رحم الله ضحايا الزلزال المدمر من الشعب السوري الشقيق، ومن الشعب التركي الصديق، ومن اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات السورية، وكأن قدرنا أن نكون شركاء في قوائم الشهداء الذين تغافلهم الطبيعة بقسوتها، فهنا في أريحا أول مدينة مأهولة في تاريخ البشرية استفاق أهلها على أسماء كوكبة من الشهداء الفلسطينيين، ضحايا زلزال العدوان وإرهاب (دولة إسرائيل) المنظم، زلزال عدوان مستمر منذ أكثر من مئة سنة، مسلط على الشعب الفلسطيني فاقت قوته أعلى درجات الجريمة ضد الإنسانية، والهدف واضح لا لبس فيه ـ تحويل فلسطين إلى أرض فارغة من شعبها، ووسيلتهم لذلك دك بيوت الفلسطينيين بآلة الدمار والقتل والنار مع كل فجر، حتى تصير صباحات فلسطين دموية،  فإن كانت الطبيعة عمياء لا ترى ولا تقدر ولا تميز بين صغير وكبير، وقوي قادر وضعيف، وبين حق وباطل، إلا أن الغزاة الصهاينة المجرمين يعلمون ويدركون فظاعة جريمتهم التي ينفذونها في جنح الظلام في مدن وقرى ومخيمات فلسطين، يعبثون بحياة الفلسطيني ودمه وروحه ورزقه وبيته وأرضه وجذور ماضيه ومنارات مستقبله، بقصد تبديد أمله في السلام والأمان والعزة والكرامة والحرية على أرض وطنه فلسطين، فتصير جرائمهم  بمعيار الإنسانية  ككوارث الطبيعة – إن لم تكن أشد وطأة على النفوس- رغم قساوة ضربات الطبيعة المدمرة المميتة الأسرع والأوسع. 

منذ سنوات وملف الزلازل في منطقتنا على طاولة الباحثين والدارسين في هذا المجال، لكن الزلزال في سوريا وتركيا وحجم الدمار ورقم الضحايا الكبير من المواطنين السوريين والأتراك واللاجئين الفلسطينيين يدفعنا للاعتقاد بضرورة وضع هذا الملف على رأس قائمة جدول أعمال القيادة الفلسطينية وحكومة السلطة الوطنية، ما يعني تشكيل ورشة عمل منذ اليوم لبحث الإجراءات اللازمة والضرورية للحفاظ على أكبر قدر من أرواح المواطنين وممتلكاتهم، وكذلك سلامة المؤسسات الرسمية وموظفيها وشاغليها من المواطنين كالمدارس والجامعات والمعاهد، حتى وإن كنا على قناعة بأن الطبيعة لا تنذر ولا تمنحنا فرصة كافية للنجاة، لكن التوجيه الإعلامي المنظم للمواطنين ضروري في كيفية التعامل مع كوارث الطبيعة بما فيها الزلازل، وهنا يتجلى دور المعلمين في تعريف التلاميذ بواجبات الاحتياط في مثل هذه الحالات، وبالتوازي الفحوصات الدورية على المباني، وتهيئة أماكن إيواء افتراضية لتصبح واقعية بعد الكارثة بساعة على الأكثر، وتهيئة الكوادر البشرية المتخصصة، وكذلك  المتطوعين، وتجهيزهم بالمستلزمات الضرورية، مع خطة محكمة ترسمها وتنفذها غرفة عمليات وطنية، لتوظيف آليات رفع ونقل الأنقاض الخاصة والحكومية والتابعة للبلديات في اللحظة التالية للحدث، أما المستشفيات والطوارئ الحكومية والخاصة فنفترض أنها في جاهزية نظرا لواقع الاحتلال وجرائمه اليومية لكن كوارث الطبيعة تحتاج لإعدادات خاصة. 

نعتقد أن الزلزال في سوريا وتركيا يفرض علينا أخذ كوارث الطبيعة بمنطق الاستعداد المادي والمعرفي والإعداد العقلاني، رغم إدراكنا أن الكوارث الطبيعية – عندما تحدث - قد تفوق التصورات والتوقعات وقدرات دول عظمى ومتقدمة علميا وذات شأن عظيم في الاختراعات، لكن كل هذا لا يمنعنا من التفكير بجدية، فنحن بلد صغير محاصر من منظومة الاحتلال الإسرائيلي، وأي مساعدة خارجية إذا كانت الكارثة أكبر من قدراتنا ستكون عسيرة الوصول – هذا إن سمحت سلطة الاحتلال بوصولها. 

 المؤلم حقًا أن بعض الدول الكبرى قد أبدت تعاطفًا شابه التمييز بين ضحايا هذه الكارثة  الطبيعية (زلزال سوريا وتركيا، وبدا وكأن العلاقة السياسية مع دولة الضحايا هي الناظمة لمستوى التعاطف وإبداء المساعدة، وبغض النظر عن حجم الدمار ورقم الضحايا في كل بلد، فإن واشنطن مثلا أبدت استعدادها لمساعدة تركيا، ولم ترشح أي مواقف منها تجاه ضحايا الشعب السوري، وهذا التمييز يمنحنا درسًا مهما يؤكد حاجتنا إلى الاعتماد على الذات ما أمكن، حتى وإن كنا على يقين أن أعظم دولة في العالم ستحتاج مساعدة خارجية  إذا كانت الكارثة أعظم وأكبر من قدراتها.

 

المصدر: الحياة الجديدة