بدأت الحملة على سيادة الرئيس محمود عباس والقيادة عندما تحول مشروع قرار إدانة الاستيطان في مجلس الأمن إلى بيان رئاسي، بفعل ضغط أميركي مباشر على رئاسة مجلس الأمن المؤقتة، ومنذ التحضير لاجتماع العقبة وقبل انتهائه وقبل معرفة النقاط التي بحثت، لأن المشككين بموقف القيادة يسارعون لاستغلال اللحظة، خارج سياق الصبر لمعرفة الحقائق من مصادرها الرسمية، وأعتقد أنهم يعلمون كيف واجه سيادة الرئيس أبو مازن ضغط الإدارة الأميركية وتهديد وزير خارجيتها بالفيتو ضد القرار، وكيف أن سيادة الرئيس أسمع بلينكن ما يجب أن يسمعه بخصوص مناورات واشنطن وعدم مصداقيتها في التعامل مع الحق الفلسطيني والضغط على منظومة الاحتلال، لكن يجب أن يعلموا أن فخامة الرئيس أبو مازن رفض رجاء بلينكن بتأجيل التصويت على القرار لساعات، بالرد حرفيًا: "ولا دقيقة".

أما من يريد معرفة القضايا التي بحثت في اجتماع العقبة الخماسي فبإمكانه قراءة ذلك في وسائل الإعلام الرسمية الفلسطينية: وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" حيث نشرت الأحد، تحت عنوان: وفد فلسطين للاجتماع الخماسي يقدم تقريرًا لسيادة الرئيس حول المداولات والموضوعات التي تم بحثها والنتائج التي تم التوصل إليها، ونقلته صحيفة الحياة الجديدة لمن يقرأ الصحف، وتلفزيون فلسطين لمن يبصر ويشاهد ويسمع ويعي ببصيرته!

المفيد في الخبر أن الوفد طرح الموقف الفلسطيني المتفق عليه في اجتماعات القيادة وشمل: " إيقاف الاستيطان وإرهاب المستوطنين والحفاظ على هوية وطابع مدينة القدس والحفاظ على الوضع التاريخي في الأقصى" و"إعادة فتح المؤسسات المغلقة في القدس وعقد الانتخابات فيها وفق الاتفاقيات".. "وإيقاف الاقتحامات للمدن والقرى والمخيمات وأعمال القتل ووقف هدم المنازل وتهجير الفلسطينيين".. "الالتزام باتفاق الخليل وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل عام 1993 والأسرى الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى" و"عودة الأوضاع إلى ما قبل 28 أيلول/ سبتمبر 2000 وعودة الأطقم الفلسطينية للجسور والمعابر الدولية".

نحترم ونشجع المعارضة الوطنية الحقيقية، المرتكزة في نقدها ومعارضتها على معلومات، وخلاصة بحث ونقاش وطني خالص مخلص من المصالح الحزبية، لكن ضرب المعلومة الفلسطينية عرض الحائط، وكذلك إغفال المواقف السابقة والحالية للقيادة الفلسطينية وسيادة الرئيس أبو مازن تحديدًا، والسير في اتجاه نشر دعاية حكومة منظومة الاحتلال المأزومة على أنها الحقيقة الدامغة، فهذا نحر باليد لمبدأ المعارضة الوطنية التي من واجبها رؤية الصراعات داخل جبهة منظومة الاحتلال والخلخلة في ائتلاف الحكومة الفاشية، وقراءة توجهات حكومة منظومة الاحتلال لتصدير أزمتها بالكذب على جمهور أحزاب الائتلاف الحاكم وبث دعايات وما يسمى تسريبات عن اجتماع العقبة لا وجود لها إلا في مخيلة رأس الائتلاف نتنياهو الذي يسعى للحفاظ على حكومته في خضم إعصار الموقف الوطني الجريء للقيادة الفلسطينية ولسيادة الرئيس أبو مازن، والقرار الفلسطيني بالذهاب إلى المنظمات الدولية لمحاسبة منظومة الاحتلال على جرائمها... وإعصار المعارضة الداخلية لانقلاب حكومته على القضاء، ورؤيتها بأن سياسته الداخلية والخارجية ستؤدي لإضعاف وتفكيك كيان المنظومة.

يجب وضع ألف خط أحمر وعلامة استفهام تحت اسم كل من يتخذ مصادر منظومة الاحتلال الاستعماري الفاشية (إسرائيل) قواعد لبناء مواقفه ضد القيادة الفلسطينية، فهذا الأمر لا يمكن تفهمه إطلاقًا، باعتباره خارج سياق الموضوعية ومنطق الانتماء الوطني، ضد معلومات وثيقة وتقديرات تؤخذ فيها مواقف القيادة الفلسطينية السابقة والحاضرة، والمعلومة حرفيًا والمعلنة بدون ألغاز أو مواربة، فرأس القيادة ودماغها الوطني المفكر الحكيم - وأقصد هنا سيادة الرئيس أبو مازن – لم يطرح الموقف األوطني الفلسطيني إلا واضحًا صريحًا مفصلاً من دون لبس، لقناعته أن حقائق اللحظة السياسية الراهنة ملك للشعب الفلسطيني عمومًا، والأمة العربية والأصدقاء الأحرار الشرفاء في هذا العالم، لذلك لم يوفر فرصة في المحافل الوطنية والعربية والدولية إلا وطرح الموقف والرؤية الفلسطينية بموضوعية وواقعية سياسية، بحكمة وشجاعة قل نظيرها في زمن الخضوع والتسليم والتطبيع الذي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على كثير من أنظمة دول في العالم، فموقف الرئيس الوطني انعكاس لإيمانه بالحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني بأرض وطنه فلسطين، وبحقوقه السياسية والإنسانية كافة، وإدراكه للسبل والوسائل الرافعة للمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، ونعتقد أن بحثا سريعا في أرشيف خطابات وتصريحات رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية أبو مازن، سيبين قصر نظر المراهقين الذين يحاولون اللعب في ميدان السياسة، كما ستكشف نوايا الذين يذهبون للتعبير عن مواقفهم الرافضة أو المعارضة لخطوات وقرارات وتوجهات الرئيس، ويقصفون بها جبهة الجماهير بوابل من التأويلات والتفسيرات الرغبوية الفئوية، فتبدو مواقفهم وكأنها مستخلصة مما تنشره وسائل إعلام معادية - دون التصريح – في أسوأ عملية تشكيك بنوايا وإرادة ومواقف الرئيس الوطنية التي يعرفونها ويقرون بها في دواخلهم، لكنهم معنيون بدغدغة مشاعر الجمهور، والعزف على عواطفه في ساعات المأساة والألم، التي حسب يقيننا أنها تحتاج إلى ذروة التعقل والحكمة والرؤية الصحيحة، أما الخطابات المتشنجة، والمواقف النارية (الخُلّبية) فقد ثبتت عدميتها في تحقيق أدنى هدف وطني للشعب الفلسطيني.

 

المصدر: الحياة الجديدة