مرت بلدة حوارة، الواقعة جنوب نابلس، بتجربة قاسية قبل أيام، تعرضت هذه البلدة الحرة الأبية إلى هجوم أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه هجوم إرهابي بشع، أخذ طابع الهمجية، المستعارة من زمن ما قبل الحضارة، همجية مليئة بالحقد والكراهية الغريزية. رأينا ورأى العالم مشاهد لا يراها إلا في الأفلام السينمائية والوثائقية والتي تتناول أحداثًا وحشية كانت تجري في العصور الوسطى، تنشر الرعب وقتل البشر وإحراق الممتلكات دون أي رادع إنساني أو قانوني.

ما علينا أخذه بالاعتبار، ونعد أنفسنا لمواجهته، هو أن تجربة حوارة يمكن أن تتكرر في أي مكان آخر ومنطقة أخرى في الأيام والأسابيع القادمة، فهناك في إسرائيل حكومة فاشية يعشعش في عقول وزرائها فكر ظلامي، تراكم في إطاره حقد مستعار من الأساطير عمره آلاف السنين ويدفع ثمنه الشعب الفلسطيني في القرن الواحد والعشرين. والتفسير الواقعي الراهن أن من يسيطر على الحكومة الإسرائيلية اليوم هم مستوطنون يعتقدون أنهم يعيدون بناء "مستوطنات الأجداد في يهودا والسامرة"، وهم معبأون بحقد يحمل فكرة الانتقام جيلاً بعد جيل.

ولكن هؤلاء ليسوا عصابة أو ميليشيا معزولة، إنهم يمثلون الأداة الآيديولوجية التوسعية الطليعية للمشروع الصهيوني، لذلك هم دائما يتمتعون بالحماية الكاملة والدعم الكامل، ويتمتعون بالهامش الوحشي لأعمالهم الميدانية وارتكاب الجرائم. وفي الحكومة اليوم وزراء بعقلية الميليشيات، كانت في السابق تعمل كشيء جانبي في مشهد الاحتلال لكنهم اليوم يتصدرون المشهد.

الشعب الفلسطيني اليوم أمام مرحلة جديدة، قد تطول لأشهر أو سنوات، لكنها مرحلة قد تكون صعبة وقاسية، وهي حلقة من حلقات صراعنا مع المشروع الصهيوني، بمعنى أن ليس فيها شيء لم يختبره الشعب الفلسطيني من قبل، فهذا الصراع كان ولا يزال يمر بموجات ساخنة وصعبة، كل ما علينا عمله هو أن نواجهها متضامنين وموحدين، ولنا هدف واحد ألا نترك قرانا ومدننا أبدا مهما بلغت الصعوبات. ولكي لا يكون الصمود شعارًا لفظيًا نقوله ونمشي نحن بحاجة أن يكون بين أيدينا خطة عمل نعزز فيها صمودنا في مواجهة هذه المرحلة الصعبة تحديدًا.

ومع استعصاء إنهاء الانقسام، وهو أمر مؤسف جدًا، ومع صعوبة تحقيق قدر من وحدة الفصائل، وحدة نكرس من خلالها كل طاقاتنا لمواجهة العدو الواحد، وليس ضد بعضنا البعض، وبالاستفادة من دروس وعبر نكبة عام 1948 الفظيعة، وحتى من تجربة حوارة الأخيرة، هي خطة تلاحظ النواقص التي ظهرت في الأداة، وما تحتاجه كل منطقة من مقومات صمود، في قطاعات الصحة، وأساليب لمواصلة التعليم، ومد هذه المناطق بالتموين والتدريب على أشكال الحماية الشخصية، والأهم تشكيل لجان، أو إعادة تشكيلها، بطريقة فاعلة في الميدان تقدم الخدمات الضرورية والسريعة وتحمي القرى في الليل من هجمات المستوطنين.

وربما الأهم من ذلك هو عدم ترك المناطق مع الشعور أنها مستفردة وتواجه وحدها الهجمات الإرهابية، من هنا تأتي مسألة الدعم والمساندة من المناطق القريبة، ضمن خطة وليس عملاً عشوائيًا فوضويًا يقود إلى خسائر أكبر ويزرع اليأس أكثر. وقد نكون بحاجة أيضًا لإعادة تعريف مفهوم التكافل والتضامن، وأن يتم هو الآخر بإيقاع مدروس، يسهم به كل فرد في المجتمع حسب طاقاته وإمكانياته.

مقدرات السلطة  الوطنية وحدها قد لا تكفي، وبقدر ما هو مطلوب من الحكومة إعادة النظر في أولويات الصرف، والعمل مع كل الجهات لتوفير الدعم للمواطنين والمناطق الأكثر استهدافًا، وبقدر ما هو مطلوب من الحكومة أيضًا أن تبادر لاقتراح خطة عمل تنظم عملية التكافل والتضامن فإن الفصائل والمجتمع المدني عليهم أن يتحملوا جزءًا من المسؤولية العملية ويبادروا وبالتنسيق الوطني الشامل لإنجاح خطة التكافل والتضامن.

وكما يقال إن السياسة هي فن الممكن، والتعامل بعملية مع الواقع  الفلسطيني الموجود الآن بين أيدينا، وليس المتخيل، وهو واقع فيه الثغرات والانقسامات، علينا أن نتحرك على الصعيد العملي أكثر ما دامت الحلول لمشاكلنا الكبرى عالقة، والانقسام ما زال مستحكمًا.

وبمناسبة الحديث عن الانقسام لقد استغربت كثيرًا كيف مر خبر خطير مرور الكرام، دون أن نتوقف عنده ونقرأه باهتمام، وهو الخبر الذي نشرته هيئة البث البريطانية "بي بي سي"  قبل أيام نقلاً عن الوثائق الرسمية البريطانية، ومفاده أن شارون كان يخطط منذ استلامه للحكم إبان الانتفاضة الثانية في شباط / فبراير عام 2001، لشق الصف الفلسطيني وفصل قطاع غزة عن الضفة وهو بالفعل ما جرى بعد خطة شارون للانسحاب من جانب واحد من قطاع غزة عام 2005 وبالفعل تم فصل القطاع عندما سيطرت عليه حماس بالقوة ومن جانب واحد ولا تزال ترفض إعادة توحيده مع الضفة.

تجربة حوارة المرة، كشفت عددًا من النواقص والثغرات، ربما كان أداء تلفزيون فلسطين مميزًا، باعتباره الجهة الإعلامية الوحيدة التي كانت في قلب الحدث المريع وقام رغم ما في ذلك من مخاطر بكشف الجريمة للعالم، ولكن هناك نواقص وثغرات في الأداء الأشمل علينا أن نتوقف عندها بجدية كي لا تشعر حوارة أو غيرها من المناطق أنها تواجه الهمجية وحدها. صحيح أن الأحداث سريعة ومتسارعة، ولكن قد نحتاج إلى لحظة هدوء ونفكر معًا بالحلول من أجل تعزيز صمود كل بيت وكل أسرة في فلسطين، ولا خيار لنا غيره.

 

المصدر: الحياة الجديدة