو الأمة للغزاة، أو لمحاصر قلاعها، أو للذين يعملون على احتلالها ولكن تحت بيارق خادعة!

العقل المفكر يحيط بالأسباب، ويدرك تفاصيلها الدقيقة، متحررا من التضخم والتضخيم، ويتصدى للمسؤولية بصدق وصراحة وأمانة وبلسان فصيح، أما العقل الانفعالي المتأكسد فلا نراه إلا عارضا للحالة المعلومة والمحسوسة للجميع، يتحلل من المسؤولية، مكتفيا بالتنظير اللاموضوعي، والدعاية المملة الممجوجة، وإغراق الفضاء بضجيج المصطلحات، لذا لاغرابة من بقاء هذا العقل في مسارات الفشل والتخلف.

المتعلم العاقل المفكر، يقدس روح وحياة وكرامة الإنسان، يقرأ قيمته بالحق والعدل والعمل الصالح، يسعى من أجل سلام لروحه ونفسه، وسلام مع أخيه الإنسان، ومع كل ما يعمم فكرة الحياة على الأرض.

يقرأ المتعلم المفكر العاقل العصر، ويبحث، ويقارن، ويستخلص العبر، لذا فإن القيادة حكمة وتعقل وتبصر.. حيث يسابق القائد الزمن، لأن الواقع يتغير، والأدوات تستحدث، أما صاحب العقل المتأكسد، فخطواته إما تراوح في ذات المكان، وإذا تحرك فإنه للخلف دائما بعكس مسار الزمان.

يعترف العقل المتعلم المفكر القائد بالواقع، لكنه لا يستسلم له، وإنما دعوته النهوض، والتمسك بالعروة الوثقى، وبكل مقومات النهوض، سبيلا للتحرر.

العقل المتعلم المفكر، هادئ، فائض بالثقة، جمعي استشاري ديمقراطي، بعيد النظر، محاور بذكاء، يقدم الحقائق كما هي لثقته بالسامع والمبصر وذوي الأحاسيس، يرى الناس كأسنان المشط سواسية، ويفترض فيهم حسن وطهر الانتماء حتى يثبت القضاء العكس، لا يمقت العنصرية وحسب، بل يناضل لتحرير القواميس من مفرداتها.

العقل المتأكسد مغلوب بالانفعال والغضب، فاقد الثقة، فئوي، ضيق النظر، لا يطيق الحوار، يكيل الاتهامات، ويخون ويكفر، ويفرز ويصنف الناس، ويبلغ العنصرية بقصد أو بدون. 

العقل المفكر كالجبل الصخري لا تجرفه النزعات السلطوية الحزبية، يبقى سدا منيعا، يحول بين أعاصير الشر والظلم وبين الشعب، ينشد الأمن والاستقرار والسلام، دون تسييل الدماء كالأنهار، ودون جعل الدمار شواهد، أما العقل المتأكسد فهو استبدادي، دكتاتوري مدمر لمجتمعه وذاته أيضا، ومستدرج للكوارث والنكبات.