في أفلام الرعب الكثير من اللقطات المأساوية، التي تخطف الأبصار والأفئدة في آن. وكذا في الحروب بكل مسمياتها تحمل في ثناياها مشاهد دامية وموجعة ناجمة عن الدمار والدماء النازفة في جبهات القتال، وكل التداعيات المرتدة عنها التي تفتك بالضحايا العزل الأبرياء من المدنيين، وتضاعف من نقص المواد الغذائية، وارتفاع الأسعار في آن، ما يزيد من نسبة الجوع والفقر بين السكان المستهدفين بالحروب، ونقص الدواء والعلاج، وانتشار ظواهر القتل على الهوية، وارتفاع منسوب اللصوصية والاغتصاب وغيرها من الجرائم الوحشية.

بيد أن ما تقدم لا يضاهي شيئًا أمام الزلازل المدمرة، التي تستطيع خلال ثوان قليلة تغيير وجه الطبيعة، وتعيد الدول والمدن والقرى عشرات السنين للوراء، وتلقي التراجيديا السوداء بثقلها وغضبها على بني الإنسان بشكل صاعق، وتهدد حضارات الشعوب والأمم في زمن قياسي.

فجر أمس الأول الإثنين، شهدت عشر ولايات تركية زلزالاً من الطراز المذكور، والذي ضرب شمال سوريا عمومًا وإدلب وحلب وريفهما خصوصًا بكارثة لا تقل بشاعتها عما أصاب الشعب التركي، وأدى لتدمير ما يقارب من العشرين ألف مبنى في الدولتين الجارتين، وعشرات آلاف من الضحايا بين الأموات والجرحى والمطمورين تحت الأنقاض ينتظرون يد الله جل جلاله والمنقذين لإنقاذ من ما زال يكابد الحياة تحت ركام العمارات والأبنية التي تساقطت كأحجار الدومينو في مشاهد مرعبة وقاتلة.

مأساة كارثية بكل معنى الكلمة أصابت الشعبين الجارين، وحسب خبراء هيئة الأمم المتحدة فإن المنطقة لم تشهد زلزالاً بهذه القوة منذ قرن مضى تقريبًا. ولكن مأساة أبناء الشعب العربي السوري مضاعفة في هذه الكارثة لأكثر من سبب، أولاً حصول الزلزال في منطقة الصراع المحتدم بين الدولة والقوى التكفيرية؛ ثانيًا غياب سيطرة الدولة الكلي عن تلك المناطق؛ ثالثًا العقوبات متعددة الأوجه الغربية عمومًا والأميركية خصوصًا اللاإنسانية المفروضة على سوريا، وتأثيرها الخطر على وصول المساعدات؛ رابعًا حدوث الزلزال في مناخ شتائي شديد البرودة، ما صعب إمكانيات التدخل في الإنقاذ؛ خامسًا صعوبة وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين نتيجة تعدد القوى المتصارعة؛ سادسًا صعوبة توزيع المساعدات على المحتاجين؛ سابعًا انعدام وجود الآليات والإمكانيات اللوجستية اللازمة للإنقاذ؛ ثامنًا ارتفاع عدد الأبنية المدمرة، وتوزعها على مساحات واسعة؛ تاسعًا نقص المستشفيات والمستوصفات والخدمات الصحية عمومًا؛ عاشرًا النقص الحاد في أماكن الإيواء للذين دمرت بيوتهم وشققهم السكنية.

ومأساة الأشقاء السوريين لا تنحصر في المحافظات التي طالها الزلزال الكارثي، وإنما تعرض المئات وآلاف منهم لتداعيات الكارثة في تركيا نفسها، موقع الزلزال. لا سيما أن هناك ملايين السوريين الذين لجأوا لتركيا نتاج الصراع الدامي فيها منذ عام 2011، وأصابهم ما أصاب الشعب التركي في الولايات العشر.

كل هذه العوامل هددت وتهدد مصير عشرات آلاف من المواطنين السوريين والمقيمين على الأراضي السورية، وتفتح شهية الموت لالتهام أرواح أبرياء جدد ممن لا مأوى لهم، وتأخر وصول المساعدات الإنسانية المطلوبة، وعدم تمكن المستشفيات الموجودة من تقديم المساعدات العلاجية للجرحى والمصابين لمحدوديتها، ونقص الإمكانيات فيها.

هذا المشهد الكارثي يتطلب من كل الأشقاء العرب أولاً وقبل كل شيء تقديم المساعدة للأشقاء في سوريا، واختراق كل الحواجز والتعقيدات لتقديم المساعدات العاجلة دون انتظار، ودون التوقف عند حدود السياسة وخلفيات الأنظمة من بعضها البعض. وكذلك على الجمعيات الخيرية الأهلية من مختلف المسميات في الدول العربية إعلان حالة الطوارئ لجمع المساعدات من الشعوب الشقيقة لدعم أشقائهم، وأيضًا على كل دول العالم دون استثناء الإسهام بدورها الإنساني لدعم الشعبين السوري والتركي ودون تمييز أو حسابات ضيقة.

اللحظة الكارثية تفرض كسر التابوهات والقيود السياسية والأمنية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشعبين التركي والسوري فورًا ودون تردد أو تفكير؛ لأن المصلحة الإنسانية، وحماية الإنسان القيمة الأعلى على كوكب الأرض تعلو على كل الحسابات الضيقة.

 

المصدر: الحياة الجديدة