صباح أول أمس استيقظ العالم على كارثة من الطراز الثقيل، زلزال كبير بقوة 7.9 على مقياس ريختر، تبعه أكثر من 100  زلزال ارتدادي، ضربت جنوب شرق تركيا وشمال سوريا، وشعر بها الناس في عموم سوريا ولبنان وأجزاء من العراق وشمال فلسطين، وحتى في القاهرة. آلاف الناس قتلوا وجرحوا ومئات الآلاف باتوا مشردين في العراء في طقس شديد البرودة، إنها مأساة إنسانية كبيرة أذهلت البشرية. 


رأينا مشاهد فظيعة على جانبي الحدود الآف المباني سقطت كعلب  كرتون، لا يزال تحت أنقاضها مئات العائلات، أطفال ونساء وشيوخ من كل الأعمار، بشر ما زال قسم كبير منهم يتنفس ويئن، راجين أن تصلهم أيدي المنقذين قبل فوات الأوان. في شمال سوريا حيث مناطق واسعة لا تزال خارج نطاق سيطرة الحكومة في دمشق، كان الوضع أكثر مأساوية بسبب قلة الموارد، والمعدات.
دعونا نتخيل لو كان الزلزال قريبًا أكثر كيف سنتصرف نحن وجيراننا الإسرائيليين، ما يطرح سؤالاً عن العلاقات بين بني البشر قبل أن تعمي الأيديولوجيا عيونهم؟ أليست قيمة حياة الإنسان أهم من الأيديولوجيا، خصوصًا إذا كانت مستوردة من الزمن الغابر؟ أليس السلام أهم، وأن نواجه الكوارث معًا بما أننا جميعًا بشر؟ 


في لحظة الكارثة الطبيعية تتراجع الضغائن، ويسود التضامن الإنساني، رئيس وزراء اليونان، على سبيل المثال، يهاتف الرئيس أردوغان عارضًا على بلاده المساعدة، هما شعبان وبلدان جاران وسيواصلان علاقة الجوار لآلاف السنين القادمة، أليس من المناسب أن يجد الطرفان حلولاً لمشاكلهم بالحوار؟ وقد يكون السؤال ذاته بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، ليسارعا لوقف هذه الحرب المجنونة، ويبحثا عن حلول بالحوار والمفاوضات؟ 


قد تبدو هذه الأسئلة غير واقعية، بل مثالية، ولكن في لحظة الكارثة نشعر أننا جميعًا مستهدفون من غضب الطبيعة، وبالتالي فإن الأسئلة تستحق الطرح، وربما تستحق أن نفكر بها بعمق.  
تقول دراسة إسرائيلية إن 60 ألف مبنى في إسرائيل لن تصمد في وجه زلزال بحجم الذي شهدته تركيا وسوريا، وإن 170 إنسان سيصبحون دون مأوى، وأن مئات سيقتلون، بالإضافة إلى آلاف الجرحى بحيث لا قدرة للمستشفيات على علاجهم. فكيف يمكن أن يكون هناك معالجات لهذه الكارثة دون أن يكون هناك سلام، ربما العبرة من كل ذلك هو وقف الاستيطان في مناطق الدولة الفلسطينية و إنهاء الاحتلال والتركيز على إعادة بناء مبانيكم الآيلة للسقوط، وأن تتركونا نحن نقوم بالشيء نفسه نعيد بناء بنيتنا التحتية التي هدمها احتلالكم ونعد أنفسنا لاحتمال الكارثة.


الجدار الذي يقف في وجه هذه الأمنيات، هو اليمين المتطرف الإسرائيلي، الذي يفكر بمنطق "إما نحن وإما هم"، لعل هذا المنطق بحاجة ليس لزلزال كبير وإنما لزلزال عظيم مدمر، وفي مثل هذه الحالة تكون الطبيعة هي من تفرض حلها. والمشكلة أن في الطرف الإسرائيلي لا يزال يعتقد أنه "شعب الله المختار"، وبالتالي هو محصن من الكوارث. وهذا يعني أنه بحاجة إلى أن يهبط من عالم الأسطورة إلى الواقع، ليكتشف أن الجدران هي من صنع العقل الكولونيالي ليبرر احتلاله لشعب آخر، ويبرر أنه صاحب "الحق التاريخي"  و"المالك الحصري" للأرض. لقد قبلنا بتسويات أقل إنصافًا إلا أن إسرائيل  بهذا العقل العنصري تريد  كل شيء.. هل ستكون بحاجة لكارثة لتصحو؟ هذا السؤال مطروح على الرأي العام الإسرائيلي فهو من عليه أن يجيب،  فنحن شعب تحت احتلالهم ، وهم والحالة هذه، أصحاب القرار، إذا ما كانوا سيواصلون احتلالهم لشعب آخر أم لا؟

 

المصدر: الحياة الجديدة