دولة الاستعمار الإسرائيلي وحكوماتها المتعاقبة منذ العام 1948 وحتى الحكومة السادسة لنتنياهو الحالية لم تبقِ ولا تذر، استخدمت جميعها كافة أشكال وأساليب الانتهاكات الوحشية من البطش والتنكيل والقتل والاجتياح والاقتحام وشنت الحروب والاعتقال واستلاب حياة ومصالح المواطنين الفلسطينيين، وصادرت وهودت الأراضي، وأعلنت وتعلن على مدار الساعة عن عطاءات لبناء وحدات استيطانية، وتشريع المستعمرات والبؤر الاستعمارية، واطلقت زعران الفاشية الدينية الصهيونية وعصابات جيشها وأجهزتها الأمنية وقطعان مستعمريها وفق برنامج الإرهاب الصهيوني المنظم للتدمير المنهجي لحياة أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وتواصل بشكل معلن في الاستحواذ الاستعماري على القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وتعمل في حوضها المقدس على تقويض ونسف الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية عمومًا والمسجد الأقصى خصوصًا. 

 

كل جرائم الحرب هذه وغيرها يتم تنفيذها على مرآى ومسمع من العالم أجمع وفي المقدمة منه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صانعوا دولة العار والنكبة اللقيطة واللا شرعية، الدولة الإسرائيلية، ورغم صدور ما يزيد عن الالف قرار أممي لصالح تحقيق السلام، والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967، واستقلال الدولة الفلسطينية، وضمان حق العودة للأراضي التي طرد منها الفلسطينيين في عامي النكبة 1948 والهزيمة عام 1967، والمساواة لأبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل، إلا أن الإدارات الأميركية المتعاقبة حالت وتحول دون تحقيق ذلك، من خلال أولاً عدم اعترافها بالدولة الفلسطينية رسميًا؛ ثانيًا دعمها المطلق لدولة إسرائيل دون قيد أو شرط، والتساوق مع مخططاتها الاجلائية الاحلالية التطهيرية العرقية؛ ثالثًا تساوي مع دول الاتحاد الأوروبي بين الضحية والجلاد دون معايير أخلاقية أو قانونية، ومتناقضة مع قرارات الشرعية الدولية؛ رابعًا تكيل بألف مكيال لصالح الدولة الأداة الوظيفية، وترفض مساواة الشعب العربي الفلسطيني بشعوب الأرض عمومًا، وآخرها ترفض الكيل بذات المكيال الذي انتهجته تجاه المسألة الأوكرانية، ليس هذا فحسب، بل إنها شنت مباشرة في العراق وأفغانستان والصومال والسودان وليبيا وسوريا حروب مباشرة وغير مباشرة عبر أدواتها ضد الشعوب والأنظمة العربية بذريعة الدفاع عن "الديمقراطية وحقوق الإنسان" وفي ذات الوقت، ترفض أن تفرض أية عقوبات على إسرائيل، وتتذرع بألف ذريعة وذريعة لحماية الدولة المارقة والخارجة على القانون الإسرائيلية.

 

ومع تولي حكومة الترويكا النازية تضاعفت عمليات الإرهاب الصهيوني المنظم ضد أبناء الشعب الفلسطيني، حت وصل عدد الشهداء من بداية العام إلى 80 شهيدًا، فضلاُ عن قصف وتدمير البيوت واستباحة المخيمات والقرى والمدن دون توقف، هذه الجرائم أدت إلى النتائج التالية، أولاً انتفاء وجود أفق للسلام؛ ثانيًا فقدان الأمل باستقلال الدولة الفلسطينية؛ ثالثاً لا وجود لأي شريك إسرائيلي لبناء أي علاقة مشتركة؛ رابعًا مواصلة المشروع الاجلائي الاحلالي لتطهير الأرض الفلسطينية من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من أراضيهم؛ خامسًا العدو الصهيو أميركي يريد أن يبقى الفلسطينيين والعرب عمومًا عبيد وممزقين ومشرذمين ودون السماح لهم بالتطور وفق معايير التنمية المستدامة الاقتصادية والاجتماعية؛ سادساً تسيد إسرائيل عليهم جميعًا وعلى إقليم الشرق الأوسط الكبير ...إلخ 

 

هذا الواقع دفع الشباب الفلسطيني للامساك بزمام المبادرة بشكل فردي، وجمعي، كما هو حاصل في جنين ونابلس وطولكرم والخليل وأريحا، رغم أن السلطة وأجهزتها الأمنية الوطنية حرصت وتحرص على ضبط إيقاع الشارع الفلسطيني بالقدر الذي تستطيع، لكن طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، لأن حكومة نتنياهو وسموتيريش وبن غفير لم تترك "على العين الفلسطينية قذى"، وكانت الضرورة تملي الرد على جرائم الإرهاب الصهيوني المنظم بما ملكت أيدي أولئك المناضلون، وعدم الوقوف في خندق الصمت والانتظار، حتى أبناء الأجهزة الأمنية شاركوا في العديد من العمليات البطولية دفاعًا عن الذات ورفاق المسيرة الكفاحية. 

 

ما يهمني مما تقدم، التوقف أمام عملية ديزنغوف التي حدثت أمس الخميس الموافق 9 مارس الحالي، التي نفذها الشاب المناضل معتز الخواجا، وأصاب 3 جرحى إسرائيليين، واستشهد أثناء المواجهة مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهذا يعكس مجددًا أولاً الجرأة والأقدام والتضحية بالذات فداء الوطن والشعب؛ ثانيًا الرد على جرائم القتلة الإسرائيليين بمختلف مسمياتهم واختصاصتهم العسكرية؛ ثالثًا فشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية؛ رابعًا لاسماع العالم الصوت الفلسطيني، وإرغام أميركا وأوروبا للانصات جيدًا لنبض الشارع الفلسطيني وحقوقه السياسية والقانونية؛ خامسًا للرد على الاستسلام المجاني لأهل النظام الرسمي العربي. 

 

بيد أن الملاحظات الموضوعية تشير إلى الآتي: أولاً لم يختار الشهيد معتز المكان والزمان المناسب؛ ثانيًا ستترك العملية آثارًا سلبية على القوى الإسرائيلية الداعمة للقضية الفلسطينية؛ ثالثًا ستؤثر سلبًا على المظاهرات الإسرائيلية المتعاظمة ضد حكومة نتنياهو سموتيريش وبن غفير؛ رابعًا خدمت من حيث يدري أو لا يدري الشهيد حكومة زعران الفاشية الصهيونية في حرف بوصلة الصراع الداخلي ونقله للصراع مع الشعب والقيادة الفلسطينية، وهو ما سعى ويسعى له نتنياهو وأركان ائتلافه الفاشي؛ خامسًا تركت نسبيًا آثار سلبية على الرأي العام العالمي للتحريض على الشعب الفلسطيني، وخدمت واشنطن والعواصم الأوروبية التي تساوي بين الضحية والجلاد. 

 

باختصار كل عمل مقاوم فلسطيني مشروع، ولكن على القائمين به، أن يدققوا في حسابات الربح والخسارة، وتحديد الزمان والمكان المناسب لتنفيذ عملياتهم. مثلاً لو كانت العملية في القدس العاصمة أو ضد قطعان المستعمرين في عموم الضفة الفلسطينية أو ضد جنود وضباط الجيش الإسرائيلي في أي بقعة من إسرائيل سيكون مردودها السياسي والقانوني أعلى بكثير. ورحمة الله على روح الشهيد معتز وكل الشهداء الأبطال.